أجاب قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في قداس عيد دخول العائلة المقدسة الى مصر، على سؤال لماذا جاء المسيح إلى مصر وقال لدينا 3 إجابات مهمة جداً:
أولا: إن السيد المسيح أتى إلى مصر لكي ينهي عبادة الأوثان، فكانت الأوثان وعبادتها منتشرة في أرض مصر منأيام العصور الفرعونية وحياة الإنسان والبشر بدأت فيها أيضا العبادات الوثنية في كل العالم أيضا.. ناس بتعبدالبحر وأخرون يعبدون الجبل أو الشمس أو المياه أو تماثيل وأصنام، إلى أخره.. فكانت هذه العبادات التي تعبر عما في داخل الإنسان أنه يبحث عن إله قوي.. وتعددت الألهة حتى أن نهر النيل كان أحد المعبودات وكان يسمى الإله حابي.
جاء المسيح لينهي هذه العبادة ويستأصلها وينهيها من مصر من كل العالم لأن العالم ارتقى بعد ماكان يعبد الوثنيات بكل أنواعها يبدأ يتجه إلى الإله الحي. ولذلك كل ما نقرأ على قصة الهروب إلى مصر نرى أن كل مدينة كانت العائلة المقدسة تدخلها يسجل لنا التاريخ أن الأوثان كانت تنكفي على وجهها وتنكسر، وفي بعض المواضع الأثرية مثل تل بسطا وغيرها نجد الأوثان ساقطة حتى اليوم كما هي. ومن هنا كانت نهاية الوثنية فيحياة البشر.
ثانياً: جاء السيد المسيح إلى مصر لكي يبارك أرضنا، ويبارك بلدنا وترابها ومياهها، ومن هنا نشأت فكرة الأواشي،فنقول: أذكر يا رب مياه النهر باركها.. ثم عندما امتدت الكنائس في أماكن كثيرة نذكر يا يبارك الرب مياه الأنهاروالأمطار والينابيع إلى أخر مصادر المياه المتعددة.
جاء السيد المسيح ليبارك مصر ويعطيها بركة خاصة، البركة أيها الأحباء لا نراها بأعيننا ولكن البركة نشعر بها فيحياتنا.. مثل المياه عندما نسخنها، نجد الحرارة تدخل فيها لكننا لا نرى الحرارة.. لذا نحن نشعر في مصر أن هناكبركة خاصة والذي يقرأ التاريخ ويعرف الخغرافيا ويدرس التراث يعرف أن تاريخ مصر العظيم بدأ من العصورالفرعونية امتدادا للعصور ما بعد ميلاد السيد المسيح امتلأت ببركة كثيرة جدا.. ورغم المحن والضيقات التي حدثت على مدار التاريخ في أوقات متعددة حتى كنا نعتقد وقتها أن هذه نهاية العالم لكن نفاجأ أن الضيقة تزول وتنتهي ومصر تبعث من جديد وتظهر فيها البركة.. بركة في طبيعتها ومياهها وهواؤها حتى بركة في الشكل الجغرافي.. أنتم تعلمون أن مصر تقريبا هي البلد الوحيد في العالم مربعة الشكل – ألف كيلو في ألف كيلو بمساحة مليون كيلو متر مربع.
ونجد أنها تطل على مياه البحار من ناحيتين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وقناة السويس، ومن الجانبين الأخرين على الصحراء، لوحة رسمها الله..
ويقولون على مصر أنها فلتة الطبيعة، فهذه البلاد لها سمات خاصة كما يتضح في كتاب جمال حمدان “شخصية مصر” الذي يتكلم عن عظمة مصر – سواء من البشر أو الحجر أو الشجر..
جاء السيد المسيح ليبارك وتجد هذه اللوحة الجميلة التي رسمها الله وسطها نهر النيل، وهو في التاريخ وعلى مرالعصور مجرى واحد يمشي في وسط أرض مصر حتى حدود القاهرة ثم ينقسم إلى فرعين – فرع رشيد وفرع دمياط– وعندما تنظر إلى الخريطة المصرية الحالية تجد أن نهر النيل يمثل إنساناً يرفع يديه ويصلي فكأننا نأخذ روحالعبادة من خلال النهر والطبيعة.. كلنا نعرف أهمية المياه لحياتنا ومن خلال سر المعمودية المقدس وكان قديما يعمدون الأطفال في النهر مباشرة بدون جرن معمودية، فجاء السيد المسيح لكي يبارك مصر..
ورغم أن الكنيسة القبطية تنتشر في العالم مع حالة السفر والهجرة لأسباب متعددة إلا أن مصر تحتل القلب فيجسم الكنيسة القبطية المنتشرة ولا يستطيع إنسان أن يستغنى عن قلبه، فالقلب هو الذي يمد الحياة لكل الأعضاء..
حتى لو بحثنا في الأمثال المصرية تجدها تتكلم كثيرا عن البركة مثلا: ماذا نريد من الدنيا غير الصحة والستر ومثلأخر يقول: محدش بيبات جعان.. كلها تحكي عن بركة الله الذي لا يتركنا ويبارك ويستر ويشبع.. البركة في حياةالمصريين، في حياة الأرض والوطن والتاريخ، في الحياة السياسية التي نحياها، في الأزمات الاقتصادية..
ثالثاً: السيد المسيح جاء إلى مصر ليعلمنا أحد المبادئ الروحية القوية في حياة الإنسان في أي زمان وهذا مبدأ هومبدأ الهروب.. إهرب لحياتك.. يتعرض الإنسان لخطايا كثيرة وضعفات عديدة وأحيانا يقف أمام الضعف ويسلمنفسه ويسقط وتكون النتيجة مؤلمة.. لذلك التاريخ يحكي أن هيرودس قتل الأطفال وتخيلوا معي مدينة بها أطفالصغار كل طفل عمره سنتين يقتلوه.. تخيلوا معي المناحة التي كانت موجودة.. راحيل تبكي ولا تريد أن تتعزى.. ولذلك لدينا عيد نحتفل به إسمه يوم تذكار شهداء بيت لحم.. مدى الألم الشديد الذي كان موجود وقتها.. ولكن ماذافعل السيد المسيح أمام شر هيرودس؟ السيد المسيح ابتعد وهرب من شر هيرودس وخطيته.. ولذلك أحد مبادئالسلامة الروحية في حياتنا هو مبدأ البعد.. حتى في النسكيات الرهبانية يقول لنا “حب الكل وأبعد عن الكل”.. فاهرب لحياتك، هي أحد المبادئ التي تحمي الإنسان أنه يجرب أو يسقط أو أحاول.. مبدأ روحي أصيل في التربيةالروحية في حياتنا أن الإنسان عندما يرى الشر يتوارى ويهرب ويبعد ويتجنبه لألا يدخل في تجربة.. نحن نصلي قائلين لا تدخلنا في تجربة فلا تذهب لها برجلك وبإيدك، لتكون النتيجة سيئة.