السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

مشروع "تحولات" يرد الاعتبار للشعر العربي

شعراء ونقاد: نقاوم لينجو الفن والجمال

صورة العدد الورقي
صورة العدد الورقي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الشعر هو فن السؤال لكنه اليوم السؤال ذاته، ومن هنا تأتى أهمية مشروع المركز العربى للصحافة ومؤسسة «البوابة»، الذى انطلق تحت اسم "تحولات" ويستهدف إحياء الشعر العربى والتنقيب فى بقاع العالم العربى لاكتشاف أجيال جديدة من ناظمى الشعر، وقد صدر، حتى الآن، أربعة دواوين لأربعة شعراء.

منذ زمن بعيد كان الشعر والشعراء بؤرة نقاش للمفكرين حينما كان مسيطرا على الحاضر الاجتماعى فمثلا كتاب "فن الشعر" ترجمة عبد الرحمن بدوى للفيلسوف أرسطو قال فيه:

"إن عمل الشاعر ليس رواية ما وقع، بل ما يجوز وقوعه، وما هو ممكن على مقتضى الرجحان أو الضرورة فإن المؤرخ والشاعر لا يختلفان بأن ما يرويانه منظوم أو منثور، فقد تصاغ أقوال هيروجوتس فى أوزان فتظل تاريخاً سواء وزنت أم لم توزن بل هما يختلفان بأن أحدهما يروى ما وقع على حين أن الآخر يروى ما يجوز وقوعه، ومن هنا كان الشعر أقرب إلى الفلسفة وأسمى مرتبة من التاريخ لأن الشعر أميل إلى قوة الكليات على حين التاريخ أميل إلى قوة الجزئيات".

وفى موضع آخر من الكتاب ينشغل فيه أرسطو بفنون الشعر وعلاقة المأساة بالملحمة يقول: "أضف إلى هذا أن المأساة حتى بغير الحركات تأتى بنفس الأثر الخاص بها شأنها شأن الملحمة لأنه من مجرد القراءة البسيطة يمكن أن ترى قيمتها بوضوح فإذا كانت تمتاز من سائر الوجوه فليس من الضرورى أن تكون لها هذه الميزة وهى فعلا تمتاز لأنها تتضمن جميع مزايا الملحمة بل تستطيع أن تستخدم نفس الوزن، يضاف إلى هذا وهو أمر وسيلة ممتازة لإحداث المتعة و تمتاز المأساة كذلك بسدة الوضوح".

رغم ذلك العالم المفعم بالشعر الذى دلنا إليه أرسطو فى عصره إلا وتراكمت منذ عقود العديد من العوامل التى ساهمت فى تراجع فن الشعر أو انحساره كما تنحسر المياه فى الأنهار، وبتباين وظائف تلك العوامل أصبح انحسار الشعر وحصاره ظاهرة ثقافية وحضارية مركزية النقاش فى الأوساط الثقافية.

والغريب فى الأمر والمدهش أيضا هو أن جل تطور أو انحدار ما كان له تأثيره المباشر على الشعر والشعراء.

فى هذا الاستطلاع يناقش هذا العدد الخاص من "البوابة" هذه الظاهرة وتحاول الإجابة عن: كيف أثر تطور وسائل الإعلام على فن الشعر؟ وما تأثير وسائل التواصل الاجتماعى على الشعر والقراء؟ هل تراجع فن الشعر كان بسبب اهتمام القارئ بأجناس أدبية أخرى مثل الرواية؟ أم القارئ هو الذى تغير؟ هل فقد الشعر وظائفه؟ أم انعكس التطور الحضارى بالسلب عليه؟ هل انحدرت الذائقة أم تطورت؟ وأشياء أخرى.. فلنقرأ تحليل الظاهرة على لسان نخبة من الشعراء وأساتذة النقد الأدبى.

الجريدة الورقية

عبدالمنعم رمضان: الشعر يعجز أن يكون خادما

لأسباب لا تنتهي، بعضها خاص بالفنون ذاتها، وأغلبها خاص ببشر الأقفاص، يزداد عدد بشر الأقفاص فى أزمنة الضياع، ونحن نعيش أبرز هذه الأزمنة منذ محمد على حتى الآن.

الشعر يعجز أن يكون خادما، على أى مستوى، سياسيا كان أو اقتصاديا أو ثقافيا، لذلك هو أقدر كشاف لفقدان الإنسان حرياته جميعا، كما نحن الآن، والشعر فى غياب هذه الحريات لا يستطيع أن يكون ملاكا بائسا، أو شيطانا أبيض، الشعر دال، مرة ثانية الشعر الدال، أو بلغة أخرى الشعر هو الدال الأعظم على مكانه وزمانه، ينحسر بانحسار حريات أصحاب هذا الزمان، ويفيض ويزدهر بازدهارها، الآن لا يجب أن تسأل عن الشعر، الفريضة الغائبة هى أن تسأل عن الحرية.

 

الشاعر عبد المنعم رمضان

 

أحمد سراج: اختفى الاحتفاء بالشعراء فى وسائل الإعلام

أحب أن أسأل: ما معنى أن يتراجع جنس أدبي؟ وهل هذا -إن صح - جديد؟ وهل يخصم تقدم جنس أدبى من جنس آخر؟

الشعر أكثر الفنون تأثرًا؛ لأنه فن النوستالجيا فنشعر نحن العرب أنه فننا وأنه طبقًا لهزائمنا فى كل شيء؛ الفردوس المفقود هذه واحدة، الثانية هو صراعات العزل فهناك من يريد أن يقتصر الشعر على نوع محدد؛ فيعزل كتاب بقية الأنواع وبالتبعية يعزلونه.

ويأتى تحول الشعر فى كثير من الأوقات إلى مهرج فى مسابقات الدمى؛ فالمشتركون دمى والمحكمون دمى والجمهور دمى.

الشعر علاقة بين الشاعر والناقد والجمهور؛ فهل يكتب شاعرنا لجمهوره، وهل يوجد الناقد الذى يفك طلسم قمقم الأحكام المعلبة؟ وهل هناك جمهور يتابع النص الشعري؟

فى وقت مضى كنت ترى الشعراء فى التليفزيون بشكل لائق، وكانت هناك برامج مخصصة لهم، فأين هم الآن؟

ينسحب هذا على المسرح، وعلى القصة وعلى الرواية لولا شواذ تثبت القاعدة لا تنفيها، نحن فى عصر تهميش ثقافة القيم المنتجة، لصالح ثقافة قيم التسليع الرخيص، كيف تنتظر اهتمامًا بفن فى عالم عربى يدفع لمصارع أجنبى ملايين الدولارات للاشتراك فى مصارعات تستخف بالعقول؟ ولممثلين لا يقدمون إلا التفاهات عشرات الملايين؟

يحاصر الشعر والفن والجمال كل يوم كل ساعة من (أعدقاء يقصد أعداء فى صورة أصدقاء ) شتى.. يطعنون الخواصر بخناجر مسمومة نحاصر ونقاوم لا لننجو نحن، بل لينجو الشعر والفن والجمال.

 

شَوقٌ إِلَيكَ تَفيضُ مِنهُ الأَدمُعُ

وَجَوىً عَلَيكَ تَضيقُ مِنهُ الأَضلُعُ

وَهَوىً تُجَدِّدُهُ اللَيالى كُلَّما

قَدُمَت وَتَرجِعُهُ السِنونَ فَيَرجَعُ

إِنّى وَما قَصَدَ الحَجيجُ وَدونَهُم

خَرقٌ تَخُبُّ بِهِ الرِكابُ وَتوضِعُ

البحترى

 

 

الشاعر أحمد سراج

 

 

 كامن فى خلفية المشهد دائمًا

قال الشاعر محمد الكفراوي: هل تراجع الشعر عن الحضور فى الساحة الأدبية مقابل أجناس أو أنواع أخرى من الكتابة احتلت الصدارة؟ ربما تكون الإجابة عن هذا السؤال نعم، عمليا بحكم الواقع ووفقا لقواعد النشر والتوزيع والجوائز وخلافه، لكن هل تراجع الشعر فى الوجدان؟ هذا هو السؤال الجوهرى والذى يحتاج إجابة. 

وحين فكرت فى حال الشعر حاليا ونزوع الكثيرين ممن لديهم موهبة حقيقية وتجارب مهمة لأنماط أخرى من الكتابة مثل الرواية أو الرحلات أو الكتابة السرية عموما، أعذرهم تماما، فالحالة الإبداعية لا يمكن تنميطها بل ومن الخطر تأطيرها وحصرها فى جنس أو نوع أدبي، لكن يظل المخلصون للشعر الأمناء تجاهه المؤمنين بقوته وسطوته وتفرده فى الربط بين العوالم المختلفة التى نعيشها، مادية وروحية وحتى العوالم الحلمية والكابوسية والخيالية، من يثقون بتلك القدرة قلائل، وربما معدودون فى كل جيل وكل دولة عربية. 

هناك أسباب لا تحصى لتراجع الشعر عن الحضور على الساحة الأدبية والعربية، أولها الشعراء أنفسهم ومدى إيمانهم بالشعر قيمة ورسالة ومعنى ومبنى، ثانيها الأسباب يمكن اعتبارها المؤسسات الرسمية التى لا توليه اهتماما كبيرا فى النشر أو الجوائز أو الندوات والمؤتمرات التى تعقدها، ثالثها يمكن إحالته للمجتمع الأدبى نفسه الذى ينساق وراء الأنماط الرائجة فيصاب دون أن يدرى بخلل وجداني، ويمكننا أن نلاحظ مدى عزوف دور النشر عموما عن نشر الشعر إلا ما ندر.

إذا لجأنا لعامل الزمن ونظرية الإحلال والإزاحة، يمكننى أن أعتبر الشعر تراجع لصالح أجناس أكثر ملائمة لإيقاع العصر السريع الذى نعيشه، لكنه يظل دائما كامنا فى خلفية المشهد ينطلق منه الجميع وينهلون من وعائه الذى لا ينضب، ومن ثم يخاتل ويغامر ويظهر بين سطورهم وكلماتهم حتى دون أن يقصدوا أو يشعروا.

أما الشعر بمعناه الجماهيرى الواسع المرتبط بالأغانى أو التداول العام أيا كان شكله، فهو لا يمثل الجوهر الذى أتحدث عنه، جوهر الشعر الكامن وراء كل جملة وأحيانا خلف كل نفس يتنفسه الكاتب. 

الشعر تراجع فى الحضور على الساحة نعم، صعدت أجناس أدبية أخرى واحتلت المشهد، جائز، أما أن يتراجع الشعر فى الوجدان فهذا ما لا يمكن تصوره أبدا سيظل دائما ركيزة أساسية ونقطة انطلاق لكل مبدع أو كل من يطمح فى أن يقدم جديدا فى عالم الإبداع، ولا شك أن الفترة الأخيرة شهدت صحوة نسبية من الحضور الشعرى على مستوى الوسط الثقافي، سواء على مستوى النشر العام أو الخاص أو الندوات أو حتى على الفضاء الإلكترونى الذى يحتفى به ويقوم بدور مهم فى نشره وإعادته للساحة مرة أخرى قويا بهيا فريدا جذابا.

الشاعر محمد الكفراوي

لونكَ لونُ الماء/ يا جَسَدَ الكَلامْ/ حين يكون الماءْ/ خميرةً أو صاعقاً أو نارْ/ وَاشْتعَلَ الماءُ وصارَ صاعقاً وصارْ/ خميرةً ونارْ،/

نَيُلوفراً /يسْألُ عن وسادتى / ينامْ...

أدونيس

 

الشعر الحر لم يأخذ وقتًا كافيًا لينضج

وقال الشاعر مصطفى الملح:  كان الشعر منذ خمسة عشر قرنا ديوان العرب يسجلون فيه انتصاراتهم، ويضمنونه مشاعرهم، ويقبضون من خلاله على الزمن ليتسنى للمرء الاستمتاع بتلك القصائد العظيمة المخضبة بدم القبيلة وصهيل الخيول وتدفق الجغرافيا. كان العربى يتلقى الشعر كما لو كان يتلقى نصا مقدسا مسبوكا بخيوط علوية ومشحونا بمعان سامية ومطرز بخيال يلامس التراب طورا وتارة يحلق فوق السحاب. ومن المؤكد أن الحال استمرت كذلك قرونا عدة وبنسب متفاوتة إلى أن بدأ بريق الشعر يخبو، ومادته تضعف، وجماله يذبل، وتداوله يتراجع.

منذ منتصف الأربعينيات استقبلت الأذن العربية نمطا من الشعر لا عهد لها به. شعر حديث يؤسس لاختلاف فى الرؤية وفى التعاطى مع البنية الإيقاعية والنظام الاستعارى. بدر ونازك والبياتى وغيرهم.

هل كانوا يبشرون بغد شعرى مشرق أم كانوا يحفرون أخاديد، عن قصد أو بدون قصد، لدفن القصيدة العربية؟ إن الشعر الحر لم يأخذ وقته كافيا لينضج، فبدأ يعدو فى ممرات غير مأهولة، مدفوعا حينا بالرغبة فى تحطيم أوثان الشعر القديم، وتجريب طرائق جديدة، وحينا آخر بالانجرار خلف الشعر الذى يأتى من وراء البحر، مترجما أو بلغته الأصلية، مستعيرا مفاهيم الحداثة ومفاهيم التجريب.. والمحصلة أن الشاعر العربى لم ينجح، فى رأيي، إلا فى أمر واحد، وهو بناء متاريس وأسوار تفصله عن القارئ. صار الشاعر يغرد خارج السرب، والمتلقى يفتش عن بوصلة ما داخل الخيال الشعرى فلا يجد إلا تجريبا وتعتيما وإغراقا فى التشابه الممقوت. إن تراجع الشعر، وانطفاء قناديله، مأساة جمالية كبيرة نعيشها اليوم. وللحديث عن أسباب وعلات الأمر فلا بد من الوقوف عند مظهرين أساسيين، الأول ذاتى والثانى موضوعي:

المظهر الذاتي: وأقصد به مسئولية الشاعر نفسه فى خلق هذا المناخ العام البئيس الذى يكاد الشعر يلفظ أنفاسه داخله، وذلك بسبب ما يكتب من نصوص يتسم معظمها بموت الإحساس، وفقر اللغة، وتوتر البلاغة، وترهل الخيال. ناهيك عن التشابه اللافت الذى يطبع النصوص كما لو أن شاعرا واحدا هو من كتبها. وربما يعود السبب إلى أن كثيرا من الشعراء لا يكتبون تجاربهم الخاصة بقدر ما يعيدون صياغة مقروئهم، وبالتالى تتحول القصيدة بين أيديهم إلى جثة خرساء أو تمثال بارد.. إن الشعر هو صوت الارتطام التراجيدى الكبير، ارتطام جسد الشاعر بصخرة الواقع. يفترض أن يقول الشاعر حياته وموته، طموحه ويأسه، حبه وكراهيته، يقينه وشكه.. لا أن يصنع مومياوات لغوية لا نبض فيها ولا روح.

المظهر الموضوعي: من المؤكد أننا نعيش فى عصر لم تعد فيه لغة الأبجدية هى أداة التواصل والتعبير والتخييل الأساسية، وإنما صارت اللغة الأيقونية، متمثلة فى الصور والرموز، هى الأكثر انتشارا وتداولا. زمن التكنولوجيا هذا أسهم بقدر كبير فى تغيير الينابيع، والأولويات، ومصادر المعرفة والجمال. إنه زمن السرعة والعبث والخوف الذى حرم الكائن البشرى من الاستمتاع بطقوسه القديمة، فلم يعد بإمكان المرء التمتع بالتسكع داخل حديقة، أو قراءة رواية أو ديوان شعري، أو رؤية قوس قزح، أو الإنصات إلى أغانى الزمن الجميل. صارت الآلة تستعبد الإنسان وتأمره كيفما شاءت، وهو لا يستطيع إلا الاستسلام والنفور القهرى من كل ما كان يؤثث مملكته القديمة المأهولة، ويعتبر الشعر أحد العناصر المشكلة لتلك المملكة الضائعة.

فى سياق استحضار الجانب الموضوعي، مسئولية الحكومات ووزارات التربية والتعليم وغيرها فى ترسيخ قيم الخواء الروحى وتنفير القارئ من الشعر، وذلك بتسطير مناهج تربوية لا تحتفل، كما كان يحدث من قبل، بالشعر العربى الجميل قراءة وإنشادا وتأويلا. الجهات المسئولة بات همها هو تشجيع الأغانى الهابطة والكوميديا البئيسة والرقص المبتذل، بينما تعادى كل ما هو أصيل وجميل وراق فى الوجود.

خلاصة القول، أرى أن الشعر قد تراجع بشكل مأساوى. والأنكى من ذلك أن وتيرة تراجع أسرع مما يتخيل العقل. فهل يمكن الحديث عن موت الشعر؟ وهل سيصير الشعر قريبا مجرد ذكريات قديمة تدفعنا النوستالجيا للحديث عنها بعيون دامعة وقلوب خافقة؟ 

ربما، فى نظري، مات الشعر. وما يكتبه الشعراء اليوم ليس شعرا، وإنما هو مجرد تأبين للشعر!

 

الشاعر مصطفى الملح

 

 

السباحة من دون أن يظهر الشاطئ

وقال الشاعر مؤمن سمير: فى السنين الماضية ظللتُ أنتمى لمفهوم يتبنى مقولة "تراجع الشعر" باعتباره فن العربية الأكبر الذى يجب تتبع مساراته ومؤشر توهجه الصاعد أو الهابط بأكبر قدر من الدقة، وباعتبارى شخصا عربيا اعتاد أن يكون من متعاطى هذا الفن قراءة وكتابة وتمثلاً ومعايشة لمبناه ومعناه وروحه المحلقة صاحبة الأجنحة الملونة بكل الألوان المعروفة وغير المعروفة بالأحرى، كنت أرد هذا التراجع، مع كل الأسى الممكن، إلى تراجع الفنون الراقية كافة وانحدار الذوق الجمعى وانتصار الفنون الاستهلاكية التى هى لسان حال رأسمالية قاسية تسلع الإنسان والفن وتجرد كل القيم من معناها وتتمسك بكل ما هو قابل للترويج بغض النظر عن قيمته ومحتواه، وعنوان كبير لشيطنتها التى تحيط باللعبة بأكملها فتخترع السلعة وتوجد أسواقها وتخلق من يعتمدها ويعدها ضرورة لحياته ثم تعود وتقتلها لحساب سلعة أخرى وهكذا. لكنى اليوم صرتُ أقل أسى، ربما بمرور السنوات عليَّ وهدوء الطباع المرافق لهذا المرور، وربما لأنى صرتُ أترك نفسى للمراقبة العفوية والاندماج البسيط الذى لا يركن كل ثانية للمراقبة والرصد، لهذا اكتشفتُ أن الشِعر فى ازدهار كعادته وأن باقى الأشكال الأدبية والفنون الرفيعة فى توهج وتنوع وحراك ثقافى وفنى حقيقي، كل ما فى الأمر أن الحياة حولنا صارت أكثر اتساعاً وتنوعاً وتجدداً بطريقة يعجز معها أى إنسان على أن يقول لنفسه لقد أحطت إلى حدٍ كبير بأمر ما أو على الأقل أنا الخبير الأعظم.

لقد أجبرنا الوضع الحالى للإنسانية على التواضع واليقين بأن القابض على وعيه فى ظل دوامة لا نهائية من تدافع الأفكار والديانات والثقافات والفلسفات والفنون والتكنولوجيا والعلاقات المتنوعة كالقابض على الجمر.. لقد تكفلت الثورة الاتصالاتية بجعل كل ما كان غير ممكن ووارد، متاحاً بأبسط الوسائل.. فأنا الآن من موقعى الصغير فى مصر أستطيع متابعة منجز الشعراء من كل البلاد والأجيال والثقافات والحركات الشعرية، وكذلك باقى الأنواع والأشكال الإبداعية والفكرية بل و المساهمة فى ندوات ومؤتمرات ومعارض وممارسة تلاقح الأفكار والمنتجات الإبداعية بشكل أسهل، ربما يجعل هذا الازدحام من الإنسان نهماً أكبر للتعامل المستمر مما يجعل الذهن مرهقاً والفرز أكثر صعوبة لكن فى النهاية، أصبح الاطمئنان لمقولة من قبيل وفاة أو تراجع أو غياب فن من الفنون فى غير محلها.

نتيجة لهذا أصبحنا نمسك بأيدينا وبلا أى توهم، ما يثبت أن الأجيال الشعرية كلها حاضرة، أجيال الكتابة العمودية القديمة وجيل الشباب فى هذه القصيدة الذى يجترح قصيدة كلاسيكية جديدة متجاوزة للوعى القديم بحق ثم الأجيال التى تكتب التفعيلة وما زالت تعطى وتنجز فى إطارها ناهيك عن قصيدة النثر التى تكتب بشكل كبير ولافت فى كل الدول عبر أجيال متعددة وصولاً لأصغر جيل.. هناك مستويات كتابية وحساسيات فنية تبرز الاختلاف بين كل مشروع فنى لشاعر ومشروع يخص شاعراً آخر.. ويصدق الأمر بالطبع على كل الأشكال الأدبية فكيف نقول إن هناك تراجعاً.. بالتأكيد لم تكن مقولة "زمن الرواية" التى انتشرت فى تسعينيات القرن الماضي، بعد كتاب جابر عصفور الذى كان بنفس الاسم وقبله كتاب «عصر الرواية» للناقد العراقى محسن جاسم الموسوى فى منتصف الثمانينيات، موفقة أو دقيقة، حيث لا يمكن لشكل كتابى لمجرد أنه قد ظهر فيه مدارس فنية جديدة كان العصر متجاوباً معها، أن يعنى ذلك بالضرورة تراجع شكل كتابى آخر.. لقد أدرك الانسان مبكراً قيمة الجمال الذى يغذى روحه ويرفدها بالطاقة الخلاقة نحو الحياة لهذا زيَّن كهوفه بالرسوم والترانيم وترك دائماً لأذنه مساحة لإدراك الفروق بين الأصوات والإنصات الدافئ لموسيقى الكون، فكيف يسمح الآن بعد أن بلغ كل هذا العمر من الحضارة أن يُغَلِّب شكلاً على آخر أو قيمة جمالية على أخرى بالعكس إنه يوسع الفضاء ليظل الجميع يسبحون حتى ولو لم يظهر الشاطئ فى الأفق.

 

الشاعر مؤمن سمير

نحب الشعر حتى لو لم نحصل على أى عائد مادى

وقال الشاعر عماد سالم: هل نحن بحاجة إلى الشعر.. هل الشعر يمكنه أن يحرض على الخير والجمال ويقوّم القبح والفساد.. وماذا يحدث لو انصرف الناس عن الشعر كتابه وتلقيًا.

نقاوم فى الآونة الأخيرة.. تراجعت مبيعات الشعر بالمقارنة بالتصنيفات الأخرى تراجعا مرعبا.. مما أدى إلى خسائر الناشرين المنتجين لكتب الشعر وعزوف معظم الناشرين عن نشر كتب الشعر سواء.. الدواوين أو المجموعات الشعرية أو المسرحيات الشعرية وأنا أرى أن هذه الظاهرة ترجع لعدة أسباب منها ما يرجع للشعراء وما يرجع للقراء وما يرجع للظروف الاقتصادية.

لماذا تراجع الشعر؟ تسبب الهجوم على الشعر كتابة عبر فيسبوك فى ظهور مستويات رديئة جدا حتى طغت وأصبحت الغالبية العظمى حيث أصبحت أكثر من ٩٠٪ مما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعى وطباعة هذه الأشعار فى دواوين رديئة اشتراها القارئ لأن غلافها جميل جذبه واكتشف الحزن على ما دفع من مال ولم يحصل على المتعة فى القراءة مع الوقت فقد القارئ الثقة فى الشعر المعروض فى الكتب وانصرف إلى الفيديوهات مجانا يرى ويسمع.

أما السبب الثانى فى الإقلاع عن كتابة الشعر وأنا شخصيا فعلت ذلك لمدة كبيرة كتبت فيها ٤ روايات لما أصابنى من إحباط من عدم بيع نسخ من دواوين الشعرية بشكل يرضينى ولكن عودنا لأننا نحب الشعر حتى ولو لم نحصل على أى عائد مادى.

السبب الثالث اقتصادى: العائلات التى تخصص جزءا من دخلها للفن مسرح وسينما وكتب عموما أو كتب الشعر خصوصا أصبحت لا تستطيع مواجهة الحياة الاقتصادية القاسية والمربكة فاستغنت عن الترفيه كله.

 

 

 

الشاعر عماد سالم

 

 

 

نعيش أزمة تلقى ووعى

وقال الشاعر وليد ثابت: إن سؤال.. لماذا تراجع الشعر؟ يقودنا إلى محاولة كشف ماهية هذا الذى تراجع، فما حقيقة وشكل هذا الشعر، وما مفهومه الذى يمكننا من خلاله أن نستقرئ ماهيته لتحديد مسافة مساره فى التاريخ والوعى الإنساني، هل هو الشعر بمفهومه الكلاسيكى بأنّه كلام موزون، ومقفى، ويدلّ على معنى، وهو كلام بليغ مَبنِيّ على الاستعارة، والأوصاف، أم هو هذا الواصف المعبر عن الأغراض، أم هو المتجاوز لكل هذا فى ظل حداثة نعاصرها فى عهد (الما بعد) الذى يغلب على منتجنا الإبداعى فى كل أشكاله، أم هو هذا المتداول فى عباءة قصيدة النثر الحديثة وأشكالها الكلاسيكى منها والحديث، أم تلك التى تخترق الأجناس الأخرى كبعض الرواية مثلاً أو القصة فى صورها الشعرية الحديثة؟ أتساءل أحيانًا عن سر تلك العلاقة العكسية بين تقدم الحضارة الإنسانية وتراجع الشعر، بل وأشكال الإبداع المختلفة.. هل يقودنا هذا إلى نظرية الحاجة إلى الأشياء وبالتالى طرح فكرة حاجتنا للشعر؟ هل تراجعت هذه الحاجات بالتوازى مع تراجع الحاجة للإبداع الكلامى بالتحديد؟ ربما كان تحول العديد من الشعراء إلى كتابة الرواية والقصة هو نفسه السبب الذى يدفعهم دائماً إلى تجريب قوالب شكلية جديدة لإخراج فيض مشاعرهم وحاجتهم للكلام، بل ربما توقفت هذه القوالب عند حد توليد أشكال جديدة يفرغ فيها الشاعر طاقته الإبداعية، خاصة مع تشابه أنماط الكتابة (الحديثة) فى طرح اليومى والمعتاد والمعاد فتشابهت وتماثلت زوايا رؤية العالم رغم تعدد المحاولات.

وهذا جوهر ما يعنى به الشاعر بالتحديد، كيف يرى العالم، فتشابهت هذه الرؤى ومن ثم تراجعت المشروعات الفردية الخاصة وبالتالى الكلية العامة، لا شك أن تراجع مستويات التعليم العام والثقافة المتداولة فى المجتمع المنتج لهذا الشكل الإبداعى سبباً رئيساً فى تحول حاجة المتلقى إلى نمط أو قالب جديد من القوالب الكتابية بعد أن كان الشعر ضالة العربى فى بيئته، فكان الاستسهال فى التلقى كما هو ذاته فى العملية الإبداعية الشعرية آفتان سببتا هذا التراجع (إن صح التعبير مجازاً)

وبالتالى ليس غريباً أن يمتلئ الفضاء الإلكترونى بهؤلاء الهابطين بالباراشوت على القصيدة الحديثة فى ادعاء صاخب باقتراف الشعر..! وربما أطرح تساؤلاً مماثلاً، هل نحن أمام أزمة فيما يتم تداوله من منتج شعرى حسب حالات طرحه فى قوالبه الشكلية الحداثية، أم أن الأزمة أزمة تلقى ووعى من حيث المفهوم؟ ربما ابتعدت النصوص الشعرية عن شكل القصيدة المألوف ونحت نحواً شكلياً مختلفاً لطرح فلسفة ورؤية الشاعر وليس لتجربته النبوية المخلّصة التى عهدها عليه تاريخ الأدب منذ نشأته. بالنهاية الشعر حالة فردية جداً شديدة الخصوصية فى نبتتها ومن ثم ثمرتها، وكل الأشكال التى تبناها الشعر فى عصورنا الما بعد حداثية لم تشفع لأصحابها لدى المتلقى الواعى والناقد (المتأخر بطبيعة الحال) كى يتبوأ مكانته السامية وسط الأجناس الأدبية التى قدمت حلولاً أكثر إقناعاً لاحتواء مبدعها ومتلقيها.

 

أَعَزُّ مَكانٍ فى الدُنى سَرجُ سابِحٍ

وَخَيرُ جَليسٍ فى الزَمانِ كِتابُ

وَبَحرٌ أَبو المِسكِ الخِضَمُّ الَّذى لَهُ

عَلى كُلِّ بَحرٍ زَخرَةٌ وَعُبابُ

تَجاوَزَ قَدرَ المَدحِ حَتّى كَأَنَّهُ

بِأَحسَنِ ما يُثنى عَلَيهِ يُعابُ

أبو الطيب المتنبى

 

 

الشاعر وليد ثابت

 

 

لم يعد يخاطب باللغة الجاهزة

وقال الشاعر السعيد عبد الغنى: إن الشعر مر بثلاث مراحل عبر تاريخه عربياً:

المرحلة الأولى: وهى المعيارية التى نقيس عليها فى كل اللحظات التالية أنه كان شفهيا فى كيان الكلام نفسه، ولغة داخل اللغة لها أغراض ذاتية ومجتمعية وهو الشعر الجاهلى.

وهذه المعيارية وحجم التلقى ليس القراءة وهذه نقطة جوهرية أو حجم دخوله فى المدرك الذاتى للقريشى كان كبيرا. فنجد أن محورية الحياة قبل الإسلام تقوم على الشعر، بينما مثلا فى حضارات أخرى كانت تقوم على تفاصيل بها فاللغة أساسية فى الجوهر ما قبل الإسلام. 

المرحلة الثانية: الانحسار عند ظهور الإسلام وتحديد الأغراض وهذه تمتد فيها مستويات منها صدر الإسلام، العصر الأموي، العباسى..ولكنها لها امتدادات كثيرة مثلا الامتداد الإيروتيك والصوفى مع انحسار ظل الوجود المؤسس للإسلام. 

المرحلة الحديثة: قصيدة النثر التى بطبيعتها لا يتم سماعها أكثر مما يتم قراءتها وهى منتج حداثى غائب قالبه عن الكثير عربيا كمحتوى وقالب حتى لو كان بلا شكل. غائبة فلسفته فقصيدة النثر تعتمد على أنواع أخرى معرفية. والتى لغتها اختصت بأساليب لغوية أكثر وبتقدمات فى مطبخ معقد من سريالية لتجريدية إلخ. والطريقة السائدة للجمهور للتلقى هو البصرى والسمعى ليس المقروء لهذا مع عوامل أخرى منها طبيعة الثقافة العربية مع الخصوصية لكل دولة، أدى إلى انحسار أنماط شعرية.

لكن ليس كل الأنماط فالشعر العامى له جمهور كبير بغض النظر عن جودة ما له جمهور معرفيا وفلسفيا فى نظرى.الشعر تراجع لأنه لم يعد يخاطب باللغة الجاهزة، لغة اليومي، حتى قصيدة النثر بنوعيها اليومى لا تغرى بدرجة كبيرة، القراءة فعل مجهد، وفعل عنيف فى بعض الأحيان، لأنها تتطلب مجهودا ليس استسهالا وإثارة فارغة، تغير حيوات الناس جملا، توازى مصير الأسلحة. فى نظرى أن انحسار قراءة الشعر وبشكل محدد قصيدة النثر الجيدة هو لعدة عوامل:

الأولى.. احتياجها لمجهود فلسفى ومقاربات وتأويلات وعمل خيالى للبحث والتأمل والتشكيل. 

الثانية.. قلة الترويج لها بسبب طبيعة الخطاب لها والتجارية الكبيرة عند الأنماط الأخرى.

الثالثة.. الاهتمام بما هو سوقى على ما هو معرفى أما الرابعة هى إقلاق الدلالات الشعرية الثوابت الشخصية والمجتمعية والدينية بشكل بداهي، لأن فى الشعر، كل شيء منطقى وحر من التقييم الشعر ترمومتر بالنسبة لى لقياس أمدية القارئ لأنه يجمع كل الطرق اللغوية الأخرى فيه. ذوق القارئ فى الشعر يحدد الكثير من رغباته فى المعاني، لهذا أنا أفضل قراءة الشعر دوما عن قراءة أى شيء آخر، أشعره ذاكرة الوميض. كأن الإنسان نشوته أو امتدادها البعيد هو وميض وهناك أبعاد أخرى أقل نأيا هى ما يوجد فى الأجناس الأخرى وليس حديثا مطلقا بل هو وجهة نظرى. الوميض حتى قطب لي، شيء لا تستطيع أن تمسكه، تحدده، تعينه، لكنك تعترف بوجوده. نسبة المعنى فى القصيدة خالصة ونوعه أيضا خالص.

والمعانى العميقة فى عادة الحضارات والأزمنة جميعها ألا تكون عامية حاجة المجتمع بمختلف شرائحه، ولكن بالنسبة للشرائح هى المختلفة فعادة المعنى العميق هو أن يقل تداوله وطلبه ككل المعارف الأخرى أو الإبداعات الأخرى. السؤال الذى لدى هل هو تراجع أم أنه عليه أن يتنازل إن كان يريد أن يصل؟ أو يظل يحتفظ بنفسه بدون المطالبة بأن يكون شعبويا بنوعه الذى أقصده ليس أنواعه الأخرى.

 ليس كل الأنماط فالشعر العامى له جمهور كبير بغض النظر عن جودة ما له جمهور معرفيا وفلسفيا

 

الشاعر السعيد عبد الغني

 

 

 

حتى ولو رجعتَ يا أويسْ/ حتى ولو ضاقت بكَ الأبعادْ/ واحترق الدليلْ/ فى وجهك الفاجعِ/ أو فى رعبكَ الأنيسْ/ تظلّ تاريخاً من الرحيلْ/ تظلّ فى أرضِ بلا ميعادْ،/ تظلّ فى أرضٍ بلا مَعَادْ، حتى ولو رجعتَ يا أوديس

أدونيس

 

 

 السوشيال ميديا أخذت مساحات من عالم الخيال

وقال د. خلف الميري: هو سؤال منطقى ألا وهو.. لماذا تراجع الشعر؟ لكن أود أن أضع هذا الطرح فى إطار أرحب من الشعر كجنس أدبى وهو إطار المناخ العام وذلك لأن هناك فرضية تقول فى حالة التواصل الحضارى أو العطاء الحضارى فبالضرورة هناك سلبيات وإيجابيات لذلك يمكن القول بأن الجهاز البصرى فى الإطار الإعلامى بوسائله التليفزيون مثلا فقد أخذ من الإذاعة رغم مساحة الخيال الفسيحة التى يمنحها الراديو للمستمع والتى حجبت مع التليفزيون مثلا وهكذا.

بنفس المعيار أخذت وسائل التواصل الاجتماعى مساحات أوسع من عالم الخيال أو القدرة التخييلية والإبداع فى الإطار غير المرئى ومن ثم القول عن تراجع الشعر هو موجود لدى من يمتلك الحاسة الإبداعية فى بيئات لم تتلوث بعد بمعطيات أو بمكنون الثورة المعلوماتية الغزيرة لكن الرؤية المباشرة ومسألة صنوف كثيرة من الإبداع مثل الرواية والقصة القصيرة والمدارس الأدبية كانت هناك مساحة متاحة للتعبير من عالم الإبداع، فمن الممكن أن نقول وهذا متاح فى ضوء التطور الحضارى ومن ثم المباشرة فى التواصل والعلاقات لم تعد هى ذاتها ملهمة مثلما كان الأمر من قبل فى عالم الخيال أو فى عالم افتقاد التواصل، فالحرمان قد يولد طاقات من الشعر والمباشرة فى مسألة التواصل والعلاقات كما أشرنا لم تعد هى ذاتها فالمباشرة حولت الغزل العفيف إلى الصريح مثلا، وقد تكون هناك صور جديدة لم يعرفها الشعر من قبل أو تحول ما فى عالم الشعر فى تجارب أخرى جديدة.

بصفة عامة أقول إن العلاقات المباشرة والإتاحة بصورة كبيرة جدا فى التواصل حجبت الجزء الأكبر من عالم الخيال وذلك الإلهام الذى كان يبعثه البعد والفقد أو الحرمان وهذا أدى إلى تراجع الشعر وهذا لا يمنع أن هناك شعراء لهم تجارب وقدرات تستوعب الماضى ومتواصلة مع الحاضر وتمثل إضافات إبداعية معاصرة وهذا ينطبق على كل أشكال الشعر فلا يمكن القول بأن الشعر يندثر أو يتراجع بصورة قهرية كبيرة إنما قد تتمحور فيه صور جديدة حالية أو مستقبلية.

 

 

دكتور خلف الميري

 

 

إغراء الكتابة السردية يخطف الشعراء 

وقال الدكتور سعيد شوقى:  ينبغى أن نوافق أولا على تراجع الشعر، وهل هو متراجع فعلا؟ وإذا وافقنا على تراجعه، ففى أى بلد تراجع، فهناك بلاد ذاخرة بالشعراء. وإذا كان الهدف هو تراجعه فى مصر، فأى نوع من الشعر نقصد؟ فالشعر أنواع كثيرة، هل تقصد القصيدة العمودية أم التفعيلية أم النثرية؟.

ثمة زخم الآن لقصيدة النثر، فى مقابل نسبى لخفوت النوعين الآخرين، وإذا سلمنا بهذا فإن أسباب التراجع لهما ترجع إلى عدة أمور؛ لعل منها فنيا؛ ضعف الملكة اللغوية وصعوبة القالب وضيق القافية، وأن قصيدة النثر تغرى بكتابتها ظنا ممن يكتبها أنها سهلة، وما دوره إلا فى رص جمل بجوار بعضها دون قيد من عناصر شكل حتى النهاية، والحال ليست كذلك. 

على الجانب الآخر المقابل فى الإبداع فثمة إغراء من الكتابة السردية يختطف المبدعين، لدرجة أن كثيرا من الشعراء تحولوا لكتابة السرد، ربما دعوة من انفساح مساحته أو مغازلة لجوائزه العدة الثرية أو مداعبة للسينما والتلفاز، كما يضاف إلى كل هذا تغير اهتمامات التلقي، فالمتلقى بات يهتم بكيانات أخرى أفرزتها الميديا غير الشعر، كالبوست والتويته والتيك توك واليوتيوب هو خلابة مضامينها. ولعل سبب ذلك أيضا انشغال الناس بالكفاح من أجل سبل الحياة المعيشية المادية المجهدة الحال التى أبعدتهم عن جو الشعر الروحانى وعالمه الأبوللى. 

الدكتور سعيد شوق