قبل الغور فى أعماق ديوان (رأسى البسط، جسدى المقام، أنا كسر بين الأرقام) للشاعر باسم سليمان. يجدر بنا الإشارة إلى الكلمة التى صدر بها الشاعر العربى الكبير أدونيس هذا الديوان والدواوين الأخرى الصادرة عن مشروع تحولات.
يحتوى ديوان "رأسى البسط، جسدى المقام، أنا كسر بين الأرقام" للشاعر باسم سليمان على ٣٨ قصيدة متوسطة الطول.. وإذ نلج عتبة الديوان الأولى نتعثر على شذرات الذات الشاعرة متناثرة تواجه فعل التشظى بين الإسم والجسد وبين الذات الكلية التى لا تبين بين الجموع. إذ يقول فى الجزء الأخير من عتبة النص/ الديوان: أنا كسر بين الأرقام.
وإذا نظرنا إلى تعريفات الكسر فى معاجم اللغة فهو يعنى الهزيمة أو القطع الصغيرة أو الخزلان والمزلة والهوان. وجاء فى القصيدة التى حمل الديوان عنوانها:
اللهاة
فى الحلق
كيس ملاكمة
مملوء بالرمل
تتمرن الكلمات به
على اللطم
قبل أن تخرج من أفواهنا.
.......
أصبت عصفورين
بحصاة مرارتي
وطاشت حصاة كليتي
فى المدى
.....
زائدتى الدودية
ملتهبة كجمر
يواصل الشاعر فى قصيدته الطويلة نسبيا إلى سرد الفجائع التى تجابهها الذات الشاعرة بهامة مرفوعة حينا وانكسار فى أحايين أخرى وفى فوضى الألم يظل الكلام عالقا فى الحلق وإذا أطلق سراحه يتحول إلى صراخ وعويل.
وفى عالم تشوبه الفوضى والقبح والركاكة تضيع البديهيات ولا ثمة يقين تحمله الذات الشاعرة فنجد الشاعر فى نفس القصيدة يقول:
لجسدى ظل فى النهار
ولروحى شيح فى الليل
يا الله اكسف الشمس
واخسف القمر
حتى أجد يقينى.
فى انعدام اليقين وفى ردهات المتاهة تتعدد الخسارات وتصير كأنها جزء من الجسد، من القدر المحتوم الذى يليقى بظلاله على الروح وتفاصيل الجسد:
فى الجسد عضو
يسمى الخسارة
لا يذكر إلا حين ينفجر
كالمرارة
جسدى قطب سالب
روحى قطب موجب
أنا مغناطيس
فى زمن النحاس.
إذا نظرنا بعين خبيرة نجد أن هذه القصيدة/ المفتاح هى باب الولوج إلى عوالم الشاعر وصرحه المنذور للألم والفجائع والصمت الأبيد إذ يضع جسده على طاولة التشريح ليعرف ونعرف معه مواطن الألم لديه. ليس الألم الجسدى والخسارات التى تترى عليه وإنما ما يعترى الروح أيضا من انكسارات حين يشيع عزيز إلى مثواه الأخير وليس هناك أعز من أعضاء الإنسان التى يعتبرها الشاعر شعبه وبحزن بالغ ها هو يشيع شغبا بأكمله إذ يقول:
اليوم شيعت شعبا
من كريات الدم الحمراء
دفنتهم فى الطحال
وشربت قهوة العزاء
فى الكبد.
الشاعر نسج من فوضى الألم نسيجا كاملا من الشجن هنا والصراخ هناك فى قالب جمالى ذى أبعاد عميقة ودالة.
ديوان باسم سليمان يعج بالصور الشعرية التى تتحرك فى ثراء يالغ داخل النصوص وهو يستخدم الوظائف اللغوية والبلاغية بمهارة فائقة وعفوية فى الوقت نفسه اذ لا صورة شعرية تخلو من التضاد والمقابلة بما يسمح بخلق مساحات من الجمال الفنى وبما يعطى القارئ ويمكنه من التأويل المفتوح على مصراعيه. وبما يعطى للشعر مكانته التى كانت وستظل بين شتى أنواع الفنون.