في المحور السياسي بالحوار الوطني جاء ملف المحليات بارزًا وواضحًا، وفي تقديري اعتُبر هذا الملف الأهم في جدول الأعمال حيث تم تخصيص لجنة مستقلة له، وهذا لا يقلل من أهمية اللجان الأخرى في المحور السياسي مثل لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي ولجنة الأحزاب السياسية ولجنة النقابات والعمل الأهلي، بالإضافة إلى لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة.
ربما تكمن أهمية المحليات في طريقة تصميمها حيث تتمدد من القاع إلى القمة وهو ما يسمح لها بالانتشار الواسع على كامل الخريطة المصرية من مجلس محلي القرية وصولا إلى مجلس محلي المحافظة، لذلك نلاحظ الكثافة العددية للمشاركين فيها حيث بلغ عدد أعضاء المجالس المحلية في دورتها الأخيرة ما يقرب من 52 ألف عضو، وإذا أضفنا لهم من لم يوفقوا في النجاح والوصول إلى مقاعد المجالس نجد أنفسنا نتحدث عن أكثر من 100 ألف قائد سياسي مرتبط بموقعه الجغرافي وقادر على خدمة من يمثلهم، وهو ما يعود بالنفع العام على مجمل العطاء الخدمي لمصر.
بالطبع قانون المجالس المحلية في حاجة إلى المراجعة والتعديل في شكل العضوية بما يلائم اللحظة الراهنة التي نعيشها والتي يتسارع فيها التقدم التكنولوجي بخطوات مذهلة لدرجة أن ناشط على صفحة فيسبوك من الممكن له أن يكون أكثر تأثيرا من عضو المجلس المحلي بصورته الكلاسيكية المعتادة والقديمة، كما إنه من المهم مراجعة قرارات تلك المجالس وحسم ما إذا كانت تلك قرارات واجبة التنفيذ أم مجرد توصيات يتم رفعها للمسؤول التنفيذي.
فتح ملف المحليات في الحوار الوطني من الممكن له أن يعيد للحياة الحزبية تألقها ونشاطها حيث طموح العضو الحزبي يرتبط بشكل مباشر في تطوير قدراته على خدمة أبناء دائرته ولن يتمكن من أداء هذه الخدمة بشكلها السياسي المحسوب بدقة إلا من خلال معاهد التدريب المعروفة باسم المحليات، وهي تختلف كثيرا عن الدور الخدمي الإنساني الذي يقدمه البعض من خلال الجمعيات الأهلية.
وإذا كانت شكاوى البعض من الناس مازالت تتبلور في صعوبة التعامل مع الجهاز الحكومي ولجوء صغار الموظفين إلى التعقيدات البيروقراطية بهدف تحقيق مكاسب شخصية فإن أعضاء المجالس المحلية إذا تم اختيارهم انتخابيا بعناية من الممكن لهم صد تلك التعقيدات البيروقراطية وتيسير الأمور للمواطنين بما لا يخالف القوانين واللوائح.
وتجربة مصر في المجالس المحلية هي تجربة ضاربة في عمق التاريخ السياسي المصري من أيام المجالس البلدية وصولا الى وضعنا الراهن من خلال تطور التشريعات المتوالية حتى وصلنا إلى دستور 2014 الذي خصص للإدارة المحلية تسع مواد من المادة رقم 175 حتى المادة رقم 183 وتضمنت المواد تشكيل المجالس المحلية بالانتخاب بحيث تتضمن 25% من مقاعدها للشباب، 25% للمرأة، 50% للعمال والفلاحين وتمثيل المسيحيين وذوي الاحتياجات الخاصة تمثيلًا مناسبًا.
كما حدد دستور 2014 اختصاصات المجالس المحلية في متابعة تنفيذ خطة التنمية ومراقبة أوجه النشاط المختلفة ولأول مرة ينص الدستور على منح المجالس المحلية أدوات رقابية لاستخدامها في الرقابة على الأجهزة التنفيذية المحلية ومن ضمن هذه الأدوات الاستجواب، الذي قد يؤدي إلى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، فضلًا عن بعض الأدوات الرقابية الأخرى مثل توجيه الأسئلة وطلبات الإحاطة إلى الأجهزة التنفيذية المحلية.
كما منع تدخل السلطة التنفيذية في قرارات المجالس المحلية التي تصدر في حدود اختصاصاتها، وأعطى اختصاصات الفصل في الخلاف على اختصاصات هذه المجالس للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة. وجعل لكل مجلس محلي موازنة وحساب ختامي، ومنع حل المجالس المحلية بإجراء إدارى شامل.
هذه المزايا التي أسبغها الدستور على المجالس المحلية تجعل من المجالس المحلية القادمة أمرا بالغ الأهمية في الخريطة السياسية بمصر، لذلك أحسن الحوار الوطني صنعا بفتحه هذا الملف المهم والمؤثر في المرحلة المقبلة.