الخميس 19 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إيلى حاتم يكتب: نحو عالم جديد حر (٣).. واشنطن استهدفت زعزعة استقرار المنطقة العربية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تشير التقارير الأخيرة إلى أن وكالات استخبارات أمريكية معينة ربما تستخدم نظرية الاستبدال العظيم لغرس الخوف وإثارة الصراع فى أوروبا الغربية، الفكرة هى أنه من خلال الترويج للنظرية، يمكن لهذه الوكالات أن تخلق بيئة من الخوف وانعدام الثقة والتى ستفيد فى نهاية المطاف مصالحها الجيوسياسية.
فى حين أن المدى الذى يتم فيه استخدام هذه النظرية بالفعل من قبل وكالات الاستخبارات الأمريكية غير واضح، إلا أن هناك القليل من الأدلة الملموسة لدعم الفكرة، ومع ذلك، فمن الواضح أن نظرية الاستبدال العظيم فكرة ضارة ومثيرة للانقسام، يستخدمها بعض السياسيين لتأجيج الصراعات الاجتماعية والثقافية فى الغرب، مثل تلك التى اندلعت فى أوكرانيا وأثارها فولوديمير زيلينسكى. 
هاتان النظريتان، صراع الحضارات والاستبدال العظيم، تدعمهما استراتيجية سياسية تهدف إلى زعزعة استقرار جزء كبير من الدول العربية والتسبب فى موجة من الهجرة إلى القارة الأوروبية، سعت هذه الاستراتيجية إلى تقويض هياكل الدولة فى الدول العربية من خلال إثارة سقوط أنظمتها السياسية وإشاعة الفوضى، فى الوقت نفسه، قادت مجتمعاتهم نحو الانحدار الاقتصادى والاجتماعى والثقافى.
هذا التراجع فى الواقع يجعل من السهل على السكان احتضان التيارات السياسية المتطرفة والراديكالية، حيث يسهل تشكيل عقول من يفتقرون إلى الثقافة أو الأفراد الذين يعانون من الفقر، لذلك، بدلا من القيام بعمليات عسكرية خارجية للإطاحة بهذه الأنظمة، بدا من الحكمة أن تقوم الخدمات الأمريكية وحلفاؤها بإثارة انتفاضات اجتماعية ضد حكوماتهم، ودعمها من خلال المنظمات غير الحكومية باستخدام القوة الناعمة. لكن فى حال فشل هذه الانتفاضات ومواجهة مقاومة مؤسسات الدولة، أصبحت الانقلابات الخارجية هى البديل الوحيد. كان هذا هو الحال بالنسبة للعراق، الذى غزاه الجيش الأمريكى فى عام ٢٠٠٣، أو ليبيا التى هاجمها حلف شمال الأطلسى فى عام ٢٠١١، مما تسبب فى سقوط النظام واغتيال الرئيس القذافى.
فى بلدان أخرى، كانت القوة الناعمة للولايات المتحدة كافية للإطاحة بالحكومات فى السلطة وتؤدى إلى الفوضى، ولكن أيضا لإحداث ظهور تيارات سياسية إسلامية، كما أشارت هيلارى كلينتون فى كتابها السابق «الخيارات الصعبة».
وبالفعل فإن دور جورج سوروس فى الثورة التونسية يبرز الدور المهم الذى لعبته أجهزة المخابرات الأمريكية فى دعم هذه الحركة، فى حين أنه من الواضح أن الثورة كانت مدفوعة بالدرجة الأولى من قبل التونسيين أنفسهم وأن هناك عوامل مختلفة ساهمت فى ذلك، ولا يمكن التغاضى عن الدعم المقدم من هذه الجهات الفاعلة، لقد ساعدت الحركة على تضخيم أصواتهم وتسريع زخمهم. كان سوروس يمول مجموعات تونسية لعدة سنوات قبل هذه الثورة، وقدمت مؤسسات المجتمع المفتوح التابعة له منحا لمنظمات المجتمع المدنى وجماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام فى تونس، والتى لعبت جميعها دورا رئيسيا فى حشد المعارضة للحكومة، تضمنت بعض المجموعات التى دعمها سوروس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والجمعية التونسية للقضاة.
بالإضافة إلى سوروس، لعبت الحكومة الأمريكية ووكالاتها الاستخبارية أيضا دورا مهما فى دعم معارضة الحكومة التونسية، كشفت برقيات ويكيليكس أن الولايات المتحدة كانت تراقب عن كثب الوضع فى البلاد وتقدم المساعدة للجماعات والمتظاهرين. أقامت السفارة الأمريكية فى تونس اتصالات مع نشطاء وشخصيات معارضة، وقدمت لهم التمويل والتدريب، بالإضافة إلى ذلك، كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «USAID» تقدم منحا لمجموعات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام المستقلة فى تونس.
كان دعم الحكومة الأمريكية لهذه الثورة فى تونس جزءا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والتلاعب بالسكان. تم تزويد المتظاهرين بوسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام المستقلة لنشر رسائلهم وحشد المزيد من المؤيدين.
مباشرة بعد هذه الأحداث فى تونس، ظهر نفس السيناريو فى مصر وليبيا واليمن ودول عربية أخرى، وصفت وسائل الإعلام السائدة هذه الحركات على الفور بأنها الربيع العربى بدافع من رغبة السكان فى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، استخدمت القوة الناعمة الأمريكية هذه الشعارات لإثارة الانتفاضات الشعبية.
 


مثل تونس، لعب جورج سوروس دورا مهما فى الثورة فى مصر، مما أدى فى النهاية إلى سقوط الرئيس مبارك، كان سوروس، من خلال مؤسسات المجتمع المفتوح التابعة له، يوفر التمويل لمجموعات مختلفة فى مصر لعدة سنوات قبل الثورة، وضمت هذه المجموعات منظمات حقوقية، ووسائل إعلام، ومجموعات مجتمع مدنى، على غرار ما يحدث فى تونس، لعب التمويل الذى قدمه سوروس دورا مهما فى حشد المعارضة لحكومة مبارك، استخدم سوروس أيضا نفوذه الشخصى وعلاقاته لحشد الدعم لهذه الحركة، بالإضافة إلى دعم سوروس، لعبت الحكومة الأمريكية ووكالاتها الاستخبارية أيضا دورا حاسما فى مصر. 
وكشفت عن ذلك برقيات دبلوماسية مسربة، أقامت السفارة الأمريكية فى القاهرة اتصالات مع نشطاء وشخصيات معارضة، وقدمت لهم التمويل والتدريب، بالإضافة إلى ذلك، كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID تقدم منحا لمجموعات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام المستقلة.
كان للثورات فى تونس ومصر، ما يسمى بـ«الربيع العربى»، والتى كانت مدفوعة فى البداية بالرغبة فى الحرية والديمقراطية، عواقب غير مقصودة أثرت بشكل كبير على مستقبل هذه البلدان، فى أعقاب هذه الثورات، صعدت الجماعات الإسلامية إلى السلطة، وقوضت الشعارات الأصلية للثورة وتطلعات الشعب.
أدى صعود الجماعات الإسلامية فى هذين البلدين إلى تغييرات سياسية واجتماعية مهمة، فى تونس، وصل حزب النهضة الإسلامى إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس بن على فى عام ٢٠١١، وفى مصر، فاز الإخوان المسلمون بأول انتخابات فى البلاد.
انتخابات ديمقراطية بعد سقوط الرئيس حسنى مبارك عام ٢٠١٢. إلا أن سياسات الأحزاب الإسلامية وأفعالها تناقضت مع شعارات الثورة، وشعر كثير من التونسيين والمصريين بأن أصواتهم أسكتت مرة أخرى.
تسببت سياسات وإجراءات الإسلاميين، بما فى ذلك فرض الشريعة الإسلامية الصارمة والقيود على الحريات الفردية، فى جدل واضطراب كبير، مما أدى إلى احتجاجات وانقسامات بين السكان. أظهرت هذه الأحداث أن الثورات فشلت فى تحقيق أهدافها الأصلية المتمثلة فى الديمقراطية والحرية.
لم يكن صعود الإسلاميين فى تونس ومصر مفاجأة للجميع، كشفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون فى كتابها «اختيارات صعبة» أنها حذرت من مخاطر وصول الجماعات الإسلامية إلى السلطة فى أعقاب الربيع العربى، جادلت كلينتون بأن وصول الإسلاميين إلى السلطة يمكن أن يقوض التقدم الذى أحرزته الثورات ويسبب مزيدا من عدم الاستقرار فى المنطقة.
كان من المفترض أن يحدث «الربيع العربى» الذى حدث فى تونس ومصر تغييرات إيجابية من حيث الإصلاحات السياسية والاقتصادية، فضلا عن مزيد من الحريات والحقوق للسكان، ومع ذلك، أدى وصول الجماعات الإسلامية الخاضعة لتأثير جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، إلى تراجع فى مختلف المجالات.
من الناحية الاقتصادية، تأثرت هذه الدول بتدهور السياحة التى تعد مصدرا رئيسيا للدخل، أدى عدم الاستقرار وانعدام الأمن الذى خلقته الحركات الإسلامية إلى ردع السائحين عن زيارة هذه البلدان، وقد أدى ذلك إلى انخفاض عائدات الفنادق والمطاعم والشركات الأخرى التى تعتمد على السياحة، مما أدى إلى تراجع الاقتصاد الكلى.
من الناحية الاجتماعية، أدى وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة إلى تهميش وتمييز بعض الجماعات، مثل النساء والأقليات والعلمانيين. تم تقييد حقوق المرأة، على وجه الخصوص، بشدة، مع تطبيق قواعد اللباس الصارمة والقيود المفروضة على تنقلها ومشاركتها فى الحياة العامة. وقد أدى ذلك إلى رد فعل عنيف من قبل جماعات حقوق المرأة ومنظمات المجتمع المدنى، الذين يرون فى هذه الإجراءات انتكاسة للمكاسب التى تحققت فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين.
ثقافيا، سعت الحركات الإسلامية إلى فرض وجهات نظرها المحافظة على المجتمع، مما أدى إلى تقييد التعبير الفنى والثقافى، تعرض العديد من الفنانين والكتاب للرقابة، وتم حظر بعض الأعمال، مما أدى إلى تراجع المشهد الثقافى وفقدان التنوع.
لقد أصيب سكان هذه الدول بخيبة أمل وخيبة أمل من الحركات الإسلامية التى استولت على السلطة، لأنها فشلت فى الوفاء بوعودها بمزيد من الحريات والحقوق والازدهار، وكشفت هذا هيلارى كلينتون فى كتابها "الخيارات الصعبة"، حيث اعترفت بأن الحكومة الأمريكية أخطأت فى دعم الإخوان المسلمين فى مصر.
فى ليبيا، بينما سعت وكالات الاستخبارات الأمريكية وحلف شمال الأطلسى فى البداية إلى الإطاحة بالقذافى من خلال الحركات الثورية الداخلية، لجأوا فى النهاية إلى العمل العسكرى لتحقيق أهدافهم، تم تسهيل التدخل من خلال مشاركة الفرنسيين، الرئيس الذى كان حريصا على النأى بنفسه عن حليفه السابق، ومع ذلك، كانت نتيجة التدخل صراعا طويل الأمد أدى إلى سقوط نظام القذافى وزعزعة الاستقرار فى ليبيا لاحقا.
فى الواقع، هناك اعتقاد سائد بأن وكالات الاستخبارات الأمريكية وحلف الناتو قد خططوا للإطاحة بالعقيد القذافى من خلال حركة ثورية داخلية كجزء من انتفاضات الربيع العربى، ومع ذلك، لم تثمر هذه الجهود، حيث تمكن نظام القذافى من سحق الاحتجاجات الأولى فى ليبيا. لذلك لجأت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى توجيه ضربة عسكرية عبر الناتو لإزاحة القذافى من السلطة.
كانت العملية التى قادها الناتو ممكنة بفضل مشاركة الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، الذى تعرض للخطر فى السابق بسبب تعاملاته المالية مع القذافى يزعم أن الزعيم الليبى قدم أموالا لحملة ساركوزى الرئاسية، وكان الرئيس الفرنسى حريصا على إبعاد نفسه عن حليفه السابق.
بدأ التدخل العسكرى بقيادة الناتو فى مارس ٢٠١١، بهدف فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا لمنع جيش القذافى من مهاجمة السكان المدنيين، ومع ذلك، سرعان ما تصاعد التدخل إلى حملة عسكرية شاملة تهدف إلى الإطاحة بنظام القذافى، شنت قوات الناتو غارات جوية على أهداف عسكرية رئيسية وقدمت المساعدة لجماعات المعارضة الليبية.
على الرغم من الجهود الدولية، تمكنت قوات القذافى من الاحتفاظ بالسلطة لعدة أشهر، مما أدى إلى صراع دموى طويل الأمد، فى نهاية المطاف، فى أكتوبر ٢٠١١، تم القبض على القذافى وقتله على يد مقاتلين من المتمردين فى مسقط رأسه فى سرت.
أدى سقوط نظام القذافى إلى فترة من عدم الاستقرار فى ليبيا، حيث تصارع مختلف الفصائل والميليشيات على السلطة. انزلقت البلاد فى حالة من الفوضى وانهيار القانون والنظام وصعود الجماعات المتطرفة، لقد شعر شعب ليبيا، الذى كان يأمل فى مستقبل أكثر إشراقا بعد سقوط القذافى، بخيبة أمل بسبب الاضطرابات والعنف التى تلت ذلك.
يمكن مقارنة السيناريو الليبى بالسيناريو المعتمد فى العراق، حيث تمكنت الحكومة والسلطة من مقاومة الانتهاكات الأمريكية والغربية، بما فى ذلك الحظر اللاإنسانى الذى أثر بشكل كبير على السكان المدنيين، لذلك، كان على الأمريكيين والبريطانيين القيام بعملية عسكرية لإسقاط النظام وإحداث الفوضى وخلق توترات طائفية، خاصة بين الشيعة والسنة.
سمح هذا الوضع للأمريكيين مرة أخرى باستخدام تجاربهم فى تسييس الإسلام السياسى وتسليحه لأغراض سياسية وعسكرية من خلال إنشاء داعش، وهو ما عرضوه أيضا فى سوريا فى سياق ظاهرة الربيع العربى، وقد أدى ذلك أيضا إلى سقوط حكومة الرئيس على عبد الله صالح فى اليمن قبل جر هذا البلد إلى حرب بين الأشقاء، تحت ذريعة الصراع السنى الشيعى «اليمنيون الزيديون كونهم فرعا من الشيعة وتشمل أيضا إيران، التى تمارس أغلبية سكانها الشيعة الاثنا عشرية».
تم نقل السيناريو الثورى للربيع العربى إلى سوريا، كما هو مبين، تهدف هذه الاستراتيجية إلى تدمير مؤسسات الدولة فى الدول العربية والشرق أوسطية، بما فى ذلك إسرائيل فى الوقت الحالى، وخلق توترات داخلية وإقليمية لا نهاية لها، مع صدامات طائفية وعرقية بين السنة والشيعة والعلويين والزيديين، المسيحيون الأرثوذكس، الكاثوليك، السفارديم، الأشكنازى واليهود الفلاشا، الأكراد، العرب، الأتراك، الفرس، إلخ.
وهكذا، لم يكن الصراع الذى بدأ فى سوريا عام ٢٠١١ انتفاضة بسيطة ضد الحكومة، بل كان وضعا معقدا شارك فيه العديد من الجهات الأجنبية، بدأ زعزعة الاستقرار فى سوريا بمظاهرات شعبية حرضت عليها جهات أجنبية ومولتها بهدف زعزعة استقرار النظام وتدمير مؤسسات الدولة. كانت بعض المظاهرات سلمية فى البداية وكانت مدفوعة بمظالم تتعلق بقضايا سياسية واقتصادية، ومع ذلك، سرعان ما تصاعدت إلى أعمال عنف مع ظهور جماعات مسلحة مؤلفة من مرتزقة أجانب وردت الحكومة السورية بقوة، لا يمكن المبالغة فى دور المرتزقة الأجانب فى سوريا، لقد كانوا مسئولين عن قدر كبير من العنف والدمار، مما أدى إلى تفاقم الوضع السياسى والاجتماعى المعقد بالفعل فى البلاد، كان المرتزقة الشيشان والمجاهدون الذين قاتلوا سابقا فى أفغانستان والبوسنة فعالين بشكل خاص فى عامى ٢٠١١ و٢٠١٢. فمهاراتهم فى حرب العصابات وقدرتهم على تنفيذ هجمات مفاجئة جعلتهم قوة هائلة ضد الجيش السورى، كما أنهم حرضوا العنف ضد المتظاهرين السلميين، مما خلق إحساسا بانعدام الأمن بين السكان.
تم توثيق التورط الأجنبى فى الصراع بشكل جيد، مع تقارير عن الدعم من مجموعة من البلدان بما فى ذلك الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل، قدمت هذه الدول الدعمين المالى والعسكرى لما يسمى بمجموعات المعارضة، بهدف إضعاف الحكومة السورية وإسقاط النظام فى نهاية المطاف.
لم يكن أمام الرئيس بشار الأسد خيار آخر سوى طلب مساعدة إيران خلال المراحل الأولى من الصراع السورى، إن حقيقة عدم وصول أى دولة عربية أخرى لمساعدته أمر مؤسف، خاصة بالنظر إلى الدعم الذى كانت تقدمه بعض الدول العربية، تحت الإملاءات الأمريكية، للثوار الإسلاميين. ومع ذلك، لعبت المساعدة الإيرانية دورا حاسما فى الحفاظ على استقرار سوريا ومنع البلاد من الانزلاق إلى الفوضى الكاملة.
ومع ذلك، خلال صيف عام ٢٠١٤، ظهرت مجموعة شبه عسكرية جديدة شبيهة بالقاعدة فى الشرق الأوسط، فى الواقع، تأسس فى عام ٢٠٠٦ فى العراق، نتيجة للاستراتيجية الأمريكية التى تبنتها لإثارة الصراع السنى الشيعى فى هذا البلد، الذى حكمه لفترة طويلة الرئيس السنى صدام حسين، من خلال التدخل وغزو العراق، دفعت قوات الاحتلال الأمريكية بالسياسات الشيعية إلى السلطة ودفعت بتهميش السنة، مما أدى إلى القضاء على جهود حزب البعث العراقى، الذى نجح مثل فرعه السورى فى بناء دولة علمانية دون تمييز بين الطوائف الدينية والعرقية، وكان نائب رئيس الوزراء العراقى ووزير الخارجية فى عهد الرئيس صدام حسين طارق عزيز مسيحيا. 
وبالمثل، خلال الحرب العراقية الإيرانية التى حرض عليها وشجعها الغرب، تمكن صدام حسين من جمع الشعب العراقى بأكمله تحت راية عربية واحدة، ومع ذلك، منذ عام ٢٠٠٣ وتحت زخم من الخبراء الجيوسياسيين الأمريكيين، تم استفزاز تمييز مجتمعى وعرقى فى هذا البلد. تعرض العراقيون السنة للتهميش وسوء المعاملة من قبل القادة الشيعة الذين نصبهم الأمريكيون فى السلطة وتلقوا الأوامر منهم. تم دفع الأكراد للانفصال والمطالبة بالحكم الذاتى لمحافظة كردية. فى هذا السياق انتشرت الأيديولوجية الإسلامية أو الإسلام السياسى السلفى بين السنة، لا سيما بين أفراد الجيش السابقين.
 


فى هذا السياق، ظهر فى ٢٤ يونيو ٢٠١٤، العراقى السنى إبراهيم عواد البدرى السامرائى على المسرح، معلنا نفسه خليفة باسم أبو بكر البغدادى، ودعا إلى إقامة دولة إسلامية فى البلاد العراق وسوريا «داعش».
هناك العديد من الادعاءات والشائعات حول الروابط بين أبو بكر البغدادى، الخليفة المعلن من جانب واحد، ووكالة المخابرات المركزية. فى حين أن بعض هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى الأدلة، إلا أن هناك بعض الحقائق التى تشير إلى وجود صلة بين الاثنين.
ومن أهم المزاعم أن البغدادى كان سجينا فى معتقل خليج غوانتانامو، وبينما اعترض بعض الخبراء على هذا الادعاء، هناك أدلة تشير إلى أنه احتجز بالفعل هناك. وبحسب وثائق مسربة، فقد اعتقلت القوات الأمريكية البغدادى عام ٢٠٠٤ واحتجز فى العراق، ثم نقل إلى معسكر بوكا، وهو مركز اعتقال أمريكى فى العراق، قبل الإفراج عنه فى عام ٢٠٠٩، ولم يتضح ما حدث له بعد إطلاق سراحه.
هناك أيضا مزاعم بأن البغدادى كانت له صلات بوكالة المخابرات المركزية خلال فترة وجوده فى العراق، يقترح بعض الخبراء أنه ربما تم تجنيده من قبل الوكالة كمخبر أو أحد الأصول، على الرغم من عدم وجود دليل ملموس لدعم هذا الادعاء، فمن الممكن أن يكون لديه نوع من العلاقة مع وكالة المخابرات المركزية.
أخيرا، هناك روابط بين البغدادى والحركة السلفية، السلفية تفسير أصولى للإسلام يسعى إلى العودة إلى ممارسات ومعتقدات المجتمع الإسلامى الأوائل. عرف عن البغدادى أنه سلفى، ومن المحتمل أن يكون له صلات بجماعات سلفية أخرى فى المنطقة.
بشكل عام، على الرغم من عدم وجود دليل قاطع على وجود علاقة بين البغدادى ووكالة المخابرات المركزية، إلا أن هناك ما يكفى من الروابط الظرفية والشائعات التى تشير إلى أنه ربما كان هناك نوع من العلاقة بين الاثنين، بالإضافة إلى ذلك، فإن روابط البغدادى مع الحركة السلفية تسلط الضوء على شبكة العلاقات المعقدة الموجودة بين الجماعات المتطرفة فى الشرق الأوسط مع الوكالات السرية الأمريكية، تماما مثل الروابط الواضحة بين وكالة المخابرات المركزية والقاعدة.
منذ عام ٢٠١٤، كان تنظيم الدولة الإسلامية يشكل تهديدا كبيرا لسوريا والشرق الأوسط الأوسع، سرعان ما سيطرت هذه المجموعة على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق، وخلقت ما أسمته الدولة الإسلامية.
كان أحد أسباب تمكن داعش من النمو بهذه السرعة فى سوريا هو قدرته على جذب المقاتلين الأجانب إلى صفوفه، لعبت آلة الدعاية المتطورة للجماعة دورا رئيسيا فى هذا الأمر، حيث مناشدة الأفراد المحرومين من حقوقهم واستغلال مظالمهم، بفضل مقاطع الفيديو التى تم إنتاجها ببراعة وحملاتها على وسائل التواصل الاجتماعى، تمكنت داعش من إقناع العديد من الشباب من جميع أنحاء العالم بالسفر إلى سوريا والقتال من أجل قضيتها، لتحقيق ذلك، تطلب داعش موارد مالية كبيرة ودعما من وكالات استخبارات مختلفة، وحقق التنظيم إيرادات من مجموعة من المصادر، بما فى ذلك بيع النفط والابتزاز والاختطاف مقابل فدية، ومع ذلك، يعتقد على نطاق واسع أن بعض وكالات الاستخبارات قدمت الدعم المالى لداعش فى الأيام الأولى للصراع.
بالإضافة إلى استقطاب مقاتلين أجانب، تمكنت داعش أيضا من استمالة القبائل العربية السنية المحلية فى سوريا. وعدت الجماعة بإقامة خلافة يهيمن عليها السنة وقدمت نفسها على أنها البديل الوحيد القابل للتطبيق للجمهورية العلمانية السورية، ساعد هذا النداء، إلى جانب التكتيكات الوحشية للجماعة، فى السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد وتهديد الاستقرار فى الشرق الأوسط الأوسع.
ومن المثير للاهتمام أنه لوحظ غياب العداء بين داعش وإسرائيل، على سبيل المثال، نشر أبو مسلم التركمانى، نائب أبو بكر البغدادى، تغريدة على الحساب الرسمى لمنظمته، قال فيها فى القرآن الكريم لم يأمرنا الله بمحاربة إسرائيل أو اليهود، بالإضافة إلى ذلك، فى مؤتمر عقد فى تل أبيب فى يناير ٢٠١٦، لم يتردد وزير الدفاع الإسرائيلى، موشيه يعالون، فى التأكيد على أنه إذا كان على الاختيار بين إيران وداعش، فسأختار داعش، كان هذا المسئول الإسرائيلى نفسه قد ألمح فى أبريل ٢٠١٧ إلى وجود روابط بين حكومته وداعش، مما أدى إلى إحراج الأوساط السياسية فى بلاده، وأشار إلى أن إسرائيل تلقت اعتذارات رسمية من داعش لإطلاقها بطريق الخطأ بعض الصواريخ على إسرائيل.
علاوة على ذلك، فى عام ٢٠١٦، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، عن مساعدة عسكرية إسرائيلية لتنظيم داعش، حيث وصلت إلى حد تدريب وحدة عسكرية خاصة مكلفة بمساعدة هذا التنظيم من خلال توفير أسلحة وذخيرة ورواتب لأعضائها بهدف حسن الجوار بحسب الصحفى إيهود يعارى.
وفى نفس الصحيفة، أشاد المتحدث باسم الجماعة المسلحة المسماة مقاتلى الجولان بإسرائيل لوقوفها بشجاعة إلى جانبنا: «لولا مساعدة إسرائيل، لما تمكنا أبدا من الوقوف فى مواجهة الجيش السورى»، حسبما قال معتصم الجولانى، بينما كشف رفيقه فى القتال أبو سهيل عن المبلغ الذى دفعته إسرائيل كمرتب: «كقائد، أتقاضى راتبا سنويا قدره ٥٠٠٠ دولار تدفعه إسرائيل، ونعمل مع تل أبيب منذ عام ٢٠١٣، منذ أول هجوم كبير للجيش السورى على مواقعنا، طلبنا من الإسرائيليين المساعدة، لاستقبال جرحانا فى مستشفياتهم.. أرسلت لنا تل أبيب المال والذخيرة لا لمجموعتنا فقط ولكن أيضا لمجموعات أخرى تقاتل إلى جانبنا فى الجولان».
ونستكمل فى العدد الأسبوعى المقبل

معلومات عن الكاتب: 
إيلى حاتم دكتوراة فى القانون، ومحامى فى نقابة المحامين فى باريس وأمام المحكمة الجنائية الدولية (لاهاى)، كما أنه نائب رئيس الحركة الدولية لمحبى روسيا (MIR) وحاصل على وسام الأرز الوطنى، وعلى وسام النخيل الأكاديمى، ووسام نجمة موهيلى.. يستكمل دراسته حول عالم جديد حر متعدد الأقطاب.