الاقتصاد الأزرق سيكون أخضر أو لن يكون كذلك! بالنظر إلى كيفية تأثير تغير المناخ على هذه النظم البيئية البحرية والنهرية، فإن مسألة ارتفاع مستوى سطح البحر تمثل تحديا لنا، ولكن كيف يمكن مواجهة هذا التحدى المتمثل فى تغير المناخ من حيث الموانئ والبنية التحتية لمياه الأمطار؟
عندما نتحدث عن الماء على شكل جليد، فنحن على السطح، ونتجه نحو القطب الشمالى، وفى الآونة الأخيرة، أتيحت لى الفرصة لمقابلة مايك هورن الذى قال إنه قام بأول عبور له للقطب الشمالى فى عام ٢٠٠٦ حيث كان يسير على زلاجته، وكان يقيس سمك طبقة الجليد بدقة حيث قال: «حيث قمت بقياس بعمق ٢.٥٠ متر حتى تتمكن الطائرة من الهبوط، وفى عام ٢٠١٩ - كما ترون، بعد ١٣ عاما - فى نفس المكان، أصبح ثمانية سنتيمترات»، لقد أعاد عبور هذه المنطقة، وكان على ركبتيه على نوع من قوارب الكاياك، لأن سمك الجليد لم يسمح له بإعادة هذا العبور مثلما حدث عام ٢٠٠٦ نظرا لاختلاف الظروف تماما فى تلك المنطقة.
لذلك، فإن كل هذا يعطى ما لا يقل عن سبعة أسباب وجيهة لنا لكى نكون أكثر قلقا بشأن هذه الطاقة والانتقال البيئى فى المجال البحرى وبشكل أكثر عمومية، بشأن الاقتصاد الأزرق وهكذا، من بين الأسباب السبعة التى وجدتها، هناك أولا مصدر للنمو الاقتصادى، ويعتبر الاقتصاد الأزرق ناقلا متميزا للإمدادات الغذائية، فى وقت نسأل فيه أنفسنا: «كيف سنطعم المزيد والمزيد من البشر على هذا الكوكب؟» يجب أن نأكل كميات أقل من اللحوم، هل يمكننا تناول المزيد من الأسماك؟ هذا الأمر ليس مؤكدا أيضا، ومن الواضح أن هناك أماكن أصبحت أولى ضحايا التهديدات المناخية، فى تلوث تآكل السواحل، إلخ. ولكن أيضا نواقل للرفاهية، حيث يعيش ٥٠ ٪ من الناس اليوم على مسافة قريبة جدا، على بعد أقل من خمسة كيلومترات من المناطق الساحلية.
ومن الواضح أن هناك أيضا احتمالات لإنتاج الطاقات المتجددة، فى وقت يتزايد فيه الاهتمام بكيفية تنويع مزيج الطاقة، وبعد ذلك، بالطبع، هناك مسألة التقنيات الحيوية، ومن هنا تأتى أهمية احتجاز ثانى أكسيد الكربون، من حوض الكربون الطبيعى هذا الذى يمثل المحيطات، ولكنه يصبح مشبعا، لأنه عندما يرتفع مستوى ثانى أكسيد الكربون، يكون هناك تحمضا، انظر فقط فى زجاجات المياه المعدنية الفوارة، الرقم الهيدروجينى، ونحن نفهم على الفور أنه أقل، وبالتالى أكثر حمضية، عندما نشرب المياه الفوارة، مقارنة بنفس الأمر عندما نشرب الماء الراكد.
فرنسا: المجال البحرى الثانى فى العالم!
غالبا ما ننسى ذلك، لكن فرنسا هى ثانى أكبر مجال بحرى فى العالم بأكثر من ٢٢،٨٦٠ كيلومتر من الحدود البحرية، مع ٣٠ دولة، وهذا يعد أكثر من أى دولة أخرى فى العالم، تأتى فرنسا بعد الولايات المتحدة مباشرة وقبل أستراليا وروسيا، ولديها منطقة اقتصادية خالصة (EEZ) تغطى ١١ مليون كيلومتر مربع على المحيط الأطلسى والمحيط الهادئ والمحيط الهندى وعلى سواحلنا، نحن هنا اليوم، على حدود القناة الإنجليزية وبحر الشمال والبحر الأبيض المتوسط، لذلك هناك الكثير من التحديات لبلدنا الذى يحتل فى الوقت نفسه المركز الأول من حيث المجال البحرى الفرعى فى العالم، ومن الواضح أن جميع المناطق التى ستظهر حول جزر Kerguelen، مرورا بجزر Crozets أو Clipperton archipelago، وPolynesia، وSaint-Pierre-et-Miquelon، وجزر الهند الغربية، على سبيل المثال لا الحصر.
ومع ذلك، فهى، بطريقة متكررة وتقليدية إلى حد ما، تعد إمكانية نقلل من شأنها إلى حد كبير بالنسبة لاقتصادنا، كان إريك تابارلى مدركا تماما لهذه القضايا وكرس حياته لهذا اللون الأزرق الكبير حيث كان يقول: «البحر هو ما يدير الفرنسيون إليه ظهورهم، عندما ينظرون إلى الشاطئ».
دعونا نتذكر أن ٦٠٪ من سكان العالم يعيشون على مسافة أقل من ١٥٠ كيلومترا من البحر أو المحيط، مقارنة بـ ٣٠٪ قبل قرن من الزمان، وتمر معظم البضائع عبر البحار إضافة إلى أن قاع البحر مليء بالكنوز الاقتصادية ولكن أكبر خمسة موانئ على هذا الكوكب تقع فى آسيا، وتعد فرنسا، واحدة من أفضل البلدان فى العالم فى هذا المجال، يبدو أننا نتجاهل هذا الكنز الأزرق الهائل الذى أمام أعيننا.
ومع ذلك، فإن الأمور تتغير، منذ أن ألقى الرئيس ماكرون خطابا فى ديسمبر ٢٠٢١، فى مونبيلييه، حول الرؤية البحرية وقال إنه يجب على فرنسا تكون واضحة، من الواضح أنه عندما نبدأ فى التفكير فى هذا الاقتصاد الأزرق، لا نريد أن نعيد ارتكاب نفس أنواع الأخطاء فى هذا المجال التى أدت بنا اليوم إلى تراكم ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، وبالتالى من الضرورى التفكير، مع الأخذ بعين الاعتبار ما قد يعنيه عدم الانتباه للعوامل الخارجية السلبية، وهو الأمر الموجود بالفعل والملحوظ، حيث نرى أن مستويات الحموضة فى المحيطات زادت بأكثر من ٢٦٪ منذ بداية الثورة الصناعية، كما تتدهور المياه الساحلية، وبالتالى من الواضح تأثر النظم البيئية الساحلية، بسبب التلوث، وهذا يعنى تدهور التنوع البيولوجى فى مكان ما، بسبب نضوب الأكسجين. إن أفضل طريقة لإدارة هذه النظم البيئية البحرية يعتبر مشكلة حقيقية.
إن التفكير فى الاقتصاد الأزرق ينطوى بالضرورة على ضمان الحفاظ على بحار صحية، وإدارة الموارد على نحو مستدام ومسئول وذلك بأفضل الطرق الممكنة، وكما قال فرانس تيمرمانز: «لكى يصبح المستقبل أخضر حقا، فنحن نحتاج أيضا إلى رؤيته باللون الأزرق، مع هذا الشرط المسبق الذى يجب وضعه فى الاعتبار عن صحة المحيطات الأوسع، حتى نتمكن من إدارة هذا الاقتصاد الأزرق بشكل مسئول».
سأختم ملاحظاتى بإخباركم أنه من الواضح، كما يبدو لى اليوم، أن الاقتصاد الأزرق سيكون أخضر أو لن يكون كذلك! بالنظر إلى كيفية تأثير تغير المناخ على هذه النظم البيئية البحرية والنهرية، فإن مسألة ارتفاع مستوى سطح البحر تمثل تحديا لنا، ولكن كيف يمكن مواجهة هذا التحدى المتمثل فى تغير المناخ من حيث الموانئ والبنية التحتية لمياه الأمطار؟ ما هى أفضل خلطات الطاقة؟ هل هناك مجال لكفاءة الطاقة؟ كيف تعيد الموانئ اختراع أنفسها لمواجهة هذا التحدى المتمثل فى حياد الكربون وتصديره إلى ما وراء البنى التحتية التى تمثلها، فى النقل الدولى ونحو المحيطات الكبرى والآفاق الكبرى؟ هل لدينا تقنيات بيئية جديدة، وهل لدينا إمكانيات تمويل؟ أم أننا لا نستثمر هذا الأمر بشكل عام؟ أم أننا أقل استثمارا فى فرنسا؟ هل مستوى الاستثمار كاف؟ وكيف يرغب الفاعلون الاقتصاديون فى النهاية فى المشاركة فى هذه القضايا أم أنهم يشاركون فى معرفتنا اليوم؟ هل هى مجرد أسئلة؟ هل يمكننا أن نتعلم من مفارقة قبول الطاقات المتجددة، وخاصة طاقة الرياح البحرية الشهيرة، أم أنه من الصعب أن نجد موقفا محددا؟ ولكن ليس فقط هذا، لماذا لا نفكر فى الطاقة التى يمكن توليدها من الأمواج؟.
معلومات عن الكاتب:
ميريام مايسترونى.. رئيس ومؤسس صندوق e5t ورئيس جمعية «100 قائد من أجل الكوكب»، تواصل رؤيتها حول قضية من أهم قضايا البيئة العالمية «الاقتصاد الأزرق وضرورته فى الحفاظ على البيئة»