تعرض متحف باردو قرب تونس العاصمة لهجوم إرهابى فى 18 مارس 2015، خلف 22 قتيلا و45 جريحا وتم احتجاز حوالى 200 سائح.. حول تداعيات هذا الهجوم التى مازالت مستمرة، أجرى موقع «لو ديالوج» حوارا مع خبير الإسلام السياسى ومحامى الضحايا فيليب دى فيول، يكشف فيه تواطؤ عناصر قضائية كانت تابعة لحزب النهضة الإخوانى.
فيليب دو فول هو محام متمرس فى شؤون الهجمات الجهادية لدفاعه عن ضحايا هجوم باردو 18 مارس 2015 ودفاعه أيضا عن ضحايا هجوم باتاكلان 11 نوفمبر 2015 وهجوم نيس 14 يوليو 2016.
وقد تابع تدريبات مكثفة حول قضايا الأمن والدفاع، حيث كان مدققا فى INHESJ فى عام 2008، ومدققا فى الدورة الوطنية 66 لـ IHEDN، فى عام 2014، محاضر فى مدرسة الحرب من 2015 إلى 2016 ومدافع عن 5 فرنسيين ضحايا هجوم باردو هو الوحيد الذى استنكر قاضى التحقيق بشير العكرمى وحزب النهضة الإسلامى وسديم الإرهاب الإسلامى.
من خلال مواقفه القائمة على الأدلة، يتعرض لتهديد داعش منذ ربيع عام 2016، ومن خلال صموده كمدافع عن ضحايا الإرهاب، تم الاعتراف به من قبل وسائل الإعلام والسياسيين فى العالم العربى - وكذلك من قبل روسيا - كأحد أفضل محللى الحركات الإسلامية فى تونس، لا أحد أفضل منه يمكنه التحدث عن الهجوم الأخير على كنيس الغريبة فى جربة التونسية.
فى 10 مايو، شهدت تونس هجوما إرهابيا إسلاميا جديدا.. جاء الهجوم فى الوقت الذى أكمل فيه مئات المصلين أداء فريضة الحج اليهودية إلى كنيس الغريبة، الأقدم فى إفريقيا. قام الدرك بإطلاق النار أولا وقتل أحد زملائه قبل أن يستولى على ذخيرته. ثم ذهب إلى أطراف الكنيس حيث فتح النار قبل أن يطلق عليه النار. بدأ مكتب المدعى العام الوطنى لمكافحة الإرهاب Pnat الأربعاء 10 مايو، فى باريس تحقيقا فى مقتل مواطن فرنسى تونسى يبلغ من العمر 41 عاما فى هجوم خلف خمسة قتلى: ثلاثة من رجال الدرك واثنان من المؤمنين إسرائيلى تونسى وفرانكو تونسى قتلا أمام الكنيس برصاص المهاجم. هذه ليست المرة الأولى التى نجد فيها إرهابيين إسلاميين يتسللون إلى المؤسسات وخاصة فى الشرطة أو الحرس الوطنى، ويعيدنا هذا إلى الهجوم الإرهابى الإسلامى على باردو فى 18 مارس 2015 فى تونس، حيث قتل إرهابيان 22 سائحا من 12 دولة مختلفة «ألمانيا، بولندا، بلجيكا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، بريطانيا العظمى، فرنسا، روسيا، كولومبيا، واليابان، بما فى ذلك المواطنون التونسيون». وإلى نص الحوار مع فيليب دو فول:
هل هناك علاقة بين هذا الهجوم الأخير وهجوم باردو خاصة فيما يتعلق بتسلل الجهاديين والإسلاميين فى الأجهزة الأمنية والجيش؟
طبعا! فى قضية باردو، لم أتوقف منذ عام ٢٠١٥ عن التنديد بتسلل إسلاميين النهضة إلى النظام القضائى وتواطؤهم وتراخيهم مع الجهاديين، وبالتالى لعبتهم المزدوجة. للمرة الثانية منذ عام ٢٠٠٢، ضرب رمز روحى قوى للغاية ومكانة للمجتمع اليهودى ثم لليهود التونسيين فى القلب، كشف أن قوات الدرك التونسية نفسها قد اخترقها الجهاديون لسنوات إلى درجة أن البعض، مثل صاحب هذا الهجوم الرهيب الذى نجح فى إشعال اليقظة الشديدة للسلطات منذ سقوط سلطة الإخوان فى النهضة وحظرهم.. لم يكونوا متسللين بالمعنى الدقيق للكلمة، بل كانوا متواطئين فقط تم اعتقالهم من قبل لواء شرطة مكافحة الإرهاب.
متى ظهرت علامات هذا التسلل؟
ظهرت بوادر تسلل عندما استولى القضاء التونسى على تحقيق باردو، مع العلم أن القاضى فى ذلك الوقت، بشير العكرمى، الشريك الفعلى للإسلاميين الجهاديين، وهو نفسه مقرب من سلطة الإخوان، سحب القضية من محققى محكمة العدل الدولية لتقوم شرطة مكافحة الإرهاب بتقديمها إلى الحرس الوطنى ربما اخترقه الإخوان المسلمون، لإطلاق سراح المتواطئين مع الإرهابيين بحجة التعذيب الذى لم يثبت فى الواقع.
فى الحقيقة، بعد هجوم باردو، تم استبدال المحققين الأوائل بالحرس الوطنى بناء على طلب قاضى التحقيق فى ذلك الوقت، بشير العكرمى، الذى رفض التعامل مع أجهزة التحقيق الفرنسية التى أرسلها مكتب المدعى العام الوطنى لمكافحة الإرهاب للحضور والتحقيق على الفور. وهنا أذكر أنه فى باردو، كان هناك ٤ قتلى و٦ إصابات خطيرة من بين ٢٢ شخصا لقوا حتفهم وأكثر من ٦٠ مصابا، وبعد طريق طويل من التقلبات، والإدانات، والتحقيقات المشوهة أسفرت عن محاكمة فاشلة وغير كاملة فى يونيو ٢٠٢١ وفى بداية التحقيق، أفرج قاضى التحقيق بشير العكرمى عن ٦ من المتهمين بالإرهاب على أساس التعذيب؛ ولم يتم إثبات هذا التعذيب مطلقا، وتثبت مقاطع الفيديو أن أحد المتهمين «جبلى» قد عومل معاملة جيدة من قبل المحققين خلال هذه الأقوال وتم بث مقاطع فيديو على موقع Atlantico فى أغسطس ٢٠١٧، بصفتى محاميا لخمس ضحايا فرنسيين فى هجوم باردو الإرهابى، فقد شجبت باستمرار صلة هذا القاضى بالحركة الإرهابية الإسلامية وبالحزب الإسلامى النهضة.
ماذا كان رد فعلك بعد اعتقال الزعيم التاريخى لجماعة الإخوان المسلمين التونسية راشد الغنوشى، الذى دافع عنه بعض السياسيين الغربيين باعتباره ديمقراطيا؟
لقد دعمت الرئيس التونسى تماما فى هذه القضية، لأن الغنوشى كان ينفخ فى النار على مدار عقود بتهديد تونس بالحرب الأهلية، إذا هاجم الرئيس قيس سعيد قادة النهضة، وبالفعل كان ذلك الهجوم على كنيس الغريبة نتيجة لمثل هذه الدعوة.. والتحقيق قد يكشف لنا هذا فى النهاية.
بصفتك محاميا للضحايا الفرنسيين فى هجوم باردو.. هل تم استقبالك فى الإليزيه منذ ذلك الحين؟
فى ٢٦ سبتمبر ٢٠١٦، استقبلت فى الإليزيه مع ٣ من ضحاياه من قبل الرئيس فرانسوا هولاند، الذى أخذ فى الاعتبار الشكاوى التى تقدمنا بها بشأن مخالفات القاضى، لكنه فى النهاية لم يتصرف مع الدولة التونسية لطلب تفسير.
منذ بدء التحقيق، كانت المحاكم الفرنسية تجرى تحقيقا، بقيادة قاضية التحقيق الفرنسية، إيزابيل كوزى، وفى عدة مناسبات، قدمت لها عدة فى مرات أدلة تكشف تواطؤ نظيرها القاضى التونسى الذى يحقق فى هذه القضية فى تونس وردت بأنها قابلته فى تونس مع المدعى العام فى باريس فى ذلك الوقت، فرانسوا مولين، وأنها أظهرت له كل ثقتها فى أدائه! والأسوأ من ذلك، أنه تم استدعاء جميع الضحايا مع محاميهم فى يونيو ٢٠١٧ ليقولوا إن تونس لا ينبغى المساس بها، وذلك بانتقاد العدالة بها خلال هذا التحقيق. وفى عام ٢٠١٧، كان موقف الرئيس ماكرون أكثر من مخيب للآمال للضحايا، لأنه طلب عقد جلسة استماع فى نوفمبر ٢٠١٧، حيث دعا الضحايا من خلال رئيس مكتبه لمخاطبة وزير العدل فى ذلك الوقت وكانت نيكول بلوبت.
أما الأمر الذى كان أكثر إثارة فهو الشكاوى التى قدمتها الجماعات التونسية، والتى نقلتها الجمعية التونسية «أى واتش»، والتى نددت أيضا بتورط هذا القاضى فى عرقلة الأدلة فى قضايا الاغتيالات ذات الطابع الإرهابى ضد السياسيين التقدميين شكرى بلعيد ومحمد براهمى وذلك فى عام ٢٠١٣.
بما أن الرئيس التونسى يشن حربا شاملة ضد الإخوان المسلمين، هل تمت إدانة ذلك القاضى الذى كشفت توجهاته وقناعاته؟ وهل تمت محاكمته بسبب ذلك؟
اليوم، يقبع هذا القاضى السابق، بشير العكرمى، خلف القضبان منذ ١٢ فبراير، بسبب شكوى ضابطى شرطة قام باتهامهما عن طريق الخطأ باستخدام التعذيب ضد سجناء، ومنذ ٩ مارس، قدم ٤ فرنسيين من ضحايا الهجوم الإرهابى الإسلامى فى باردو شكوى ضد بشير العكرمى لعرقلة الأدلة لإثبات الحقيقة كجزء من تحقيق لمكافحة الإرهاب.
ومنذ ٢٠ أبريل، صدر أمر اعتقال زعيم حزب النهضة الإسلامى المحافظ والبرلمانى السابق، راشد الغنوشى المعارض الرئيسى للرئيس قيس سعيد فى تونس. واعتقل بعد تصريحات ادعى فيها أن تونس ستتعرض للتهديد بحرب أهلية إذا تم القضاء على أحزاب يسارية أو من الإسلام السياسى مثل النهضة.
ويعيدنا هذا الاعتقال السياسى والرمزى إلى ثورة الياسمين فى ربيع ٢٠١١، والتى عجلت بسقوط الرئيس التونسى بن على واستغل حزب النهضة الإسلامى هذا التغيير لتولى السلطة بعد الانتخابات كما تم استبدال العديد من كبار المسئولين فى الإدارة، خاصة فى القضاء، من قبل متعاطفين إسلاميين، كما كان الحال مع القاضى بشير العكرمى، باعتباره حاضرا فى الصفوف الأمامية للقتال ضد الإسلاموية التونسية وأيضا فى الحرب بين روسيا وأوكرانيا - التى تعد جزءا من صدام مزدوج بين الغرب وروسيا فى العالم متعدد الأقطاب - هل ترى أن التأثير الأوروبى والفرنسى فقد قوته وأصبح ضعيفا بشكل متزايد فى هذا العالم متعدد الأقطاب؟
كان على رئيس الجمهورية التونسية، قيس سعيد، المنتخب منذ عام ٢٠١٩، اتخاذ قرارات جذرية ووقف الحياة البرلمانية وتقديم دستور جديد يمنح الرئيس مزيدا من الصلاحيات.
وتم ذلك بهدف الشروع فى سياسة واسعة لتنظيف الحياة السياسية والديمقراطية للبلاد من خلال اتخاذ قرارات شجاعة، ينأى الرئيس التونسى بنفسه عن الهيئات الدولية الغربية، ويواجه أزمة اقتصادية حادة مع ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من ١٠٪، حتى أنه رفض خطة إنقاذ بقيمة ١.٩ مليار دولار ١.٧٥ مليار يورو قيد المناقشة لعدة أشهر بين تونس وصندوق النقد الدولى، فى حين أن الاتحاد الأوروبى قلق من الانهيار من البلاد.
وضع محفوف بالمخاطر، لا يمكن إلا أن يؤدى إلى هجرة تونسية غير مشروعة ضخمة وغير قابلة للسيطرة على السواحل الإيطالية، والغريب أن الرئيس التونسى لا تدعمه فرنسا ولا الاتحاد الأوروبى فى حربه ضد الإسلاميين كما أن وسائل الإعلام الأوروبية الرئيسية تنتقده «هناك مقالات فى لوموند لإيفا جولى أو دانيال كوهن بنديت كلها ضد الرئيس التونسى»، فى حين أنه سيكون من الأحرى والأفضل دعمه سياسيا واقتصاديا.
وفى الحقيقة، هذا الموقف غير الواقعى للغاية وفرض المعايير السياسية الغربية من قبل الاتحاد الأوروبى وفرنسا على وجه الخصوص لن تظل بدون عواقب، وبالفعل، فإن الحرب الروسية الأوكرانية، التى أزعجت خبراء الجيوسياسة، تدفع جزءا كبيرا من دول إفريقيا وشمال إفريقيا لدعم روسيا والصين فى هذه المناطق التى كانت تحت سيطرة القوى الاستعمارية السابقة.
ومثل هذا الازدراء الذى تنتهجه أوروبا قد يجبر الرئيس التونسى على اللجوء إلى كتلة بريكس الموحدة، والحصول على تحالفات جديدة على حساب النفوذ الفرنسى والأوروبى، مما يخاطر بمواجهة أزمة هجرة جديدة غير مسبوقة.
هل تغير رأيك الصريح فى الرئيس التونسى الحالى الذى تعرض لانتقادات شديدة حتى من الغرب خاصة فرنسا والاتحاد الأوروبى منذ تصريحاته المتطرفة ضد المهاجرين الأفارقة السود؟
فى الوقت الحالى، ما زلت أؤيد الرئيس التونسى فى معركته لتنظيف الحياة السياسية الوطنية، بينما قدم أربعة من موكلي، ضحايا الهجوم الإسلامى فى باردو، شكوى ضد بشير العكرمى، لعرقلة الأدلة وما زلت فى انتظار مقابلة مع رئيس الجمهورية التونسية من خلال طلب رسمى مقدم إلى السفارة التونسية فى ٩ مارس. فيما يتعلق بتصريحات الرئيس التونسى المثيرة للجدل، أذكر الأخلاقيين الفرنسيين والغربيين أنه من خلال طرد ووقف موجة المهاجرين من جنوب الصحراء، بصفته الضامن السيادى لاحترام قوانين بلاده ووحدة أراضيها، فإنه لا يقوم إلا بوظيفته كرئيس دولة ألا وهى حماية شعبه! وهو على دراية بقضية الهجرة، ومعرفة تداعياتها على الاقتصاد والأمن.
ويجب على فرنسا وإيطاليا والاتحاد الأوروبى اغتنام الفرصة لإيجاد حلول لاحتواء موجات الهجرة من تونس، والتعاون فى إدارة تدفقات الهجرة بدلا من التغلب عليه، كما إننا نشهد موقفا مغايرا للقيم، وهو عبث أيديولوجى للاتحاد الأوروبى، والذى غالبا ما يعمل للأسف ضد شعوب الدول الأعضاء، وهذا أمر يمكن ملاحظته بشكل أكبر عندما تعطينا تونس دروس الحكم الرشيد!
هل تساند الرئيس على الرغم من النيران الجماعية الموجهة إليه من الديمقراطيات الغربية التى تتهمه بقمع الإخوان المسلمين فى تمثيلهم الحزبى الديمقراطى وفى إدارته الشعبوية أو حتى تقديم سياسته على أنها معادية للأجانب ولتدفقات المهاجرين غير المشروعة من جنوب الصحراء الكبرى؟
نعم تماما! أعتقد أن أعظم فعل لقيس سعيد، الذى دعمته رسميا فى وسائل الإعلام الفرنسية فى عدة مناسبات وأجد تصرفه شجاعا للغاية، لأنه مهدد بشكل خطير من قبل الإخوان المسلمين والجهاديين، ولسوء الحظ يتعرض لانتقادات ولا تدعمه فرنسا والاتحاد الأوروبى، الذى يجب أن يقف معه ومع بلاده فى مواجهة التهديدات المشتركة للهجرة غير الشرعية والاستبداد الإسلامى وأيضا مواجهة المخاطر المشتركة بين الشعوب الأوروبية والدول العربية والإسلامية، خاصة أن تلك الدول كانت من بين أولى ضحايا الإرهاب الإسلامى.