الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

توفيق بورجو يكتب: ردًا على فوكوياما.. عندما ينضم هذا المفكر للدفاع عن الإسلام السياسى!.. الارتباط واضح بين التدهور الاقتصادى ووجود حزب النهضة فى السلطة بتونس

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تم توجيه رسالة إلى الرئيس الأمريكى بايدن بتاريخ ٣ مايو ٢٠٢٣ موقعة من قبل مجموعة غير متجانسة من الشخصيات الأمريكية، وشارك فيها سفراء سابقون لدى روسيا وسوريا والجزائر وهولندا.
ونلاحظ مساهمة تيفانى ويليامز التى عملت بنجاح فى ليبيا ضمن مهمات الأمم المتحدة وكما نرى عادة فى مثل هذه الحالات، فقد انضمت جماعات الضغط، وممثلو المؤسسات الفكرية - الذين كانوا إلى جانب الحرب فى العراق - مع الموقعين على تلك الرسالة.
وسوف نلاحظ بالطبع المسئولين عن الشئون التونسية فى واشنطن، جاكوب ويلز السفير السابق فى تونس وجيفرى فيلتمان الذى كان حاضرا أثناء صياغة الدستور التونسى لعام ٢٠١٤ لدرجة أن بعض الألسنة "السيئة" قد وصفت النص الأساسى للمتوفى، ٢٠١٤ بأنه «ميثاق فيلتمان».
كما أكمل اثنان من الأساتذة فى جامعة ستانفورد هذه القائمة، لارى دايموند، المتخصص فى الديمقراطية العالمية وخاصة فرانسيس فوكوياما، الذى لفت حضوره انتباهنا.
تأملات فى التدخل بهدف الديمقراطية
تلخص هذه الرسالة كل التناقضات الأمريكية فيما يجب وصفه بـ «التدخل» فى تحويل الأنظمة السياسية الأجنبية بحجة إرساء الديمقراطية فى هذه الأنظمة، وهى ممارسة ترسخت فى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين فى ظل حكم إدارة جورج دبليو بوش، وأكدتها إدارة الرئيس أوباما.
لكن عقيدة التدخل الديمقراطى تمت صياغتها قبل هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ بوقت طويل، وخلال ولاية كلينتون الثانية، تم تداول أوراق معينة فى واشنطن حول التحول الضرورى للعالم العربى لتكييفه مع الخريطة الجديدة ما بعد السوفيتية وما بعد الحرب الباردة.
ومما لا يثير الدهشة، أن نص الرسالة المؤرخة ٣ مايو ٢٠٢٣، يستهدف القوة التونسية الحالية ويصف بطريقة مركزة العملية التى دخلت فيها تونس منذ عام ٢٠٢١ خاصة أنها عملية غير نموذجية لم تحدث فى الفترة السابقة ٢٠١١-٢٠٢١ وفى الحقيقة أظهر هذا العقد أن عمليات التحول الديمقراطى من الخارج لم تنجح إلا فى الدوائر الغربية وأن نجاحها لا يزال محل جدال، بما فى ذلك وقبل كل شيء كما هو الحال فى دول أوروبا الشرقية «بولندا، المجر، بلغاريا، رومانيا».
لقد فشلت عمليات إرساء الديمقراطية فى العالم العربى بسبب الإسلام السياسى وعدم توافقه التام مع روح الديمقراطية كفلسفة وممارسة، وهذا الأمر، فى رأينا، هو العامل الأكيد للفشل والشاهد على ذلك هى تلك التجاوزات التركية الثقيلة، ووضع جميع دول الشرق الأوسط الغنى، بما فى ذلك قطر، الحليف الاستراتيجى للولايات المتحدة، والتى لم تكن أبدا مثالا نموذجيا من حيث الديمقراطية، فوجدنا أنه تم التورط فى قضية فساد داخل البرلمان الأوروبى، دون ذكر حقوق الإنسان وحرية التعبير.
 


ثلاث نقاط سوداء كانت كافية لأى دولة أخرى للانضمام إلى القائمة الأمريكية للدول المفترسة للحريات الديمقراطية. لكن قطر دولة مساعدة ونقطة ارتكاز مالية لـ«المشاريع السياسية» فى شمال أفريقيا، وفى قطاع الساحل والصحراء، وفى أفغانستان والشرق الأوسط. وفى نظر واشنطن، هذا كاف لإخراج إمارة الغاز من أى تساؤل ديمقراطى.
إضافة إلى كل ذلك، تثبت حالتا قطر وتركيا أن «السخط الأمريكى» انتقائى للغاية، والأخير يقع بشكل أساسى على تونس، مع انتظام معين وشدة معينة، لا سيما من جانب أعضاء الكونجرس ومن أعضاء اللوبى فى واشنطن والتى يقوم بدفعها حزب النهضة، مثل شركة Burson & Marsteller، التى أصبحت مؤخرا BCW.
ولا شك أن وجود عضو حزب النهضة الخوانى رضوان المصمودى، الناشط للغاية مع الديمقراطيين فى الكونجرس فى واشنطن، لن يكون منفصلا عن هذا النشاط.
رسالة تتهرب من تقييم الإخوان المسلمين على رأس تونس
فى الرسالة الموجهة إلى بايدن، بالطبع، لم يتحمل الموقعون عناء إعداد تقييم للوضع الذى كان سائدا بين عامى ٢٠١١ و٢٠٢١ وتم تقسيم هذا التقييم إلى بضع جمل بليغة: الدولة والاقتصاد التونسى، أرسل ما لا يقل عن ٩٠٠٠ إرهابى تونسى لارتكاب جرائم حرب فى سوريا بينما كان حزب النهضة فى السلطة وبموافقته، إن لم يكن بنشاطه الفعلى. 
وعلى وجه التحديد، تم إرسال حوالى ٩٠٠٠ من المرتزقة الجهاديين من تونس إلى سوريا بين عامى ٢٠١١ و٢٠١٤، أو حوالى ١٨٠٠ فى السنة ومتوسط ١٥٠ إرهابيا يتم تجنيدهم شهريا. بالإضافة إلى جرائم الحرب المرتكبة فى سوريا، فإن بعض العائدين قد ارتكبوا أعمالا إرهابية فى تونس، الإرهاب لم يختف على الرغم من قبضة الإسلاميين على البلاد، شاهد الهجوم الذى وقع للتو فى جربة على معبد غريبة، نتيجة سنوات من تسلل الإسلاميين الجهاديين داخل قوات الشرطة والحرس الوطنى التونسى.
كما لا يبدو أن الموقعين قد لاحظوا أن الإرهابيين المرتبطين بالإسلام السياسى التونسى قد شاركوا فى غالبية الهجمات الإسلامية فى أوروبا، وتحديدا فى فرنسا، وأن هؤلاء الإرهابيين فى الغالب لهم صلات مباشرة بالحزب الذى يمثل محور مشروع التحول الديمقراطى التونسى من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى: حزب النهضة.
ولا يبدو أيضا أن الموقعين على تلك الرسالة، قد لاحظوا أنه بين عامى ٢٠١١ و٢٠٢١، فى ظل حكم الإسلام السياسى، تم تجنيد تونس فى مافيات الهجرة غير الشرعية فى جنوب الصحراء، المرتبطة بالميليشيات الإسلامية الليبية والشبكات الإرهابية جنوب الصحراء وطغت هذه الهجرة المزعزعة للاستقرار شمال إفريقيا وجنوب أوروبا - بما فى ذلك إيطاليا، العضو فى الناتو والمحور - على نظام الناتو فى البحر الأبيض المتوسط.
يدعو خطاب ٣ مايو ٢٠٢٣ إلى وقف المساعدات الأمريكية للجيش التونسى وقوات العدل والشرطة ويوصى بأن لا تساعد إدارة بايدن تونس فى الحصول على مساعدات صندوق النقد الدولى.
من حق الأمريكيين أن يوقفوا كل المساعدات عن أى بلد حيث يجب على أموال دافعى الضرائب الأمريكيين أن تخدم الأمريكيين أنفسهم أولا، وهذا لا ينبغى أن يعانى من أى استجواب؛ لكن تقديم المساعدة الإضافية التى تلقتها تونس منذ عام ٢٠١١ كخدمة أو كأداة للتحول الهيكلى للقوات المسلحة أو الشرطة، هو ببساطة أمر خاطئ.
فى الواقع، كانت تكاليف الأمن فى تونس أقل قبل عام ٢٠١١ بسبب الاستقرار الكبير فى البلاد. بين عامى ١٩٨٦ و٢٠١١، شهدت تونس أربعة أعمال إرهابية فقط مرتبطة بالإسلام السياسى، وكلها محلية للغاية، وأحدها جاء من الجزائر بالقرب من الحدود، أصبحت نسب الهجمات أمرا مرهقا إلى تكلفة الأمن ومصاحبة للتدخل الغربى فى ليبيا، بحجة تصدير الديمقراطية، التى شاركت فيها إدارة أوباما بشكل فعال، تجذر الإرهاب فى تونس بفضل استيلاء الإسلاميين على السلطة فى تونس وليبيا.
كان للتدخل الغربى فى ليبيا عواقب وخيمة أخرى على تونس، هكذا دمر اقتصاد الجنوب التونسى بأكمله بظهور المافيات على الحدود، وموجات الهجرة من جنوب الصحراء التى تهدد الاستقرار الاجتماعى والسياسى لتونس وببساطة استدامة البلد الذى يهدد بأن يصبح صومال الشمال الأفريقى، وذلك بسبب تدفق المهاجرين من جنوب الصحراء عبر الجزائر وليبيا (مدفوعين من هذين البلدان باتجاه تونس).
كما يجب التأكيد على أن المساعدة الأمريكية للجيش التونسى لا تهدف إلى منح تونس تكافؤا استراتيجيا مع الدول المجاورة، ولكن تهدف فقط لمساعدتها على محاربة إرهاب إسلامى حصرى له عنصر داخلى حصرى مرتبط بالنهضة والأحزاب التونسية المرتبطة بالإسلام السياسى، الذى على الرغم من ذلك، تم الترويج لهم منذ عام ٢٠٠٣ على أنهم محاورين فى واشنطن ولندن.
هل نحتاج إلى تذكير الموقعين على الرسالة الموجهة إلى بايدن، أنه خلال الفترة المعروفة باسم الربيع الديمقراطى، كان مستوى المعيشة اليومى والأمن للأفراد خلال الفترة التى سبقت عام ٢٠١١، كان أفضل بكثير من تلك التى عرفها التونسيون منذ ٢٠١١.
وبعبارة أخرى، فإن مكاسب الديمقراطية الشاملة التى دافع عنها مؤيدو الديمقراطية العالمية هى لـ ١٢ مليون تونسى وهمى، ومن ناحية أخرى، زادت الآثار السلبية من عام إلى آخر وستزداد بالتأكيد لأنها تتشابك الآن مع عوامل جديدة مثل تصاعد عدم الاستقرار فى جنوب الصحراء الكبرى باتجاه الشمال والتى تم تصديره إلى تونس بفضل تدمير الدولة التونسية والوصول المكثف للمنظمات غير الحكومية الأجنبية التى تدخلت فى إدارة السيادة وحدود البلاد.
شهدت الفترة بين عامى ٢٠١١ و٢٠٢٣ سقوط ٢٢٪ من السكان تحت خط الفقر (أرقام من البنك الدولى)، لقد دمرت العملية الديمقراطية التونسية التى تم الاستشهاد بها كمثال فى الخارج، البيئة المعيشية للتونسيين، ودمرت دولة ما بعد الاستعمار التى لا يزال كتاب الرسالة إلى بايدن يسمحون لأنفسهم بإقامتها كحصن ضد أى تحالف مستقبلى مع الصين، بينما يساعدون فى ذلك، لتدميرها بمساعدة الإسلام السياسى.
بالإضافة إلى هذه السقطات الواضحة فى هذه الرسالة والحرية التى تتمتع بها مع الحقائق التاريخية، فإن أكثر ما يلفت الانتباه هو وجود فرانسيس فوكوياما فى هذا التجمع غير المتجانس للمدافعين عن الإسلام السياسى.
بين عامى ٢٠١٥ و٢٠١٩، بعد دعوات ومقابلات متعددة، قام مؤلف كتاب «نهاية التاريخ» بتشخيص الوضع التونسى من خلال محاولته بصعوبة كبيرة إقامة صلة بين اقتصاد الفترة ٢٠١١-٢٠١٩ والعملية السياسية التى تم تصويرها بطريقة تقريبية إلى حد ما.
وعلى ما يبدو أنه أفلت من السيد فوكوياما، تلك الصلة المباشرة بين التدهور الاقتصادى ووجود الإسلام السياسى فى السلطة. وقد أقام الأخير عملية نهب للاقتصاد والبلد، من خلال اقتصاد مواز، مع مكون مافيا قوى، مرتبط بإدخالات غير شرعية للمنتجات، بعضها يأتى من تركيا، والتى بلغت ذروتها فى عهد الغنوشى إلى أكثر من ٦٠٪ من حجم النشاط الاقتصادى.
 


لكن ما يثير الدهشة فى تحليلات فرانسيس فوكوياما للوضع التونسى ليس فقط تسطيح الملاحظات، ولكن قبل كل شيء المقارنات التى لا أساس لها من الصحة، مثل المقابلات التى أجريت لمجلة Managers فى ١٨ يناير ٢٠١٩، مثل تلك التى أجريت فى ٢٠١٧ أو ٢٠١٨، بالإضافة إلى الجهل التام بالوضع التونسى، مع مقارنة بين حالة الرفاهية فى الدول الأوروبية الغنية والوسائل الضئيلة. إن التشابه الذى قدمه السيد فوكوياما لا يستوعبه العقل، المكان والعلاقة بالدولة، وحجم التدخل، والحقائق الاجتماعية، وما إلى ذلك، العوامل التى لا يبدو أن مؤلف كتاب «نهاية التاريخ» مثقل بها، لا توجد مقارنة ممكنة بين بلد مثل تونس والدول الأوروبية الغنية والمزدهرة.
هذه النقطة المحددة تشكل تحديا لنا بشكل خطير، لأنها توفر معلومات عن التفكير العميق للمدافعين عن التدخل الديمقراطى، أو ما يسميه البعض الربيع، سواء فى جانبهم الشرقى أو فى جانبهم العربى، علاوة على ذلك تقريبا؛ فإن الجانب الاقتصادى محجوب، بشكل عام بالجانب السياسى، ولم يظهر إلا بعد سنوات من انهيار الدولة السابقة.
من وجهة نظر اقتصادية، فإن النموذج الذى يدافع عنه مؤيدو التدخل لأغراض الديموقراطية هو نموذج الدولة الأقل، للحد من تدخلاتها، وخصخصة ما يأتى فى إطار الخدمات التى سمحت حتى الحد من تأثير الفقر ونقص الموارد: الصحة والتعليم والبنية التحتية ومساعدة الفقراء. والأسوأ من ذلك، أن ما يدافع عنه أعضاء هذا airopagus هو أيضا نقل بعض سلطات الدولة إلى الهياكل شبه الحكومية والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، بما فى ذلك فى حالة إدارة الحدود والهجرة واللاجئين وحتى فى بعض النواحى نظام السجون، بما فى ذلك معاملة السجن للإرهاب. كان هذا أيضا أحد الجراح التى عانت منها تونس عندما أنشأ حزب النهضة النظام القضائى التونسى، الذى كان إحدى الأذرع العلمانية لإرسال الجهاديين إلى سوريا وأماكن أخرى خلال العقد الأسود ٢٠١١/٢٠٢١.
تم فرض هذا النموذج على تونس، وأدى إلى بلقنة السيادة، وإقامة أنظمة شبه مافيا من خلال جمعيات ممولة بأموال أجنبية من دول الخليج، ولا سيما الجمعيات الدينية، وهى الذراع العلمانية لنظام الإخوان الذى جند الإرهابيين، وشارك فى تدمير نظام التعليم فى تونس.
وشدد فوكوياما على ضرورة تفكيك عدد معين من الهياكل التى جعلت من الدولة التونسية دولة ذات كفاءة نسبية، لا سيما عند مقارنة الفترة الممتدة من عام ١٩٥٦ إلى ٢٠١١ بالفترة التى تمتد من عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠٢٣ على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى، تربويا وأمنيا، على المستوى الاجتماعى، سمح نموذج ما قبل عام ٢٠١١ بظهور طبقة وسطى واستقرار نسبى، فى إطار دولة ذات حدود آمنة.
فى الواقع، إذا تمكنت تونس من الحصول على بعض المؤشرات الجيدة، فذلك بسبب وجود دولة وقليل من الخدمات العامة انتقدها السيد فوكوياما، باسم الكفاءة الديمقراطية فى العديد من المقابلات التى أجراها حول تونس، لكن من الواضح أن عملية إرساء الديمقراطية، قد دمرت هذه الدولة لدرجة أن كل المؤشرات التى أدت إلى نجاح تونس قد انهارت.
وهكذا، منذ عام ٢٠١١، انخفضت معدلات الالتحاق بالمدارس للفتيات بشكل كبير، وانهارت نسبة وجود المرأة فى النشاط الاقتصادى، وانفجرت الجريمة الاقتصادية وظاهرة المافيا، وانكشف معدل الفقر فى البلاد، وتشهد البطالة ارتفاعا غير مسبوق، وفى عهد الإسلام السياسى، تحولت جميع المؤشرات الاجتماعية للبلاد إلى اللون الأحمر.
بعد مضى اثنى عشر عاما على الربيع الشهير، بات البلد على وشك الانهيار، وبدأت علاماته تظهر بمجرد استيلاء الإسلاميين بالنهضة على السلطة فى عام ٢٠١١، وغادر البلاد أكثر من ١٠٠٠٠٠ مدير تنفيذى، على سبيل المقارنة، فى عشر سنوات من الحرب الأهلية، شهدت الجزائر مغادرة ٩٠ ألف مدير تنفيذى للبلاد فقط، من إجمالى عدد السكان البالغ ٣٥ مليون نسمة فى ذلك الوقت، عندما كان عدد سكان تونس ١١ مليونا فقط.
تكمن المفارقة فى رؤية التدخل الديمقراطى يبرر تدخلهم باسم نجاح نموذج سابق أرادوا تدميره دون إمكانية استبداله بنموذج أفضل. المفارقة هى إخفاء الوضع الحالى لما يسمى ببلدان «الربيع» عندما يكون نتيجة لتدخل خارجى مدمر بشكل كبير. ومع ذلك، فإن مؤيدى التدخل الديمقراطى ليسوا غير مدركين لفشل عمليات نقل النماذج ويمكننا أن نأمل أن يدركوا أن عواقب هذا الفشل لا رجعة فيها، بما فى ذلك فى البلدان الأكثر ثراء من تونس. علاوة على ذلك، فإن العراق هو مثال متضارب ولكنه مثال عادل.
المفارقة هى أنه بسبب نجاح نموذجها فى فترة ما بعد الاستعمار ١٩٥٦-٢٠١٠، تم اعتبار تونس، خلال الولاية الثانية GW Bush، مكانا محتملا يمكن للمرء أن ينظر من خلاله إلى عملية إرساء الديمقراطية فى الدول العربية بتكلفة منخفضة.
وقد تم اختيار تونس كمختبر، بسبب بعض المؤشرات مدى الطبقة الوسطى، ومكان المرأة، ومعدل الإلمام بالقراءة والكتابة، وما إلى ذلك، وكانت تونس موقعا لتجربة بتكلفة استراتيجية منخفضة، مما أدى إلى تدمير القليل من النجاح.
ولا شك أن كتابة خطاب لرئيس، لكى يؤمن أن هناك جنة ديمقراطية فى تونس قد تدهورت فجأة، هو ببساطة أمر خاطيء خاصة أن نظام السيد سعيد ما هو إلا استمرار منطقى لتحول عام ٢٠١١ والذى كان تطوره نتيجة سلسلة من التدخلات من أجل فرض تسوية محلية من الخارج مع جماعة الإخوان المسلمين فى إطار عالم متوافق مع الإسلام السياسى، كقوات مساعدة فى مسارح معينة، لا سيما فى سوريا. 
وعلاوة على ذلك، كان حزب النهضة هو الحزب الذى لم يبرر الأمر فحسب، بل قام أيضا بإعداد عملية تجنيد وإرسال الجهاديين إلى سوريا، ومن أجل تقديم مثل هذه الخدمة، تم تسليم تونس للإسلاميين كمكافأة.
 
معلومات عن الكاتب: 
توفيق بورجو عالم سياسى فرنسى من أصل تونسى، باحث فى المجلس العلمى فى جرونوبل بفرنسا، حصل على الدكتوراه عام 1997 عن بحث حول «الدولة والعلم فى ظل الجمهورية الخامسة: تحليل تطور النموذج الفرنسى للسياسة العامة» من جامعة ليون 3، له عدة مؤلفات وأبحاث عن الإرهاب، وسياسات المخاطر، والقانون والأمن فى أوروبا، والتهديدات فى البحر المتوسط فى فترة ما بعد الحرب الباردة.. ينضم للحوار بهذا المقال الذى يرد فيه على أقاويل المفكر المعروف فرانسيس فوكوياما.