التقى الدكتور القس راضي عطالله، رئيس سنودس النّيل الإنجيليّ، نحو مئة من قساوسة وشيوخ مجمع مشيخة المنيا الإنجيليّ، في لقاءٍ نظمته لجنتا شئون القسوس والشّيوخ في مجمع مشيخة المنيا الإنجيليّ، تحت عنوان ’’الكنيسة الحاضر والمُستقبل‘‘ وذلك بمقر الكنيسة الإنجيليّة الثّانية في المنيا.
أُستُهِلَّ اليوم مع ترحيب كلمه ترحيبية قدمها القس مدحت زاهيان، رئيس مجمع مشيخة المنيا الإنجيليّ بقراءة من المزمور الثّالث والثّلاثين، أعقبتها صلاة من القس أديب شرقاوي، وفترة تسبيح قادها القس هاني عادل، رئيس لجنة الإدارة الماليَّة في مجمع المنيا الإنجيليّ وراعي الكنيسة الإنجيليّة في العوَّام. رحَّبَ بعدها القس عصام عطية، راعي الكنيسة الإنجيليّة الثّانية في المنيا، برئيس السنودس والحضور، مؤكدًا على ترحيب الكنيسة بخدمة المجمع والسنودس في كل وقتٍ.
قدَّم الدكتور القس راضي عطالله، كلمة حملت عنوان اللقاء، وانقسمت إلى شطرين. في الشطر الأوَّل قدَّم عطالله مفاهيم خاصة تصيغ صورة للكنيسة كما يجب أن تكون، تلك الصورة التي من شأنها دفعنا للاستمرار في العمل والخدمة دون ملل أو يأس، وقد أسَّس كلمته على عظة السيد المسيح على الجبل في بشارة القديس متى الإصحاح الخامس، وتحديدًا على الآية الرّابعة عشر، والتي تقول: «... لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل،» وبعيدًا عن التّفسيرات الحرفيَّة الضيقة للعبارة، أشار عطالله إلى أنَّ هذه المدينة ليست إلَّا إشارة إلى الكنيسة كما هي في فكر الله.
ثم استطرد شارحًا كيف لهذه الموضوعة على جبلٍ أن تكون، فقال مُعدِّدًا إنَّ الكنيسة الموضوعة على جبل، هي: كنيسة على أرض صلبة وأساس متين، منارة عالية تستطيع أن تُنير للعالم أجمع، كنيسة ذات مكانة سامية ومتفردة بسبب الحق الذي هو أساسها، كنيسة ظاهرة للجميع. كما وفي مقارنة مع نص الإنجيل بحسب لوقا البشير الإصحاح الثّامن والآية السَّادسة عشر، والتي تقول: «وَلَيْسَ أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجًا وَيُغَطِّيهِ بِإِنَاءٍ أَوْ يَضَعُهُ تَحْتَ سَرِيرٍ، بَلْ يَضَعُهُ عَلَى مَنَارَةٍ، لِيَنْظُرَ الدَّاخِلُونَ النُّورَ.» .
أضاف عطالله سمتان أخريان للكنيسة النّموذجيّة، هما: كنيسة مجتهدة ومتفرغة من المشغوليات والمُعطلات، لا تنشغل بذاتها عن عمل الله. واختتم حديثه بسمة هي الأهم -على حد قوله- إنها كنيسة كارزة، محورها الإنجيل. وفي إشارة نابهة، ألمح عطالله إلى الجِذر الإنجليزيّ المشترك بين الاسم الذي أُطلق على الكنيسة الإنجيليّة في مهدها (Evangelical)، وكلمة (Evangelism) وهو ما يُعطينا إشارة إلى كيف اشتُق اسم الكنيسة من دورها واهتمامها الرئيس آنذاك بالإنجيل.
انبرى عطالله بعدها -ببصيرة جرَّاح يُدرك مكمن العِلَّة- مُعَدِّدًا التّحديات التي تواجه الكنيسة المشيخيّة المصريَّة اليوم، وأجملها في عشر نقاط، هي: تحدي النّمو والامتداد والتّواجد الفعَّال من خلال القراءة الدقيقة لمقتضيات العصر؛ تحدي الحفاظ على الهُويَّة المشيخيّة؛ التّحدي الماليّ والإداريّ للموارد الماليَّة والبشريَّة؛ تحدي الخُدَّام والتّأهيل، وأهميّة التعلّم المُستمر للخادم والخدمة؛ تحدي الشّباب والبطالة وفراغ كنائس الريف بسبب الهجرة العماليّة؛ التّحدي الإعلاميّ والتكنولوجيّ وضرورة ألَّا تتخلف الكنيسة عن قاطرة التّطور في هذا الحقل؛ تحدي المسكونيّة ووحدة الكنيسة؛ تحدي الحوار مع مجتمع مُغاير وطبيعة العلاقة بين الكنيسة والدولة؛ التّحدي الإيمانيّ ومركزيّة الله في خدمة وحياة الكنيسة، وأخيرًا، التّحدي الأخلاقيّ الاجتماعيّ في عالم السماوات المفتوحة. رُفِع بعدها اللقاء لاستراحة قصيرة.
بعد الاستراحة، عاد اللقاء للانعقاد بصلاة من الشيخ بشاي جرجس، شيخ الكنيسة الإنجيليّة في أبي غرير، وقاد هذه الفترة القس عماد بطرس، راعي الكنيسة الإنجيليّة في أرض سلطان، وانقسم الجزء الثّاني من اللقاء إلى جزئين، قدَّم الدكتور القس راضي عطالله، في أولهما خطوات عمليَّة من خطته لمواجهة التَّحديات السّابقة، جاءت كالتالي:
أوَّلًا، تدشين مؤتمر التّحديات العشر، وهو سنودس تعليميّ، يُفترض له أن ينقسم إلى شقين، أولهما يختص بالهُوية المشيخيّة وهو الأصل، وثانيهما وهو عبارة عن ورش عمل وطاولات نقاش على هامش اللقاء، حول التّواصل الاجتماعي والإعلامي، التَّحول الرَّقمي والأرشفة الإلكترونيّة، التّنمية البشريّة وتوظيف الشباب. كما أعلن استعداده شخصيًا لدعم المجامع المتجاوبة مع مشروع الأرشفة الإلكترونيّة، والذي يتضمن إنشاء قاعدة بيانات إلكترونيّة لكل مجمع؛
ثانيًا، إطلاق مسح عام على مستوى المجامع، للقدرات والخبرات البشريّة في مجمع، وتنظيمها في قاعدة تُتيح للمُخططين الاستفادة من كل الطاقات والمواهب الموجودة؛
ثالثًا، التّحرك في اتجاه تكوين شراكات خارجية مع كوريا والهند وأمريكا والفلبين وغيرها، بهدف التّعاون في توفير برامج ومساقات تعليميّة وتأهيليّة لكوادر الكنيسة من القسوس والعلمانيين؛
رابعًا، العمل على ربط الكنائس المشيخيّة في مصر في موقع إلكتروني وقاعدة بيانات موحدة؛
خامسًا، دعوة سكرتاريّة المجامع للقاء تدريبيّ على مهام السكرتاريّة والتَّدوين، حفظًا لذاكرة الكنيسة.
عقب حديثه، استمع عطالله لعدد من المُداخلات، جاء فيها عدد من التّوصيات، أبرزها: وجوب الاهتمام بالخدمات النوعيّة، كخدمة المسجونين والمعاقين وغيرها من خلال تخطيط مُسبق وآليات عمل وإشراف؛ تكوين لجنة معاونة للرُعاة في زرع الكنائس؛ إحالة الأمور الإداريَّة للمختصين من أعضاء الكنيسة، على أن يتفرغ القسوس والشيوخ لخدمة الكنيسة؛ تعميم تجربة مدرسة التعليم اللّاهوتيّ التي نظمها مجمع المنيا العام الماضي وتخرج فيها نحو 26 من أبناء الكنيسة بعد ستَّة أشهر من التعليم اللّاهوتي المُركَّز؛ السعي نحو التّحول الرقميّ للكنيسة عن طريق إدارة قاعدة بيانات رقميّة تُتيح للباحثين وصُنَّاع القرار العمل على بصيرة وواقع؛ إطلاق سنودس لاهوتي لمُناقشة القضايا المعاصرة يخرج عنه صوت الكنيسة المشيخيّة المصريَّة، إنشاء صندوق موحد يكفل الضمان الماليّ لرُعاة الكنائس الأكثر احتياجًا والمُستحدثة؛ تنسيق برامج دراسيّة لسن إعدادي وثانوي تركز على تاريخ الكنيسة المُصْلحة؛ تكوين مجموعة تضع ورقة عمل محددة زمنية يتبناها السنودس كخطة خمسيّة مستقبليّة.
في الختام، عقَّب الدكتور القس راضي عطالله، على هذه المُداخلات مُبديًا استحسانه للرؤى والتّنوع في الأفكار والتّجارب التي طُرحت أثناء الحديث، واختتم كلامه قائلًا: «إنَّ ما يُجبر السنودس على المُضي قُدمًا في الخطط والرؤية هو المجامع، بحسب تمسكها بالرؤية وحفاظها على الحُلم.» هذا وقد أعلن عطالله أن هذا هو لقاؤه الأوَّل مع المجامع، وهو يأتي في إطار عدّة لقاءات ينوي أن يعقدها مع كل المجامع في سبيل دعم التّواصل وتوحيد الجهود. عقب الختام اجتمع الدكتور القس راضي عطالله، مع الحضور على مائدة شركة أخويّة، سادتها المحبَّة والألفة.