تشهد الولايات المتحدة الأمريكية حالة من الجدل السياسي وبعض الانتقادات الموجهة للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، باعتبار أنها تستهلك الموارد اللازمة لمواجهة تهديدات أكثر خطورة.
ويرى هؤلاء المنتقدون أن التمويل والأسلحة والجهود الأخرى لدعم أوكرانيا وردع روسيا ومحاولاتها التوسع في أوروبا يجب أن تكون موجهة نحو المحيط الهادئ والتهديد الأكثر قوة المتمثل في هجوم صيني محتمل على تايوان.
ويعتبر منتقدو الدعم الأمريكي لكييف أن انتصار أوكرانيا سيكون باهظ الثمن؛ لأن الدعم المطلوب لتحقيق هذا الانتصار سيقوض الجهود المماثلة لدعم تايوان، حيث قد يبدو دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا صحيحا من الناحية الأخلاقية، لكنه سيكون في النهاية كارثيا لإيقاف الصين عن المضي قدما في مسارها نحو تايوان.
وترى مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن هؤلاء النقاد مخطئون، حيث إن المساعدات والدعم الموجهين لأوكرانيا يسهم في تعزيز أمن المحيط الهادئ والدفاع عن تايوان وليس العكس، موضحة أن الأداء العسكري الذي وصفته بـ "الكارثي" لأهم حليف لبكين في أوكرانيا يعتبر نكسة جيوسياسية كبرى للصين.
وأضافت المجلة أن الدفاع الأوكراني الناجح عن أراضيها بدعم من الغرب قد يكون له تأثير رادع كبير على خطط الصين الخاصة بضم تايوان بالقوة، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تتعلم أيضا دروسا قيمة من أداء روسيا وأوكرانيا في حرب واسعة النطاق، بعدما انصب تركيز الجيش الأمريكي بشكل شبه كامل على مهام مكافحة الإرهاب ومقاومة التمرد في السنوات الأخيرة.
وتابعت المجلة أن التدابير المتخذة لدعم أوكرانيا تساعد بدون شك في تحديث القوات الأمريكية، وإحياء الإنتاج الدفاعي الخامل، وتطوير وتسريع عمليات بناء الأسلحة ونشرها، وتحفيز أكبر حشد دفاعي من قبل الولايات المتحدة وحلفائها منذ 40 عاما. وكل هذه الفوائد تأتي دون الاضطرار إلى استخدام القوات الأمريكية والاشتراك بشكل مباشر في الحرب.
وأكدت "فورين بوليسي" أن هناك دلائل على أن تسليح أوكرانيا أدى إلى تحسين القدرة على ردع أو هزيمة أي هجوم صيني محتمل على تايوان.
ويتمثل الدليل الأول في أن الحرب دفعت الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين إلى زيادة الإنفاق العسكري بشكل كبير. فعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سعى إلى خفض فعلي للإنفاق الدفاعي في السنتين الماليتين 2022 و2023، إلا أن الكونجرس الأمريكي قام بدلا من ذلك برفعها بأكثر من 25 مليار دولار في عام 2022 و45 مليار دولار في عام 2023، إضافة إلى أن المساعدات الأمريكية لأوكرانيا تأتي بشكل أساسي من المخزونات الحالية من الأسلحة القديمة في الغالب.
كما حفز الدعم الغربي لأوكرانيا الحلفاء الآسيويين في خط المواجهة على زيادة ميزانياتهم الدفاعية بشكل كبير. فقد أعلنت اليابان صراحة شهر يونيو الماضي عن خطة لمضاعفة الإنفاق العسكري في غضون خمس سنوات، والتي تتضمن شراء صواريخ توماهوك طويلة المدى أمريكية الصنع.
وزادت ميزانية الدفاع التايوانية بنسبة 80 في المائة منذ عام 2019، وجاء ثلثا هذه الزيادة منذ بداية العملية العسكرية الروسية. كما أن المخططين والمدربين الأمريكيين يتعاونون مع تايوان بشأن الدروس التي يمكن أن تتعلمها من القتال في أوكرانيا، وتساعدها في كيفية الدفاع عن نفسها.
واتبعت كوريا الجنوبية مسارا مشابها، ففي يناير الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الوطني في كوريا الجنوبية أن ميزانيتها ستنمو بنسبة 7 بالمائة تقريبا سنويا على مدى السنوات الخمس المقبلة. وبالمثل، دعا الرئيس الفلبيني إلى زيادة ميزانية الإنفاق الدفاعي بنسبة 8% في عام 2023، مع توقع أن يحافظ الإنفاق على متوسط معدل نمو سنوي يزيد عن 6% حتى عام 2028. وفي أستراليا، عززت الحكومة الجديدة بالفعل الإنفاق الدفاعي بأكثر من 7 في المائة.
ويتمثل الدليل الثاني في أن الحرب الروسية دفعت الولايات المتحدة إلى تنمية قواتها وتحديثها، حيث استخدم الجيش الأمريكي الأموال المخصصة لأوكرانيا، والتي تعادل ثلث ميزانية مشترياته السنوية، في شراء سبعة أنظمة أخرى لراجمات صواريخ المدفعية عالية الحركة (المعروفة باسم HIMARS) في السنة المالية 2025، علما بأن هذه الراجمات أثبتت أنها حاسمة بالنسبة لأوكرانيا وقد تكون مفيدة أيضا في سيناريو تايوان. كما يخطط الجيش الأمريكي الآن لشراء 197 مركبة مدرعة متعددة الأغراض بدلا من 91 فقط كانت مخططة أصلا لعام 2024، وذلك لاستبدالها بناقلات الجُند المدرعة M113 التي تعود إلى حقبة الستينيات من القرن الماضي والتي جرى بالفعل إرسالها إلى أوكرانيا. إضافة إلى ما سبق، فمن المقرر مضاعفة خطوط إنتاج الذخائر الرئيسية المستخدمة في أوكرانيا، وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة الموجهة (GMLRS)، وصواريخ Stinger وJavelin في العامين المقبلين. كما من المقرر أن يتضاعف إنتاج قذائف المدفعية من عيار 155 ملم ستة أضعاف خلال السنوات الأربع المقبلة، وهو ما سيعود إجمالا بالفائدة على الولايات المتحدة، حيث إن عملية تحديث الجيش الأمريكي ستكون كلفتها أقل على دافع الضرائب الأمريكي بفضل دعم أوكرانيا.
أما الدليل الثالث، فيتمثل في أن المساعدات الأوكرانية هزت القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية بعد ثلاثة عقود من الضمور بسبب ضبط النفس العسكري. فقد أعيد فتح خطوط الإنتاج لصواريخ ستينجر وقذائف المدفعية عيار 155 ملم وGMLRS. وفي حين أن النقاش حول توسيع قدرة القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية من خلال إصدار عقود طويلة المدى تركز في الأصل على التخلص من الذخائر القديمة ونقلها إلى أوكرانيا، إلا أن عملية التحديث امتدت لتشمل برامج أسلحة أخرى لا علاقة لها بأوكرانيا، مثل الصاروخ القياسي النشط المضاد للطائرات والصواريخ والدرونات وصواريخ كروز والسفن والدبابات والمنشآت المعروف باسم SM-6 WHAT ومنظومة الصواريخ طويلة المدى المضادة للسفن Long-Range Anti -Ship Missile (LRASM)، وصواريخ المواجهة الجوية المشتركة (JASSM).
وفي هذا الصدد، افتتحت شركة لوكهيد مارتن الدفاعية الأمريكية خط إنتاج ثان لمنظومة الصواريخ طويلة المدى المضادة للسفن Long-Range Anti -Ship Missile (LRASM)، وصواريخ المواجهة الجوية المشتركة (JASSM)؛ مما يسمح لها بمضاعفة الإنتاج السنوي في عام 2024. لذا، فإن المساعدات الأوكرانية ساهمت بشكل كبير في إزالة العوائق البيروقراطية وحفزت الإنتاج بطريقة لم تشهدها أمريكا منذ عقود.
ووفقا لمسؤول الاستحواذ والدعم في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، فإن "الإنتاج هو الردع"، بمعنى أنه إذا اعتقدت بكين أن الولايات المتحدة يمكن أن تحافظ على اشتباك عسكري طويل الأمد، فمن المرجح أن يردعها ذلك عن أي هجوم.
ويتمثل الدليل الرابع في أن سلطة السحب الرئاسي، التي تمنح الرئيس الأمريكي صلاحية تجاوز الكونجرس فيما يتعلق بإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، امتدت لتشمل تايوان، وهو الأمر الذي لم يكن ممكنا حدوثه بدون التحالف السياسي الذي تشكل داخل الكونجرس بفضل أوكرانيا. والمعروف أن سلطة السحب الرئاسي أقرها الكونجرس عام 1961، وتمنح الرئيس سلطة توفير المعدات العسكرية والخدمات والتدريب للدول الأجنبية من المخزونات الأمريكية الحالية. وتجدر هنا الإشارة إلى أنه بعد أن هاجمت روسيا أوكرانيا، منح الكونجرس الإدارة الأمريكية القدرة على تحويل ما قيمته 11 مليار دولار من الأسلحة حتى سبتمبر 2022، ثم 14.5 مليار دولار أخرى. وتعني هذه الاستراتيجية أن البنتاجون يمكنه نقل الأسلحة إلى أوكرانيا بسرعة كبيرة دون استخدام أوامر الشراء التي قد تستغرق سنوات، ومن ثم استخدام الأموال لإعادة ملء المخازن، وشراء أسلحة جديدة أفضل ومختلفة، أو أكثر من تلك التي تم إرسالها.
وترى "فورين بوليسي" أن المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا من شأنها المساهمة في تحديث القوات الأمريكية بشكل أسرع وتسريع الإنتاج الصناعي الدفاعي وتحفيز الزيادات في ميزانية الدفاع، الأمر الذي يمكن النظر إلى أنه بداية التعامل أخيرا مع الجانب العسكري من التحدي الصيني بجدية أكبر. كما أن تعزيز المساعدات لأوكرانيا هو حاليا أفضل شيء يمكن للولايات المتحدة القيام به للحفاظ على السلام والاستقرار في آسيا.
العالم
فورين بوليسي: دعم أمريكا لأوكرانيا في الحرب الروسية سينعكس على تايوان
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق