نوقشت اليوم رسالة دكتوراة مقدمه من الباحث أحمد حسن السيد عاشور بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية بعنوان "الكرامة الإنسانية ... فى ضوء الحقوق السياسية والاقتصادية فى الدستور .. دراسة مقارنه " .
لجنة المناقشة والإشراف برئاسة الدكتور حمدى ابو النور السيد استاذ ورئيس قسم القانون العام لكلية الحقوق جامعة حلوان "رئيسا" والدكتورة ميادة عبد القادر اسماعيل استاذ القانون العام المساعد ورئيس قسم القانون العام ووكيل كليو الحقوق جامعة الإسكندرية للدراسات العليا والبحوث "مشرفا وعضوا " والدكتور ياسر ابراهيم هندى الرئيس بمحكمة الاستئناف ورئيس محطة مرسى مطروح الابتدائية "عضوا" .
وأكد الباحث فى بداية رسالته أن الكرامة الإنسانية تُشكل حجر زاوية في أي مشروع إصلاحي في المجتمع، فلا يمكن الحديث عن تطوير الأوضاع السياسية والإقتصادية للشعوب دون صيانة كرامة الأفراد والجماعات، ولا يمكن لمناهج التربية والتعليم أن تتطور دون أن نعيد الاعتبار للإنسان وجوداً ورأياً وحقوقاً، ولا يكون استقرار الكيانات الأسرية والإجتماعية ممكناً دون الحفاظ علي كرامة أفرادها، ولا توجد تنمية شاملة في المجتمع دون حفظ حقوق الإنسان وكرامته.
واضاف أنه على العكس فإن امتهان الكرامة الإنسانية، يعد بوابة واسعة للكوارث الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية والسياسية التى تعانى منها المجتمعات فلا حرية بلا كرامة، ولا تنمية دون كرامة، بل إن كل مشروعات التنمية التى انطلقت على حساب كرامة الإنسان، وصلت إلى طريق مسدود، وساهمت فى مراكمة الأخطاء والمشاكل فى حياة الإنسان والمجتمع، ولا عدالة اجتماعية وسياسية دون شعور الإنسان بكرامته وعزته.
وأشار إلى انه لا يمكن أن تتحقق صيانة الكرامة الإنسانية دون مجتمع تسوده قيم العدالة والمساواة، لأن كثيراً من الانتهاكات والممارسات التى تناقض مفهوم الكرامة الإنسانية ومقتضياتها، تنبع من القضاء الاجتماعى غير المنضبط بضوابط العدل والمساواة فليست الكرامة كلمة تلوكها الألسن دون إدراك لمعناها، بل هى قيمة تتحقق متى توافرت الشروط التى تؤدى اليها، وهذه الشروط هي حماية حقوق الإنسان وكفالتها، سواء كانت حقوقه الأساسية أو السياسية أو الإقتصادية والإجتماعية، فتمتع الإنسان بهذه الحقوق هو ما يُشعره بقيمته وكرامته الإنسانية.
الجدير بالذكر أن الإستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان التى انطلقت في 11/9/2021 بواسطة اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بوزارة الخارجية بتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، استهدفت زيادة الضمانات لحماية حقوق الإنسان وحظر الممارسات والانتهاكات التي تنقص من كرامة الإنسان.
وأوضح أن الاستراتيجية الوطنية تعد الأولي من نوعها، وتعتمد مقاربة شاملة ومتكاملة لتعزيز حقوق الانسان والحريات الأساسية من خلال رؤية وتوجهات استراتيجية واضحة، إذ تبني على التقدم الفعلي المحرز وتأخذ بعين الاعتبار عند تحديد نتائجها المستهدفة ما يفرضه السياق الوطني من فرص وتحديات، بحيث تمثل خريطة طريق وطنية للنهوض بأوضاع حقوق الإنسان، وأداة هامة للتطوير الذاتي في هذا المجال وتم تحديد إطار زمنى لتنفيذ الاستراتيجية، بحيث تبدأ عملية تنفيذها منذ إطلاقها فى سبتمبر 2021 وتستمر لمدة خمس سنوات تنتهي فى سبتمبر 2026 وتشتمل الإستراتيجية على أربعة محاور عمل رئيسية تتكامل مع بعضها البعض، وتتمثل المحاور الأربعة للاستراتيجية فى: المحور الأول: الحقوق المدنية والسياسية / المحور الثاني: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية/ المحور الثالث: حقوق الإنسان للمرأة، والطفل، والأشخاص ذوي الإعاقة، والشباب، وكبار السن/ والمحور الرابع: التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان وتستند الاستراتيجية إلي مجموعة من المبادئ وهي أن حقوق الإنسان متأصلة في الكرامة الإنسانية، وهي عالمية، مترابطة ومتشابكة وغير قابلة للتجزئة إذ يعزز كل منها الآخر و عدم التمييز، وكفالة حقوق الإنسان في إطار من المساواة، وتكافؤ الفرص، واحترام مبدأ المواطنة
واوضح أن الرسالة بوجه عام تتحدث عن الكرامة الإنسانية في ضوء الفطرة الإنسانية، وأن الإنسان مُكرم من الله عز وجل منذ بداية خلقه قال تعال( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) و الكرامة الإنسانية في الشرائع السماوية " اليهودية، المسيحية، الإسلام" و الكرامة الإنسانية في الحضارات القديمة " الفرعونية، الإغريقية، الرومانية" والكرامة الإنسانية في المواثيق والإتفاقيات الدولية والأساس الدستوري للكرامة الإنسانية و الكرامة الإنسانية في الدساتير المصرية المتعاقبة منذ حكم محمد علي باشا حتي دستور 2014 و الحقوق السياسية ودورها في بناء الكرامة الإنسانية " الإنتخاب والترشيح" و الحقوق المتعلقة بالناحية الجنائية ودورها في بناء الكرامة الإنسانية " حقوق المتهم أثناء الخصومة الجنائية، حقوق المحكوم عليه أثناء تنفي العقوبة" و الحقوق الاقتصادية ودورها في بناء الكرامة الإنسانية " حق التملك، حرية التجارة والصناعة، حق العمل، الحق في بيئة نظيفة" و الحقوق الاجتماعية ودورها في بناء الكرامة الإنسانية " الحق في التعليم، الحق في الصحة، الحق في الضمان الاجتماعي، الحق في السكن الملائم".
فيما انتهت الرساله الى عدة نتائج وهى حق الكرامة مبدأ أخلاقى، مضمونه أن الإنسان ينبغى معاملته على أنه غاية فى ذاته لا وسيلة، وأن كرامته من حيث هو إنسان فوق أى اعتبار و لا ترتبط الكرامة الإنسانية بالنص على تجريم أفعال التعذيب والعقوبات الحاطة من كرامة الإنسان فحسب، بل ترتبط الكرامة بجميع حقوق الإنسان على اختلاف أنواعها، فكل حرمان أو انتقاص لحق من هذه الحقوق هو اعتداء على الكرامة الإنسانية و الوصول إلى ترسيخ مبدأ الكرامة الإنسانية هو طريق طويل وشائك ويحتاج إلى تمسك الدولة والأفراد وتضافر جهودهما معاً، ولا يحدث هذا إلا من خلال تفعيل النصوص الدستورية والقانونية واحترامها، بالإضافة إلى فتح الباب أمام المواطنين للمشاركة فى تحمل مسئولياتهم وتعبئتهم لتبنى مفاهيم الكرامة الإنسانية واحترامها و مفهوم الكرامة لا يأتى كبديل عن الحقوق الأخرى، بل هما عاملان مكملان لبعضهما البعض، فكيف تكون الكرامة دون حقوق وما هى الحقوق بلا كرامة!.
كما انتهت الرسالة إلى عدة توصيات وهى ضرورة تنوير السلطات العامة في الدولة بموضوع الكرامة الإنسانية، لأن تقدم الدول اليوم يقاس بمدى الحماية الدستورية والقضائية للكرامة الإنسانية للفرد والتى تُعتبر حجر الأساس لكافة الحقوق والحريات العامة والمحور الرئيسى فى دولة القانون و سرعة الفصل فى القضايا الماسة بحقوق الإنسان وحريته، وإعفاء هذه القضايا من الرسوم والمصاريف القضائية حتى لا يُشكل عبئاً على المتقاضى عن هذه الحقوق وتوجيه الباحثين لدراسة النموذج الألمانى فى الكرامة الإنسانية، حيث تُعتبر ألمانيا أفضل الدول فى مجال حماية الكرامة الإنسانية، وليكن موضوع البحث عن: "الكرامة الإنسانية كمرجعية حاكمة للسلطات العامة فى القانون الأساسى الألمانى".