حظيت كبرى استديوهات هوليوود بتواجد قوي وملموس خلال فعاليات النسخة ٧٦ لمهرجان كان السينمائي هذا العام، سواء على مستوى الأفلام الموجودة فى أقسام المهرجان المختلفة والتى تعرض عالمياً لأول مرة، أو على مستوى الحضور الفنى لعدد كبير من صناع السينما الأمريكية المشاركين فى الحدث السينمائي الأضخم فى أوروبا.
من بين عناصر قوة مهرجان كان السينمائى هذه السنة، استقطاب عناوين هوليوودية بارزة ومنتظرة خلال العام الجاري، واعتبرت المشاركة الأقوى لها منذ عام ٢٠١٩. ومن بين هذه العناوين، أحدث أفلام المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي، الذى يشارك بفيلم "Killers of The Flower Moon"، والمخرج ويس أندرسون الذي يشارك أيضاً بفيلم "Astroid City"، وكذلك المخرج جيمس مانجولد، المشارك بفيلم "Indiana Jones and the Dial of Destiny"، ويعتبر الجزء الخامس والأخير للنجم هاريسون فورد، والذي تم منحه جائزة السعفة الذهبية الفخرية بعد عرض الفيلم، تقديراً لجهوده فى صناعة السينما
فيلم "Killers of The Flower Moon"، والذي اعتبره النقاد ملحمة سكورسيزي الرائعة عن الولادة الدموية لأمريكا، من بين الأفلام التى حازت على إعجاب الجميع فى كان هذا العام. حيث قال الناقد بيتر برادشو، فى مقاله بالجارديان، أن الفيلم بمثابة ملحمة من الرعب الوجودى حول ولادة القرن الأمريكي، وهى قصة مروعة عن عمليات القتل المتسلسلة وشبه الإبادة الجماعية التى تحاكى المحو الأكبر للأمريكيين الأصليين من الولايات المتحدة.
ووصف برادشو الفيلم، الذى تدور أحداثه فى عشرينيات القرن الماضى حين يتعرض أحد أفراد قبيلة "أوساج" الهندية فى الولايات المتحدة الأمريكية للقتل فى ظروف غامضة، ليتم الاستعانة بمحقق الـ"FBI" إدجر هوفر للتحقيق فى الواقعة، بأنه ممتع تمامًا. ويعد بمثابة قصة يرى سكورسيزي أنها تاريخ سرى للقوة الأمريكية، وباء عنف خفى يلوث منسوب المياه للبشرية.
أما ديفيد روني، الناقد بموقع "هوليوود ريبورتر"، قال فى مراجعته أن المال والعنف كانا من الموضوعات البارزة فى أفلام سكورسيزي، ومقابل كل تهمة بسيطة تم توجيهها إليه لتمجيد مجرمي أفلامه، كان عادة ما يعود وينتقم من أعدائه. ولكن هناك شعورا مختلفا تقشعر له الأبدان لعهد الرعب المصور هنا، إثر الذبح الذى يثقل كاهل القلب والعقل فى كل خطوة. مضيفا أن سكورسيزي قدم فيلماً يكرم كلا من الضحايا والناجين.
وذهب ديفيد إيرليش فى مقاله بموقع "إندى واير"، بالاعتقاد بأن مارتن سكورسيزي قد يود أن يفكر فى "Killers of The Flower Moon" على أنها دراما الويسترن الذي أراد دائمًا أن يصنعها، ولكن هذه الملحمة الأمريكية المذهلة حول مؤامرة الإبادة الجماعية التى تمت لقبائل الأوساج خلال العشرينيات من القرن الماضى هى أكثر قوة وذاتية.
وأضاف إيرليش أن الفيلم يعد دراسة شخصية متعددة الأوجه بشكل مقنع حول الرجال الذين يقفون وراء مذابح السكان الأصليين. والأهم من ذلك، أنه العمل الأكثر إثارة للاهتمام من بين العديد من الأفلام المختلفة التى قدمها سكورسيزي. هذه الملحمة المتمثلة فى إنكار الذات البطيء يتم الحفاظ عليها من خلال الأداء الأفضل فى مسيرة ليوناردو دى كابريو المهنية بأكملها. هذا الممثل لم يخجل أبدًا من لعب أدوار الحثالة، ولكن أداءه الدقيق هنا كان بفضل أن شخصية إرنست بوركهارت قامت باستخراج عجائب جديدة لم نكتشفها بعد من هذا الممثل.
وقال إيرليش إن هذا الفيلم نجا من الدراما شبه المملة فى قاعة المحكمة التي أصبح فى نهايته هو شهادة على عبقرية سكورسيزي الدائمة. فلا يوجد حكواتى على الأرض أفضل من سكورسيزي في طمس الخط الفاصل بين الحب والاستغلال، سواء بين شخصين أو شعبين.
واختتم إيرلش مقاله بأنه عمل صعب الموازنة بالنسبة لمخرج أفلام موهوب وأوبر إلى مثل سكورسيزي، الذى تتعارض قدرته على سرد القصة ضد اعترافه النهائى بأن هذه قد لا تكون قصته التى يرويها. وهكذا، يحول سكورسيزي "Killers of the Flower Moon" إلى نوع من القصص التى لا يزال بإمكانه سردها أفضل من أى شخص آخر. قصة عن الجشع والفساد والروح المرقطة لبلد وُلِد من الاعتقاد بأنها تخص أى شخص قاسٍ بما يكفى لأخذه.
من جانبه؛ قال بيتى هاموند فى مقالة بموقع "ديدلاين" أن الفيلم يدور حقًا حول الجشع والأهوال التى قد نذهب إليها حتى نصبح أغنياء. إنه يتعلق أيضًا بمعضلة علاج الأمريكيين الأصليين من قبل الرجل الأبيض، وهو شيء حفرته هوليوود فى اللاوعى منذ أن بدأت صناعة السينما. سكورسيزي،مع فريق عمل أصيل يضم فيه الأمريكيين الأصليين، يغير الأشياء على نطاق ملحمي- كل شيء عن هذا الفيلم كبير - ويحاول دفن تجاوزات ماضى هوليوود المتصدع.
ويعتبر "Killers of theFlower Moon" إنجازًا بارزًا فى الصورة المتحركة، وذلك فقط من أجل العناية والتعامل مع الطريقة التى يروى بها قصة قبائل الأوساج.
أما المخرج الأمريكى ويس أندرسون، والذى يعود إلى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي للمرة الثالثة، بفيلم جديد يحمل اسم "Asteroid City"، يضم طاقم تمثيل هو الأضخم والأهم ضمن أفلام كان هذه السنة.
تدور أحداث الفيلم فى وقت ما فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى فى بلدة صحراوية أمريكية تسمى "Asteroid City"، وقد سميت بهذا الاسم لأنه كان موقع هبوط نيزك قبل ٣٠٠٠ عام. إلا أنها الآن موقع مرصد حكومي أمريكي، وأيضًا مكاناً يُعقد فيه مؤتمر سنوى لتكريم المخترعين المراهقين لأفضل مشاريع العلوم فى المدارس الثانوية.
وخلال تجمع الأطفال وأولياء أمورهم، يحدث حدث مذهل فيقرر الرئيس بعدم السماح لأى شخص بالدخول إلى المدينة أو الخروج منها، وسيتم فرض إغلاق صارم حتى يتم اعتبار الخطر قد انتهى وسيتعين على هؤلاء الأشخاص العيش معًا لفترة قصيرة.
واعتبر الناقد ديفيد إيرلش، الذى منح الفيلم تقييم (A)، أنه واحد من أفضل أفلام ويس أندرسون حتى الآن. فعالم "Asteroid City" مُرتَّب بدقة متناهية،وكما هو متوقع، فإن هذا العالم مليء بشخصيات لا تُنسى. واستطرد إيرلش، إذا كانت جميع أفلام أندرسون مدعومة بالتوتر بين النظام والفوضى، وعدم اليقين والشك، فإن "Asteroid City" هو أول فيلم يأخذ هذا التوتر كموضوع له.
وبمرور الوقت، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن كل شيء فى "Asteroid City" يخدم حالة عدم اليقين المزعجة لدى بطله. فكل شيء هنا يعود إلى مفهوم أندرسون غير القابل للتجزئة والقائل بأن أى سلام يمكننا أن نجده فى هذا العالم يعتمد على تسخير الأشياء المختلفة التى لا يمكننا فهمها أبدًا.
واختتم إيرليش بأنه فيلم يتسلل إليك، يخدعك بالاعتقاد أنه مجرد مجموعة مبعثرة من التفاصيل الصغيرة المنفصلة،ولكن كلما اختفى هذا الفيلم بشكل أعمق فى نفسه، كلما بدأت إيقاعاتها شبيهة بالمسرحية فى إنشاء القوافى الخاصة بها.
وفى مقدمة مقالة بموقع "هوليوود ريبورتر"، قال الناقد ديفيد روني، أنه ليس كارهًا لأفلام ويس أندرسون "لقد فهمت أنه أكثر المخرجين الأمريكيين المعاصرين قدرة على محاكاة السخرية. يمكن أن تكون عوالمه المشذبة أماكن ساحرة، أو يمكن أن تكون خانقة للتركيبات التي تنتزع كل سحر لأسلوب سرد القصص. وهو ما يقودنا إلى فيلمه الجديد".
وأوضح رونى بأن المشكلة هنا تكمن فى عدم وجود ما يكفى لإشراك المشاهد بشكل كامل بخلاف جماليات الصورة. فلا جذب عاطفى أو شعور طويل الأمد مع القليل من الضحكات الحقيقية. بالنسبة لفيلم عديم الوزن بشكل مثير للفضول، تتبخر لحظات السحر على الفور تقريبًا.
ويرى بيتر برادشو، الذي منح الفيلم تقييم ٤/٥ بموقع "الجارديان"، إن غرابة مدينة "Asteroid City"، وأناقتها، ومرحها، ووفرة التفاصيل داخل إطار لوحاتها يجعلها ممتعة للغاية، وكذلك أسلوبها الأنيق فى تناول ثقافة البوب الأمريكية الكلاسيكية. فمع كل لقطة جديدة، تندفع عيناك حول الشاشة، وتلتقط جميع النكات والزخارف الرسومية الصغيرة. وأضاف برادشو أن الفيلم بمثابة انتصار مبهج للأسلوب.
وفى مراجعته بموقع "سكرين دايلي"، قال تيم جريرسون إن فى هذه المرحلة من مسيرة أندرسون المهنية، من المسلم به أن "Asteroid City" ستبدو خالية من العيوب. فتصميم الإنتاج للمجتمع الصحراوي رائعة. وكذلك التصوير فى إسبانيا، الذى يمنح الغرب الأمريكى أجواء سريالية ساحرة، بشكل يضمن له المصور السينمائى روبرت يومان أن المناطق القاحلة لا تزال حية.
وعلى الرغم من أن المؤلف الموسيقى ألكسندر ديسبلات قد يكرر تقنيات صوتية معينة من أفلام أندرسون السابقة، إلا أن مهاراته فى منح الصور لحن خفى دقيق لا تزال تثير الإعجاب.