كشف الدكتور محمد رمضان العرجة، مدرس التاريخ اليونانى والرومانى بكلية الآداب جامعة القاهرة، عن وثائق مجهولة يتم نشرها لأول مرة تثبت أن طه حسين حينما بدأ عمله بكلية الآداب كان أستاذًا للتاريخ اليونانى والرومانى بالجامعة المصرية، بل هو أول أستاذ مصرى فى هذا التخصص، بعد الأساتذة الأجانب منذ إنشاء الجامعة عام ١٩٠٨. على عكس مما كان متعارف عليه بأنه أستاذ الأدب العربى بقسم اللغة العربية بكلية الآداب.
وجاءت مجموعة الوثائق التى تكشف عن الكثير من الحقائق الخاصة بطه حسين منذ بداية التحاقه بالجامعة المصرية
«البوابة» تنشر وثيقة التحاق طه حسين بالجامعة المصرية لأول مرة.. طلب التحاق طه حسين بالجامعة المصرية للعام الدراسى ١٩١٠-١٩١١
حررت هذه الوثيقة فى الخامس من ديسمبر عام ١٩١٠ وتضمنت الوثيقة لوجو الجامعة المصرية (تحت رعاية الحضرة الفخيمة الخديوية) ورئاسة الشرف لسمو الأمير ولى العهد ورئاسة العمل لدولة الأمير أحمد فؤاد باشا).
وتضمن الطلب بيانات الطالب والجامعة والكلية والسنة الدراسية وذلك على النحو الآتى (طلب الانتظام) كلية الآداب، اسم ولقب الطالب: طه حسين سلامة، ديانته: الإسلام، جنسيته: مصري، المدرسة التى تعلم بها: الأزهر الشريف، المدرسة الموجود بها الآن: الأزهر الشريف قسم عالي، وظيفة الطالب أو صنعته: طالب علم بالأزهر.
الشهادات الحائز لها مع إيضاح تواريخ حصوله عليها: (لم يكن طه حسين قد حصل على أى شهادات علمية فى ذك التوقيت وبقيت الخانات فارغة دون ملئها) اللغات التى يعرفها الطالب: العربية وقليل من الفرنسية، محل الإقامة: درب الجماميز بالقاهرة، اسم ولى الأمر: حسين على سلامة، وفى الهامش من الأسفل تعهد الطالب بدفع الرسوم المقررة فى مواعيدها واتباع اللوائح والقوانين، وجاء فى أسفل الوثيقة توقيع طه حسين.
وتكشف الوثيقة عن أن طه حسين حينما التحق بالجامعة المصرية فى عام ١٩١٠ كان لم يحصل على أى شهادة أو درجة علمية وكان مجرد طالب فى المرحلة العليا بالأزهر الشريف، ولم يجيد غير اللغة العربية وقليل من اللغة الفرنسية ليخطو بهذه الخطوة أولى خطواته نحو العلم والمعرفة وقهر الظلمة بالبصيرة، فكان يسكن بدرب الجماميز بالقاهرة.
ويقول الدكتور محمد رمضان العرجة: إن طه حسين تلقى دروسه على يد الرواد الأوائل من المصريين والأساتذة الأجانب الذين جاءوا من إيطاليا وألمانيا وفرنسا، حيث كانت الدروس تلقى على الطلاب مساء فى شكل محاضرات مفتوحة منها التاريخ والجغرافيا والحضارة والفلسفة. وقد تتلمذ فى الجامعة على أيدى كبار ومنهم الشيخ محمد الخضرى وأحمد كمال باشا وغيرهم، ومن الأجانب العلامة الإيطالى ميلونى والذى لعب دورًا كبيرا فى عشق طه حسين للتاريخ القديم، وحرصه على دراسته والتعمق فيه، وكان للدروس التى تلقاها على يد الأستاذ ميلونى دور كبير فى هذا، وتوفى ميلونى بالقاهرة عام ١٩١٢ وقد رثاه طه حسين بقصيدة عند وفاته كان منها:
يا شهيد العلم فى مصر استرح سوف نرعى لك فى مصر الجوارا
أبرزها تاريخ الشرق القديم وعلم مقارنة اللغات السامية.. ننشر وثيقة بيان الدروس وأسماء الأساتذة بكلية الآداب بالجامعة المصرية
فى هذه الوثيقة الخاصة ببيان الدروس والمقررات بكلية الآداب بالجامعة المصرية والتى قسمت إلى أربع خانات تضمنت بيانا بالدروس وأسماء الأساتذة وإمضاءاتهم، بالإضافة إلى انتخاب بعض المواد من لائحة الكلية تحت عنوان (منتخبات من لائحة قسم الآداب).
وكانت المواد التى يتم تدريسها هى آداب اللغة العربية، تاريخ آداب اللغة العربية، علم مقارنة اللغات السامية، تاريخ الأمم الإسلامية، الفلسفة العربية وعلم الأخلاق، تاريخ المذاهب الفلسفية، الجغرافيا وعلم الشعوب، تاريخ الشرق القديم وكانت تلك المواد من المواد الأساسية المقررة، أما الدروس المختارة فكانت اللغة الفرنسية، أما أساتذة الجامعة فكان الدكتور محمد الخضري.
أما اللوائح المختارة فكانت تتضمن المواد ٢، و١٣، و١٥ والتى نصت على الآتي:
مادة ٢
تقسم الدروس إلى قسمين بالنسبة إلى الطلبة وهما الدروس الواجبة والدروس الواجبة على التخيير. فالأولى هى الدروس التى يجب على جميع الطلبة حضورها وأداء الامتحانات الخصوصية فيها ليسوغ لهم التقدم لامتحانات العالمية، أما الدروس الباقية فهى واجبة على التخيير بمعنى أن ما اختاره الطالب من هذه الدروس على ما المادة ٣ و٢٥ من هذه اللائحة يصير واجبًا عليه لنيل شهادة العالمية.
مادة ١٣
تعطى للطالب عند تقييد اسمه فى أول السنة بطاقة يكتب بها اسمه والدروس التى يرغب فى حضورها فى أثناء السنة الدراسية وعليه تسليم هذه البطاقة السكرتارية فى خلال الشهر الأول من السنة الدراسية بعد إمضائها من أساتذة الدروس التى يريد الطالب استماعها.
مادة ١٥
للطالب أن يقيد اسمه عند بداية كل سنة فى الدروس التى يريد حضورها ولا يشترط اتباع الترتيب الذى قرره مجلس القسم وإذا لم يقيد الطالب اسمه فى ثلاثة دروس على الأقل لا تشترط السنة ولا يسوغ للطالب أن يقيد اسمه فى أكثر من عشرة دروس فى سنة واحدة.
وهكذا نرى أن الجامعة المصرية ومنذ انطلاقها فى عام ١٩٠٨ كانت مبنية على أسس وقوانين ولوائح تنظم عمل الأساتذة والطلبة والمواد التى كانت تدرس بها بشكل علمى ومنهجي، وكانت تخصص جزءا منها فى دراسة اللغة الأجنبية مثل اللغة الفرنسية، وعلوم اللغة العربية وتاريخ الأدب العربي.
بداية اهتمام طه حسين بالتاريخ
ويتابع أستاذ التاريخ اليوناني، أن اهتمام طه حسين بالتاريخ مجرد صدفة ولكن عادت جذور هذا الاهتمام لفترة طفولته حيث كان شديد الاهتمام بأخبار الغزوات والفتوح وأخبار عنترة والظاهر بيبرس وسيف بن زى يزن وما كان يسمعه من شاعر القرية وأصحاب أبيه.
وكان للفترة التى قضاها فى فرنسا تأثير كبير فى اهتمامه بالتاريخ القديم اليونانى والرومانى حيث انتسب هناك إلى قسم التاريخ وأتقن اللغة اللاتينية بجانب الفرنسية، وقد أشار إلى مواد الدراسة الأساسية وكان منها التاريخ القديم اليونانى والروماني، حيث درسه على يد أساتذة كبار ومنهم العلامة الفرنسى جوستاف غلوتز المتخصص فى التاريخ اليونانى القديم، وتلقى دروس التاريخ الرومانى على يد الأستاذ جوستاف بلوك الذى وصفه فى مذكراته بالأستاذ العظيم على الرغم من صرامته الشديدة مع طه حسين، وقد أنجز تحت إشرافه رسالة فى التاريخ الرومانى بعنوان القضايا التى أقيمت فى روما على حكام الأقاليم الذين أهانوا الشعب الرومانى وغضوا من شرفه فى عهد تيبريوس فى ضوء كتابات تاكيتوس. وحصل بعدها على دبلوم الدراسات العليا فى التاريخ يوليو عام ١٩١٩.
كما كشف أيضًا عن أن طه حسين قد قام بتدريس التاريخ اليونانى والرومانى فى الجامعة المصرية، ووُجه إلى طه حسين نقد مرير حول الجدوى من تدريس هذه المادة، ودعاه بعضهم إلى الانصراف عن تاريخ اليونان والرومان والاهتمام بما اعتبر أكثر نفعًا عند بعضهم وهو التاريخ الإسلامي، وقد أشار طه حسين بنفسه فى محاضراته إلى هذه المعارضة فيقول: "شديدة جدا حاجتنا إلى درس تاريخ اليونان وقليلة جدا عنايتنا بهذا التاريخ فإننا لا نكتفى بجهله وعدم الوقوف عليه بل نضيف إلى ذلك الانتقاص والازدراء أننا لا نريد أن نعلم إلا ما كان له صلة بمصر أو الأمم الإسلامية كأن الله لم يخلق غير المسلمين والمصريين قوما يستحقون العناية والالتفات"، ويجب الاهتمام حصرا بمصر الإسلامية، أما ما تبقى من العالم فلا يهمنا. لا تهمنا مصر الفرعونية أو الهللينية أو الرومانية. هل نحن مستقلون؟ نعم أم لا؟ وكنت أفور غضبًا.
وفى النهاية ورغم انتقال طه حسين منذ عام ١٩٢٥م لقسم اللغة العربية بكلية الآداب أستاذًا للغة العربية، ولكنه ظل مغرمًا بالحضارة اليونانية والرومانية وكل صنوف الأدب اليوناني، ولم ينس أبًدا كونه أستاذا للتاريخ، وقد قاد معارك كثيرة من أجل إحياء اللغتين اليونانية واللاتينية وضرورة تطبيقهما فى كل مراحل الدراسة، ويعد هو المؤسس الأول لقسم الدراسات الأوروبية القديمة بكلية الآداب حيث افتتحه عام ١٩٢٥م.