رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

جماعة الإخوان تنفث سمومها في السودان

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الإرهابية تستخدم ورقة القبائل السودانية لاستمرار الحرب والصراع  صناعة الميليشيات القبلية ومدها بالسلاح والأموال بهدف التقسيم وتفتيت البلاد  «البُرهان» يُدرك أن مصالحهم مؤقتة.. و«حميدتى» يبحث عن حاضنة من القبائل والطرق الصوفية
يحاول طرفا الصراع في السودان منذ أكتوبر ٢٠٢١، إعادة إنتاج أساليب النظام السابق الرديئة للإخوان المسلمين في التعبئة والتحشيد واستخدام القبائل والطرق الصوفية على نحو مؤذ للمجال العام، ولا يعكس هذا إلا بؤسًا ستكون نهايته وخيمة.
فجر هذه القضية انتشار عدد من الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية الحرب لتأييد عدد من القبائل للجيش السودان، وفيديوهات أخرى لتأييد عدد من القبائل لقوات الدعم السريع، وتتجه أصابع الاتهام بأن جماعة الإخوان المسلمين هي من تقوم بمثل هذه الأعمال واستخدام ورقة القبائل لاستمرار حالة الصراع والحرب وتحويلها إلى حرب أهلية للقضاء على طرفي النزاع معا، وتكون هي القوى الوحيدة المنظمة على الساحة تستطيع حكم البلاد.
صراع قبلي
وحول طبيعة الصراع في السودان الآن وتحوله إلى صراع قبلي مما يهدد بحرب أهلية في السودان إن لم تتوقف الحرب، قال الأكاديمي والكاتب السوداني أمل الكردفاني في تصريحات خاصة لمركز دراسات الشرق الأوسط بباريس «سيمو»: منذ فترة طويلة وبين المسيرية والقبائل المجاورة مشكلات كثيرة، حاول البشير شرائهم واعطائهم أراضي لكنه لم يكن صادقا معهم وشعروا بالخيانة، وتعود المسألة أن في هذه المنطقة توجد قبائل النوبة، وهي قبائل قوية وفي الجهة الأخرى توجد قبائل «الحمر»، وهي قبائل ضعيفة حاول البرهان تقويتهم لمواجهة المسيرية بإرسال لهم قبائل «الشنابلة» فأصبحت قبيلة المسيرية بين فكي رحى الشنابلة والحمر من جهة والنوبة من جهة أخرى، لذلك انضم جزء كبير من قبيلة المسيرية لقوات الدعم السريع، وأصبحوا يقاتلون كقبيلة ودعم سريع في نفس الوقت، وسواء كان الحديث في الفيديو المشار إليه والمنتشر على صفحات التواصل الاجتماعي لناظر القبيلة أو لغيره فهو يؤكد حقيقة ليس إلا، لأن القبيلة مع الدعم السريع ضد البرهان من ناحية والقبائل الداعمة له من ناحية ثانية.
وعن تجنيد قوات الجيش للقبائل قال الكردفاني: الفريق الكباشي من النوبة «نوبة الجبال» لأنه هناك تقسيمين للنوبة في السودان، نوبة الشمال المجاورة لمصر، ونوبة الجبال في الجنوب وهؤلاء منهم الفريق الكباشي، الذي لعب دورا مهما خلال الثلاث سنوات الماضية في تحريض القبائل على بعضها البعض، فكان يذهب لجبال النوبة ويحرضهم على القبائل المجاورة وكذلك ذهب إلى الغضاريف وعطبره وبور سودان، وكان يحرض هؤلاء القبائل على القبائل التي لم تتوافق مع قيادات الجيش ممثلي الحكومة من جماعة الإخوان والاسلاميين، وكذلك لتأمين جنود له، فتكوين الجيش السوداني بشكل عام نستطيع ان نقول انه يتكون من ضباط من الشمال والجنود المقاتلين معظمهم من النوبة والهوسا، والنزاع الأساسي الآن في السودان يمكن توصيفه بأنه نزاع قبلي بين القبائل العربية «الدعم السريع والمسيرية وغيرهم من القبائل العربية وغالبيتهم من رعاة البقر والإبل» والمهمشين من غرب وشرق وجنوب السودان، وبين الشمال ممثلا في الجيش وجماعات الإسلام السياسي والنوبة.
المشهد الأخير
من بين هذه الفيديوهات المنتشرة فيديو على منصة «واكب» السودانية لشخص يقول إنه ناظر قبيلة المسيرية وأنه والقبيلة يدعمون قوات الدعم السريع، وحول هذا الفيديو قال الناشط السوداني "محمد الأسباط في تصريحات خاصة لمركز دراسات الشرق الأوسط «سيمو»: الفيديو المنتشر عن قبيلة المسيرية يعد فيديو إشكالي، لأن الشخص الذي قال إنه ناظر قبيلة المسيرية ليس هو ناظرها ولا يتمتع في القبيلة بأي دور قيادي، فقبيلة المسيرية ناظرها معروف بالاسم «الشيخ زهير علي نمر»، إنما هذا الشخص أحد كوادر المؤتمر الوطني «حزب الإسلاميين» وكان يقود فصيلة في الدفاع الشعبي ولا علاقة له إداريا بقبيلة المسيرية.
وأضاف الأسباط: طبعا ظهر نظار وزعماء قبائل سودانية في السنوات الأخيرة في عهد الإخوان المسلمين هم من تم تنصيبهم من قبل الجماعة وتم ترسيمهم وتسميتهم من قبل حكام الولايات الذين ينتمون لجماعة الإخوان في ذلك الوقت.
وأضاف الأسباط: قصة القبائل في السودان طويلة ومعقدة بعض الشيء، لأنه دائما القبائل مرتبطة بالأرض، إذا ما كان هناك قبيلة ليس لها أرض لا تمثل في الإدارة الأهلية ولا يكون لها ناظر، حتى مشكلة دارفور بدأت من هنا، حيث كان السبب الرئيس أن والي غرب دارفور منح قبيلة المعالية إدارة أهلية «منحهم ناظر» والمعالي هي قبيلة عربية من رعاة الإبل ولم يكن لهم أرض في غرب دار فور، التي كانت تتمتع بتوازن عرقي حتى بداية التسعينيات من القرن الماضي، بوجود المساليت الذين كانوا يشكلون ٧٠٪ من التشكيلة السكانية في الولاية وباقي النسبة مقسمة على باقي القبائل العربية، ولكن في ١٩٩٧ أو ٩٨، أحمد الفضل أحمد منح قبيلة المعالية نظارة وصلاحيات إدارية وكانت هذه هي الشرارة الأولى لحرب دارفور، وظلت حكومة البشير تمنح مثل هذه الوظائف لعدد كبير جدا من القبائل تحت مسمى التغيير الديمقراطي لأهداف سياسية، وكان هناك نظار من بعض القبائل المشهورة والمعروفة تم استمالتهم من قبل حكومة المخلوع البشير بالعطايا وشرائ الذمم بالمال السياسي، وبالتالي الموضوع معقد جدا ويحتاج إلى دراسات بحثية للوقوف عليه.
الإسلاميون والبرهان
الإسلاميون في السودان يدركون ما يفكر فيه البرهان نحوهم، يعرفون أن المصلحة المؤقتة بينهم وبينه الآن تقتضي العمل معًا. أما حميدتي فهو يحاول إيجاد حاضنة من القبائل والطرق الصوفية ظنًا منه أن ذلك يجدي في هذا الصراع. لهذا، يظل الامتناع قائمًا في هذه العلاقة التي تعاني تخبطًا بصورة تجعلها ذات طبيعة معلقة. لأنها كيانات ذات طبيعة عسكرية من ناحية، وأوتوقراطية من ناحية ثانية. الأمر الذي يجسد مآل المستقبل الكارثي للعلاقة بينهم نظرًا لأنها كيانات لا تعرف إلا الانفراد في السلطة.
ويذكرنا هذا بالسيناريو الأسوأ في تاريخ السودان الحديث في عام ٢٠٠٣، شنَّ السكان غير العرب، ومعظمهم من المسلمين الأفارقة السود، في منطقة دارفور في السودان، تمردًا بعد سنواتٍ من السياسات التمييزية، ورد نظام البشير بحملةٍ شرسة من المذابح والتطهير العرقي. لم تستخدم الحكومة السودانية جيشها وشرطتها فحسب، بل استخدمت أيضًا تشكيلاتٍ شبه عسكرية من رجال القبائل العربية البدوية المعروفة باسم «الجنجويد».
قُتل ٣٠٠.٠٠٠ شخص في حرب دارفور التي أعلنت الأمم المتحدة رسميًا انتهاءها في أغسطس ٢٠٠٩، على الرغم من استمرار الصراع منخفض الحدة ومبادرات «السلام» المختلفة بعد ذلك بوقتٍ طويل.
الإخوان واستخدام ورقة القبائل
عندما استولى الإخوان على السلطة عبر الانقلاب في يونيو ١٩٨٩، بدأوا في تطبيق سياسة خطيرة تهدف إلى شق صف القبائل وتقسيم الإدارات الأهلية عبر استخدام المال وشراء الذمم وإغراء السلطة، وقد ترافقت هذه السياسة مع اشتعال الحروب الأهلية في عدد من أقاليم السودان وما صاحبها من خطوات حكومية لصناعة المليشيات القبلية ومدها بالسلاح والأموال لخوض الحرب نيابة عن الدولة. 
ويبدو جليًا أن الجماعة ستواصل العمل في المرحلة القادمة في ذات الاتجاه الذي كان يمثل سياسة رسمية لدولتها الآفلة، وهو الأمر الذي رأيناه إبان الفترة الانتقالية السابقة لانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، حيث ظهر رموز الإخوان على رأس الواجهات القبلية في مختلف ولايات السودان، كما تبدى بوضوح تورطهم في صراعات القبائل بدارفور وغيرها من الولايات. ويقول الكاتب السوداني «فيصل بابكر» لا شك أن الإخوان يدركون أن اكتمال العملية السياسية وتشكيل الحكومة المدنية الانتقالية سيعني فشل خططهم في العودة للسلطة مرة أخرى، ولذلك فإنهم سيعملون بكل جد لقطع الطريق أمام الوصول للاتفاق النهائي الذي سيفتح الطريق أمام تفكيك وإزالة إرث دولة الاستبداد التي شيدوها طوال ثلاثة عقود وتعبيد الطريق نحو التحول المدني الديمقراطي.
وقال الكاتب والمحلل السياسي بقادي عبد الرحيم في تصريحات خاصة لمركز دراسات الشرق الأوسط بباريس «سيمو»: من المعلوم أن التنظيم الإخواني في السودان ظل وعلى مدى سنوات طوال يرعى الاحتراب القبلي ويدعم طرف ضد الآخر وهذه السياسة معلومة لدي أغلب متعاطي الشأن العام ومع بداية الحرب ضد قوات الدعم السريع سارع قيادات التنظيم الإخواني داخل الجيش لحشد الإدارات الأهلية لدعم حربهم ضد قوات الدعم السريع وروجوا الإشاعات كثيرة لاستمالة الشعب ومناصرتهم ومن ضمن تلك الافتراءات حاولوا إقحام قبائل دارفور في الصراع ونكئ الجرح القديم لفتح جبهة أخري تضعف الدعم السريع ويتبعثر وكرد فعل عن البيان الكذوب الذي تم ترويجه بأن الإدارة الأهلية لقبيلة المسيرية تقف مع الجيش خرجت القبيلة ببيان حمل في باطنه احترامهم لخيار الشعب ودعمهم للاتفاق الإطاري الذي سيقود البلاد إلى ديمقراطية حقيقية ويفكك نظام الإخوان المسلمين وأنهم يساندون قوات الدعم السريع كغالبية الشعب من أجل الإتفاق الإطاري.
وحول استعداد قيادة الدعم السريع لوقف الحرب والجلوس للمفاوضات وترحيبهم بجميع المبادرات قال بقادي عبد الرحيم: هذا يؤكد المؤكد أن هذه القوات كانت صادقة في تنفيذ إرادة الشعب في المضي قدما من أجل إنجاز الاتفاق، الذي يخرج المؤسسة العسكرية من السياسة وأنها لم تكن المبادرة في خيار الحرب ولم تطلق الرصاصة الأولى بل تتمسك بالخيار الصائب، وهو خيار العودة للتفاوض وإكمال مشروع الدولة المدنية الكاملة، بل ترغب فعلا بإنهاء هذه الحرب شريطة إبعاد الإخوان المسلمين من قيادة الجيش وتفكيك نظامهم. ولكل تلك التداعيات المحتملة والخطيرة في مآلات هذه العلاقة بين هذه الأطراف المتمانعة يكمن الحل الوحيد في أن تتجه الأوضاع إلى تسوية جديدة والقبول بإدارة مدنية من القوى الديمقراطية للسلطة الانتقالية من خلال صياغة جديدة وبرعاية دولية، وعبر ضمانات دولية، في الوقت الذي تتم فيه تسوية لميليشيات الدعم السريع باستيعابها في منظومة القوات المسلحة السودانية، إلى جانب قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا.