مُنصف سليمان: اتفقنا على شروط الزواج ولم نتطرق للتبني لأنه سيكون له قانون منفصل
جون طلعت: سينهى معاناة آلاف الأسر القبطية فى مشاكل الأحوال الشخصية المختلفة
جوزيف اسحق: الشريعة الإسلامية أعطت لغير المسلم الحرية في تطبيق شريعته إذا رغب
هذا القانون تفعيل لنص المادة الثالثة من الدستور التي تمنح غير المسلمين الحق في الاحتكام لشرائعهم الدينية لتنظيم أحوالهم الشخصية
ما زال الجدل والحوار المجتمعى مستمرا حول مقترحات لتعديل قانون الأحوال الشخصية الحالى، وفى انتظار قانون جديد عادل للأسرة المصرية، وهو الذى طالب معه الرئيس عبد الفتاح السيسى بإجراء حوار مجتمعى، للخروج بقانون يرضى عنه المجتمع، وينصف الأسرة المصرية، لذا كان علينا نقل رؤية الشارع المصري، واستطلاع رأي بعض الشخصيات البرلمانية والعامة بالمجتمع، لنقل آخر تطورات مشروع الأحوال الشخصية.
مشروع القانون للأحوال الشخصية للمسيحيين هو فعليا نقلة كبيرة، عاني منها أقباط مصر لفترة طويلة، يضاف إلى إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي، هذا ما أكده المستشار مُنصف سليمان، عضو مجلس النواب فى حديثه حول مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، الذى وافقت عليه الكنائس المسيحية مؤخرًا، وتم تقديمه لوزارة العدل، وعرضه على مجلس الوزراء لإصداره من مجلسى النواب والشيوخ، كما ينص الدستور.
وأشار "سليمان"، إلى أن هناك إرادة سياسية لإصدار القانون الذى يضع الأسس السليمة لحل مشكلات الأحوال الشخصية للأسرة المسيحية، موجهًا شكره للمستشارين الذين شاركوا فى إعداد القانون، واصفا صياغته بأنها كانت صعبة، خاصة مع محاولة التوفيق بين الكنائس المختلفة، وفى نفس الوقت الاحتفاظ بخصوصية كل كنيسة ومعتقداتها.
وقال "سليمان" لـ"البوابة نيوز": بدأت العمل فى مشروع القانون سنة 1978، وأنجزنا مشروعا وقدمناه للحكومة ووافقت عليه وقتها ثم اختفى، وفي سنة 1988 قمنا بتحديث المشروع، ووقعت عليه جميع الطوائف المسيحية، ثم أرسلناه لوزارة العدل، التى شكلت لجنة ووافقت عليه للمرة الثانية، ولكنه أيضًا اختفى.
وأضاف فى سنة 2010؛ وبعد أزمة الحق فى الزواج الثانى، أصدر الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك، تعليماته بإنجاز قانون جديد خلال شهر واحد، وبالفعل قمنا بصياغة قانون جديد، ووضع بالفعل على مكتب الرئيس ليوقع عليه، قبل تشكيل آخر مجلس شعب فى عهده، ثم قال له أحدهم: الأقباط يقولون إنك عملت لهم قانون تفصيل، فلم يوقعه الرئيس الأسبق، وأمر بالانتظار لحين تشكيل البرلمان الجديد.
وتابع: وبالفعل أجريت الانتخابات، وانعقد مجلس الشعب، ولم يسعف الوقت لإرسال المشروع إليه، لأن الثورة قامت وقتها، وبعدها نجحنا فى وضع المادة الثالثة من الدستور، الخاصة بالاحتكام للشريعة المسيحية فى الأحوال الشخصية للأقباط، فكان يتعين تعديل القانون تعديلًا جذريا، بما يتلاءم مع الوضع الجديد، فقمنا بذلك، ووقعت عليه الطوائف الثلاث، من حوالى 3 سنوات ونصف.
وأوضح: ولكن انتظرنا موافقة الفاتيكان، طبقًا لطلب الكنيسة الكاثوليكية، والتى جاءت مؤخرا، فأرسلنا المشروع لوزارة العدل، التى شكلت لجنة عقدنا معها 16 اجتماعا مطولا، وانتهينا من المشروع، ووقع عليه الجميع، وهو الآن فى مجلس الوزراء، ولا أشك لحظة فى أن الحكومة هذه المرة لديها إرادة سياسية فى إصدار هذا القانون، ولذلك أنا متفائل بأنه سوف يرى النور أخيرًا، خلال شهر أو شهرين.
وعن تأخير صدور القانون؛ قال المستشار منصف سليمان: لم يكن السبب من الحكومة أو مشكلات من الكنائس، فليس هناك تعنت ولاخلافات، بالعكس ممثلو الكنائس كانوا فى حالة تفاهم متصل، وكان هناك تفهم من الحكومة، والحقيقة اللجنة التى شكلها وزير العدل كانت أكثر من رائعة، فى مختلف أعضائها، حتى إن ممثل الأمن الوطنى أدى دورا مميزا يستحق عليه كل الشكر، فالتأخير كان لمسائل إجرائية تمثلت فى تأخر وصول موافقة الفاتيكان، وحتى الكنيسة الكاثوليكية فى مصر بريئة من هذا التأخير، هم فقط لديهم إجراءات ملزمين بها.
وأكد أن المشروع فى مجمله يضم حوالى 284 مادة، تشملها عدد من الأبواب، منذ بداية مقدمات الزواج (الخطبة)، ثم انعقاد وانحلال وبطلان الزواج، والمواريث، والرؤية والحضانة.
وعن ملامح القانون؛ قال "سليمان": أولا التوسع فى أسباب بطلان الزواج، بعدما أصبح كل غش يؤدى إلى البطلان، فى الماضى كان الغش يقتصر على مسألة وحيدة هى العجز الجنسى، والبكارة، أما المشروع الحالى فلو ذكر طرف أنه حاصل على دكتوراه فى القانون، وثبت بعد ذلك أن درجته العلمية ماجستير فقط، فإن هذا غش يؤدى لبطلان الزواج، وهذا بالطبع يحمى الرجال والنساء على حد سواء.
وأكمل: أيضًا من أسباب البطلان؛ الإصابة بأى مرض مزمن لا يرجى شفاؤه قبل الزواج، والعجز الجنسى، ما لم يكن الطرف الثانى قد قبل بذلك، وأيضًا الشذوذ الجنسى، كلها تؤدى لبطلان الزواج، وثانيا التطليق، ومن أسبابه الهجر لمدة أربع سنوات متصلة، والزنا بأنواعه، ومن ضمنها الزنا الحكمى، فمثلا يعتبر فى حكم الزنا التواجد فى موضع يثير الريبة الشديدة فى الزنا، مثل التواجد فى غرفة واحدة بنفس الفندق، أو ضبط رسائل خطية أو إلكترونية تنبئ بوجود زنا، كذلك الأمراض المزمنة ما بعد الزواج، والتى لا يرجى شفاؤها، كالجنون، وما يميز مشروع القانون أنه نص على استحداث ما سوف يطلق عليه «لجان توفيق» يذهب إليها أطراف المشكلة قبل اللجوء للمحكمة.
وأشار: طبقا لمشروع القانون؛ فإن المتسبب فى الطلاق، لا يتزوج مرة أخرى إلا بإذن من الرئاسة الدينية لكنيسته، ونحن هنا لم نغلق الباب تمامًا أمام الطرف المخطئ، ولكننا قلنا فى ثوب مشروع أن يعود لرئاسته الدينية لاستطلاع رأيها، أما بالنسبة للطرف الضحية فلا مشكلة فى زواجه الثانى، وغالبا الحكم يفصح عن أسباب الطلاق ومن المتسبب فيه، لاحظ أن الزواج علاقة مقدسة، والطلاق إساءة للطرف الضحية، وبالتالى إذا كان هناك طرف مؤذي، فلماذا أسمح له بأن يكرر فعلته ويؤذى آخرين.
وعن وجود الزواج المدني في القانون؛ قال "سليمان": لا يوجد، ويرجع ذلك لسبب بسيط، ففى مشروع 2010 كان هناك باب خاص بالزواج المدنى، ولم يوافق عليه قداسة البابا شنودة الثالث وقتها، وقال إنه لا يجوز أن يتضمنه قانون ينظم شئون الأسرة المسيحية، رغم كونه يتعارض مع المبادئ المسيحية، ووقتها الكنائس وقعت على كل المشروع فيما عدا باب «الزواج المدنى».
ووقتها قالوا لو أرادت الحكومة إصداره فممكن أن تصدره فى قانون مستقل، ولن نعترض، ولكن الآن هذا الباب الخاص بالقانون المدنى إنهار بعد المادة الثالثة من الدستور، ولا يمكن صدوره، ولو تم وضعه فى قانون الشهر العقارى قد يكون ممكنًا، ولكن لا يمكن أن تنسبه إلى المسيحية حتى لا يتعارض مع المادة الثالثة.
كما تحدث القمص جوزيف اسحق المحامي، عن قانون الأحوال الشخصية ومدي تطبيقه علي غير المسلمين في مصر؛ فقال: بداية نود أن نشير إلي أن الله أنعم علي بلدنا الحبيبة مصر، والتي خصها بخاصية ذكرها في الكتب السماوية، دون غيرها من بلدان العالم، بأهمية واهتمام، فذكرها في العهد القديم بـ"مبارك شعبي مصر"، وفي العهد الجديد.
وأضاف “إسحق”: فكانت الملاذ الآمن الذي هربت اليه العائلة المقدسة، حينما جاء الملاك الي يوسف النجار، وقال له خذ الصبي وأمه واهرب إلي مصر، وفي القرآن الكريم والذي كرم مصر بقول الله تعالي" (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، صدق الله العظيم، فتمت نعم الله علينا نحن المصريين، ان جعلنا في نسيج وخليط واحد، ليوم الدين بإذن الله، ومن قديم الأزل، ومنذ دخول الإسلام لمصر.
وتابع: ومع مرور الوقت؛ أصبحت الديانة الإسلامية هي الديانة الرسمية للبلاد، وتطبيق الشريعة الاسلامية علي المصريين كافة، ولم تظهر أي إشكاليات لدي المسيحيين واليهود في ذلك، وأن كان قد سمح لهم بان يحتكموا الي شرائعهم ان ارتضوا بذلك، فالغالبية وجدت في الشريعة الإسلامية العدل والإنصاف فكانوا يحتكمون في الأغلب لتطبيق الشريعة الاسلامية الغراء، ويعقدون حجتهم ويرتضون بما يقضي به، سواء كانت أمور دينية خاصة أو دنيوية بشكل عام.
واستكمل القمص جوزيف اسحق قائلا: وحيث إن جميع الشرائع سماوية منزلة من عند الله، فلم يكن هناك خلاف جوهري شرعي في الأمور الشرعية، علي سبيل المثال: مسألة مثل التبني نجد ان الاسلام والمسيحية كلاهما يتفقان على تحريم التبني، وذلك لعلة منع اختلاط الأنساب، فلا خلاف في ذلك بين الشريعتين المسيحية والاسلامية، وكلاهما حرمته، وقد طبقت ذلك في لائحة ١٩٣٨ الخاصة بالمسيحيين أو قوانين الاحوال الشخصية وتعديلاتها بالنسبة للمسلمين.
وأشار: أيضا عند النظر لمسألة المواريث؛ نجد أن المسيحيين ارتضوا تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في ذلك الشأن، وساروا علي نهج القاعدة الشرعية المستمدة من الآية الكريمة التي تقول: (وللذكر مثل حظ الانثيين) صدق الله العظيم، ولم يختلفوا علي ذلك حتي يومنا هذا، ولا يخفي علينا أن المسيحيين وافقوا علي تطبيق الشريعة الإسلامية في أمور حياتهم والاحتكام إليها، لسببين:
أولهما: ما لمسوه من سماحة وعدل الدين الإسلامي وعدم تفرقته بين مسلم وغير مسلم، والمساواة بين الجميع.
وثانيهما: أن السيد المسيح عند مجيئه لم يهتم بوضع شريعة خاصة، تنظم الأمور الشرعية الخاصة بالمسيحيين.
لكون اهتمامه الأكبر في كيفية خلاص نفوس البشر، وأن رسالته كانت روحية اكثر منها رسالة دنيوية، كل ذلك يؤكد ان المسيحي الذي عاش وتعايش في مجتمع اسلامي لم يكن لديه اي مشكلة في تطبيق الشريعة الاسلامية عليه، بل بالعكس أنه وافق ورحب بذلك.
وأكلمل: ومع مرور الوقت؛ وبداية وجود قوانين، كان إلزاما وجود قانون ينظم الاحكام الشرعية، فكان قانون الاحوال الشخصية وتعديلاته، وصولا الي القانون رقم١ لسنة ٢٠٠٠، والذي يطبق علي الكافة بلا استثناء، مسلمين ومسيحيين، علي الرغم من وجود لائحة ١٩٣٨.
وأكد: قد نص القانون ٢٥ لسنة ١٩٤٤في مادته الأولي علي أن: (قوانين الميراث والوصية وأحكام الشريعة الإسلامية فيها هي قانون البلد فيما يتعلق بالمواريث والوصاية علي انه اذا كان المورث غير مسلم جاز لورثته في حكم الشريعة الإسلامية وقوانين الميراث والوصية أن يتفقوا علي أن يكون التوريث طبقا لشريعة المتوفي)، وهذا دليل علي أن الشريعة الإسلامية أعطت لغير المسلم الحرية في تطبيق شريعته إذا رغب، وبالبحث عن ذلك نجد المفاجأة بان أي قضايا خاصة بالميراث أو الوصية خاصة بالمسيحيين يطبقون أحكام الشريعة الإسلامية.
واختتم القمص جوزيف اسحق قائلا: أما من الناحية الاجتماعية والقانونية والدينية؛ فنجد أن قانون الاحوال الشخصية انصف الجميع، بما فيهم المسيحيين، ولم يتعرض لأي تفرقة.
وصرح المهندس جون طلعت، نائب البرلمان السابق قائلا: كنا جميعا فى انتظار موقف الكنيسة الكاثوليكية، وبفضل الله انتهت المشاورات بموافقتها على القانون؛ مشيرًا إلى أن هذا القانون سينهى معاناة آلاف الأسر القبطية فى مشاكل الأحوال الشخصية المختلفة، وسيضمن للأقباط أن يتحاكموا فيما بينهم بمواد قانونية لا تتصادم مع عقائدهم.
وأكد "جون" أن هذا القانون هو تفعيل لنص المادة الثالثة من الدستورـ التي تمنح غير المسلمين الحق في الاحتكام لشرائعهم الدينية لتنظيم أحوالهم الشخصية، ويتفق كذلك مع توجيهات الرئيس السيسى للحكومة فى سبتمبر 2014، بالتعاون مع الكنائس بإعداد قانون للأحوال الشخصية والذي كان ولا يزال مطلبا ملحا للطوائف المسيحية.
وأضاف قائلا: "جموع الأقباط يثقون فى حكمة القيادة الكنسية التى عملت لسنوات على إصدار هذا القانون، ومن المتوقع أن يشمل حلا لمسائل عديدة مثل الطلاق والزواج والنفقات، والمعاملات بين الآباء والأبناء، ولأول مرة سيضع هذا القانون حلا لمشاكل الميراث لدى الأقباط على نحو يحترم عقائدهم ولا يدفعهم للجوء إلى التحاكم لعقائد غيرهم.