عندما أجريت حوارا مع الكاتب الكبير توفيق الحكيم من داخل الغرفة ٤٤١ بمستشفى المقاولون العرب التى قضى فيها أيامه الأخيرة وقبل رحيله فوجئت بسيادته يسألني هل تعرف بماذا أفكر الآن؟
آثرت الصمت لاتركه يسترسل فى حديثه فقال: لو أن الله رضى عنى وأدخلنى الجنة سأمر في الجنة "لفة" ثم أجلس تحت شجرة، وأفكر فى آخرة هذا النعيم وقد قيل لى أنت مخلد
سأسأل: وبعد هذا أين سأذهب؟.. سأصاب بالملل وأسأل: والنار مين فيها؟ يقولون لى: فيها فلان وفلان.
يجيب: أريد أن أراهم! .. سيقال لن ترجع للجنة .. وأوافق على هذا ولكن من أول "لسعة" من النار أطلب العودة للجنة على الاقل فيها رطوبة !
بعدها سألته وما هو تصورك للجنة والنار؟
أجاب وهو يفكر: أنا لا أقدر أن أتصور!.. الجنة والنار مذكوران فى القرآن وكيف تدخلها مذكور فيه أيضا...
هذا ما قاله لى فى حواره ولكن كان له تصور آخر كتبه فى كتابه الممتع "حماري قال لى" عن مصير ثلاثة من كبار المفكرين وهم عباس محمود العقاد والدكتور طه حسين والدكتور محمد حسين هيكل، والذى لم يكن يتوقعه أحد هو ماكتبه عن أنهم معه فى النار.. تخيل هذا في كتابه "حماري قال لى" الذي طبع للمرة الأولى عام ١٩٤٥حيث تخيل توفيق الحكيم مناظر بين الجنة والنار ليعرف مصير كبار الكتاب بل ومصيره هو فى الجنة أم فى النار.
بدأ تخيله برؤيه الصحفي أحمد الصاوي محمد أول رئيس تحرير مصري لصحيفة الأهرام وصاحب العمود الصحفى الشهير "ماقل ودل" جالس القرفصاء في جنة الخلد كئيبا حزينا مفكرا وساند رأسه الذي وصفه "بالأصلع" الى جذع شجرة دانيه القطوف.. وإحدى حور العين تمر فتساله:أراك ضجرا، فيرد عليها أحمد الصاوي: أنا نفسي مندهش.. أنا هنا بلا أهرام ولا مجلتي ولا مطبعة ولا "كليشيهات" حتى ولا عزبتى التى كانت على ترعة المنصورية..
واستكمل" توفيق الحكيم" تخيله بأن أحمد الصاوي يخبر الحور العين بان لاشئ يسعده سوى إصدار مجلته نصف الشهرية.. ولايكتف "الحكيم" بهذا ولكن يتخيل أن أحمد الصاوي قابل سيدنا "رضوان" عليه السلام على مقربة من باب الجنة فقال له سيدنا "رضوان" هل تريد إصدار مجلة فى الجنة؟.. يجيبه أحمد الصاوي إنها فكرة بديعة يا سيدنا "رضوان"، ستكون لسان حال المؤمنين والمؤمنات.. واستكمل حواره مع سيدنا رضوان عليه السلام: بإنه لاينقصه فى جنة الخلد سوى الكتاب والأدباء الذين كانوا يمدونه بمقالاتهم فى الدار الفانية مثل عباس محمود العقاد والدكتور طه حسين والدكتور محمد حسين هيكل ورؤية توفيق الحكيم فى إشارة منه أنه لم يجدهم فى الجنة.
واستأذن أحمد الصاوي سيدنا "رضوان" عليه السلام بالذهاب إلى النار نصف ساعة فقط ليقابل هؤلاء الأربعة الذين يصفهم بأنهم مساكين ليتناول معهم فنجان قهوة فى الجحيم.
الذى يهمنى هنا تخيل توفيق الحكيم مقابلة أحمد الصاوي له فى النار وهو يمر بين اللهب ملوحا بعصاه مرتديا معطفه الصوفي الأسود وهو ينظر يمينا وشمالا خائفا من وجود "تيار هواء"
وجد "الحكيم" يبحث حوله ويسال أين الموسيقار "موزار" فقد تاق نفسه إلى رؤية هذا الموسيقار في الدار الآخرة.. ويردد أنه من المستحيل أن يكون هنا "إى فى النار" صاحب تلك الألحان السماوية...!
ثم أكمل محدثا نفسه لقد كان -حتى في دنياه- على اتصال بالفردوس... نعم... هو من أهل الجنة بلا مراء...
يرى "الصاوي" الكاتب توفيق الحكيم فيخطو نحوه صائحا: يا عدو المرأة!.
بعد نطقه هذه العبارة يسمعن "جماعة من نساء النار" صوت "الصاوى" فيقبلن في هرج صائحات: أين هو عدو المرأة؟
يلقي عليهن "توفيق الحكيم" نظرة شاملة... ما كل هؤلاء النسوة؟ تقول له النساء: خسئت! لا شيء يعزينا ويثلج صدورنا مثل إدخالك السعير!.
إلا أن "الحكيم" يرد عليهن: وانا لو لم أجدكن هنا لاختلط على الامر وحسبت أنكن في الجنة.
وينتهى لقاء "الحكيم" مع النساء بان تلتقط النساء أحجارا ملتهبة يقذفنه بها مرددات: خذ إذن جزائك.
هذه بعض مقتطفات من كتاب توفيق الحكيم بعنوان "حمارى قال لي" وهو يعد من أشهر كتبه وقد ذاع صِّيت هذا الكتاب وانتشر انتشارًا كبيرًا في الأوساط الثقافية، وحقق مبيعات كبيرة في سوق الكتاب العربي.. وكان هذا الكتاب أحد أكبر أسباب شهرة الكاتب الكبير توفيق الحكيم.