كان الكشف عن مومياء الملكة «حتشبسوت» من أهم الأعمال العلمية التى قمت بها فى حياتى، والمثير فى هذا الكشف أن أحد أهم الأدلة التى أثبتت نسب هذه المومياء إلى الملكة «حتشبسوت» كان عبارة عن ضرس عثر عليه داخل صندوق خشبى مكتوب عليه اسم الملكة «حتشبسوت» ويحتوى على أحشاء وكبد الملكة. وعندما وضعنا هذا الصندوق داخل جهاز الأشعة المقطعية أثبت وجود جسم غريب ضمن محتويات الصندوق، وبالكشف عليه أتضح أنه ضرس يفتقد إلى أحد جذوره، وكان من ضمن المومياوات التى خضعت للدراسة، والتى كنا نعتقد أن إحداها هى مومياء الملكة «حتشبسوت»، مومياء تفتقد إلى أحد ضروس الفك العلوى مع وجود أحد جذور هذا الضرس داخل عظام الفك، وباستخدام تقنيات جهاز الأشعة المقطعية CT-Scan تم تحديد قياسات هذا الضرس ونتيجة تطابقه مع الضرس الموجود داخل الصندوق تأكد للجميع أن هذه المومياء هى مومياء الملكة «حتشبسوت» أشهر ملكات مصر القديمة. ومن الجدير بالذكر أن المنطقة داخل الفم والتى كانت تحتوى على الضرس المفقود تحمل دلالات وجود التهابات نتيجة خراج بعظم الفك العلوى، وكذلك وجود ما يثبت محاولة علاج هذا الخراج الذى حدث قبيل الوفاة بمدة قصيرة. ويبدو أن الملكة «حتشبسوت» كانت تعانى من جملة من الأمراض لعل أخطرها وجود أورام سرطانية متقدمة بالمومياء، هذه الأورام فى حالة عدم وجود علاج لها تؤدى بالطبع إلى الوفاة. عانت أيضًا سيدة النبيلات وهو معنى اسم «حتشبسوت» من نخر فى العظام نتيجة نقص شديد بالكالسيوم، وكذلك وجود انزلاق غضروفى بالعمود الفقرى وضغط مؤلم على الأعصاب والذى انتقل للأجزاء السفلية. وقد أثبتت الأشعة المقطعية معاناة الملكة من التهابات فى الفم، وكذلك وجود بدانة واضحة، الأمر الذى يشير إلى وجود مرض السكر، وقد تم تحديد ورم سرطانى بحجم ٢سم بالجزء الأيسر من الفخذ ووجود كبير فى العظام، بالإضافة إلى تشوه الأنسجة والعضلات المحيطة بالمنطقة اليسرى، وكان لهذا الورم تدمير السرطانى مركز ثانوى آخر بإحدى الفقرات القطنية أسفل الظهر. الأمر الذى يؤكد بشكل قاطع أن الملكة «حتشبسوت» التى حكمت مصر فى عصرها الذهبى مدة ٢١ عاما وتسعة أشهر ماتت ميتة طبيعية. وقد رحب بهذا الكشف كل علماء المصريات الأجانب المتخصصين فى المومياوات، حيث إن الأدلة قوية ولا يوجد أى مجال المعارضة هذا الكشف، وخاصة أننا قمنا بدراسة هذا الكشف من كل جوانبه دراسة علمية دقيقة. وعلى الجانب الآخر أخبرنى أحد الصحفيين بأن أحد المتخصصين فى الآثار قال له: هل سوف يغيرون التاريخ؟! وطرح عليه هذا السؤال مبديا دهشته وقلت لو «قام بهذا الكشف أجنبى لصفقنا له وأقمنا له تمثال؛ ولكن عيب على المصريين ولأول مرة أن يصبحوا روادا فى علم المصريات وأن يحاولوا العمل بفريق علمى متكامل!».
أما مومياء الملك تحتمس الأول، والتى توجد بالمتحف المصرى منذ عام ١٨٨١ وهو والد الملكة «حتشبسوت»، والذى حكم مصر فى عصرها الذهبى منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وهو ثالث ملوك الأسرة ١٨ من الدولة الحديثة. فقد عثرت عليها عائلة عبد الرسول عام ١٨٧٥، وكلنا يعرف قصة الكشف عن تلك الخبيئة، حيث كان أحد أفراد العائلة يرعى الأغنام بمنطقة الدير البحرى وعندما شردت منه شاه وتبعها إلى أعلى الجبل عثر على بئر عميق يصل عمقه إلى ١٥م، وبخفة أهل الجبل استطاع أن يهبط إلى البئر ويفتح السدة المغلقة التى قام كهنة الأسرة ٢١ والأسرة ٢٢ بوضعها بعد أن قاموا بأعظم عمل فى تاريخ مصر القديم، وهو نقل مومياوات فراعنة مصر العظام إلى خبايا حفاظًا عليها من أعمال السلب والنهب التى انتشرت فى ذلك الوقت. ليس هذا فقط بل أيضًا نقلوا إلى جوار المومياوات مقتنيات أصحابها وقاموا بغلق هذه الخبايا وإخفائها عن اللصوص حتى جاءت عائلة عبد الرسول لتكشف هذا السر. ويذهب أحمد عبد الرسول إلى عائلته يزف لهم خبر العثور على الكنز الكبير خلف معبد الدير البحرى. ودخلت العائلة ثلاث مرات فقط خلال عشر سنوات إلى الخبيئة؛ استطاعوا خلالها أن يحملوا كل ما خف وزنه وغلا ثمنه وباعوه عن طريق مصطفى أغا القنصل الإنجليزى الذى كان يعيش فى الأقصر على سرقة الآثار وبيعها إلى أوروبا وتصادف أن جاستون ماسبيرو كان فى زيارة إلى أوروبا فى الوقت الذى كان يعمل فيه نائبًا لمارييت باشا مدير مصلحة الآثار فى ذلك الوقت، وشاهد بعض الآثار الملكية التى تباع فى أوروبا، وأيقن أن هناك مقبرة ملكية وصل إليها اللصوص فى الأقصر. وعندما عاد إلى مصر أصدر تعليمات بضرورة مراقبة مصطفى أغا لصلته المعروفة بتجار الآثار، ووجدوا أن عائلة عبد الرسول على صلة دائمة به؛ لذلك قام البوليس المصرى بالقبض على أحد أفراد العائلة وظل حبيسًا فى سجن مديرية قنا لمدة طويلة، وبعد خروجه قابل أفراد عائلته وأخبرهم بما لاقاه من أهوال السجن وطلب أن يكون نصيبه هو الأكبر بين أفراد العائلة الذين رفضوا طلبه مما أثار غضبه عليهم، وتوجه إلى مديرية قنا للإبلاغ عن مكان كنز المومياوات. وجاء أحمد باشا كمال وماسبيرو إلى الأقصر وقاموا بنقل المومياوات الملكية إلى القاهرة فى موكب صوره بإبداع الراحل شادى عبد السلام ضمن مشاهد فيلمه «المومياء»، والذى صور فيه الحزن على وجوه أهل القرنة والنساء المتشحة بالسواد كما لو كان موكب جنازة تشيع إلى مثواها الأخير، وعندما وصلت المومياوات إلى ميناء بولاق لم يجد موظف الجمارك كلمة مومياء بدفاتر الجمرك، لذلك تم تسجيلها تحت اسم سمك مملح، وعندما قام إميل بروكش وأحمد باشا كمال بمعاينة مومياء الملك تحتمس الأول، التى عثر عليها داخل تابوتين؛ الأول يعود إلى الأسرة ٢١ باسم الملك «بانجم الأول»، أما التابوت الثانى فيرجع إلى الأسرة ١٨، يقال إن الفرنسى دارسى استطاع أن يقرأ اسم تحتمس الأول عليه، لذلك اعتقدوا أن هذه المومياء المسجاة داخل التابوت ربما تكون مومياء الملك تحتمس الأول نفسه.. فى حين اعتقد ماسبيرو فى بادئ الأمر أن هذه المومياء تخص الملك «بانجم الأول»، ولكن فى عام ١٨٩٦ قام بتغيير رأيه بعد العثور على مومياء الملك الأول. والغريب أن المومياء الأخيرة لم تأخذ رقم تسجيل ولذلك فقد فقدت، والسؤال الآن: هل هى موجودة بالمتحف المصرى أم لا؟ فى الحقيقية إن مصير هذه المومياء لايزال يكتنفه الكثير من الغموض على الرغم من أن بروكش وماسبيرو سجلوها بالصور، وهى الموجودة لدينا. ومن هنا تأتى أهمية وجود مشروع.
مصرى لدراسة المومياوات المصرية، والذى سوف يضم إليه العديد من الشباب الواعى، الذى يمكن أن يقود العمل بعد ذلك، وتستمر القيادة المصرية للعمل الأثرى، وبعيدا عن الصراع الشخصى الموجود بين أغلب الأثريين. وحدث كما ذكرنا أن أعلن ماسبيرو بعد الكشف عن مومياء الملك «بانجم الأول» أن المومياء التى عثر عليها داخل تابوتين تخص الملك تحتمس الأول"؛ وذلك نتيجة وجود تشابه بين هذه المومياء وبين مومياء تحتمس الثانى ومومياء تحتمس الثالث. وبدراسة ما قدمه ماسبيرو نجد أنه لا يوجد أى دليل علمى يثبت رأيه بوجود تشابه بين المومياء التى يعتقد أنها لـ«تحتمس الأول» ومومياوات تحتمس الثانى والثالث. وقام إليوت سميث بدراسة هذه المومياء عام ١٩١٢، واعتقد أن أسلوب التحنيط يرجع إلى ما بعد الملك «أحمس الأول» مؤسس الأسرة ١٨ من الدولة الحديثة، وأيضًا مبكرة عن عصر الملك تحتمس الأول. والمعروف أن الملك تحتمس «الأول» هو ثالث ملوك الأسرة ١٨ وهو والد الملك تحتمس الثانى والملكة «حتشبسوت» ومات وهو فى سن الخمسين تقريبًا. وقد وضع علماء المصريات علامات استفهام كثيرة حول هذه المومياء نتيجة لظروف الكشف، بالإضافة إلى وضع اليدين على جانبى الجسد خلافًا للوضع الملكى المعروف بوضع اليدين أو يد واحدة على الصدر. وعندما تم فحص هذه المومياء لأول مرة بالأشعة المقطعية أنها لرجل يبلغ من العمر ثلاثين عامًا عكس السن التى مات بها تحتمس الأول» طبقًا للأدلة التاريخية اتضح وطوله حوالى ١٥٦سم وأن المخ مازال موجودا بالمومياء واليدين على الجانب وليس على الصدر. أما المفاجأة فهى العثور على رأس سهم معدنى داخل المومياء، وهناك أدلة على وجود ورم فى الصدر. أن قام الدكتور أشرف سليم، أستاذ الأشعة بتحليل الشكل المعدنى، بالإضافة إلى التجويف الأيمن للصدر اكتشفنا أن هذا السهم قد اخترق الصدر من الجانب، وأمكننا تحديد النقطة التى اخترق منها القفص الصدرى، الأمر الذى أدى إلى وجود تجلط دموى. وأخيرًا تأكد فريق العمل من أن أسلوب التحنيط غير ملكى. وبعد هذه الأدلة تثبت أن المومياء الموجودة بالمتحف المصرى والمعروضة داخل قاعة المومياوات الملكية لا تمت بصلة للملك تحتمس الأول. ومن هنا وجب علينا البحث عن موميائه، وكذلك مومياء الملك «بانجم الأول» المفقودة. وأنا شخصيًا أعتقد أن المومياء الموجودة داخل مقبرة الملك سيتى الثانى «قد تكون هى مومياء الملك تحتمس الأول».. هذه هى بعض أسرار المومياوات الملكية.