تيجران يجافيان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شيلر، هو عضو فى هيئة تحرير المجلة الجيوسياسية Conflits وباحث فى المركز الفرنسى لأبحاث الاستخبارات، والتقينا به مباشرة بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية والتشريعية فى تركيا من أجل تقييم الوضع مع هذا المتخصص الكبير فى العالم التركى والشرق الأوسط ومعرفة ما هو السيناريو الأكثر احتمالا للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.. والتى يبدو بالفعل أنه ينذر بانتصار نسبى شبه مؤكد لأردوغان الذى لم يعلن أى شيء سوى أنه سيحترم النتائج مهما كانت.
تيجران يجافيان خبير بالشأن التركى وقضايا الشرق الأوسط.. يطرح، هنا، توقعاته بالنسبة للانتخابات الرئاسية التركية، عبر حوار مع الكاتب الصحفى الفرنسى ألكسندر ديل فال.
لو ديالوج: برأيك، باعتبارك خبير شئون الشرق الأوسط والقوقاز وتركيا، هل سيتمكن رجب طيب أردوغان من الفوز بالانتخابات الرئاسية فى الجولة الثانية من ٢٨ مايو ٢٠٢٣؟
تيجران يجافيان: قد يفوز أردوغان فى الجولة الثانية من هذه الانتخابات لأنه، على عكس منافسه كمال كليجدار أوغلو، لم يستنفد مجموع أصواته. يمكنه الاعتماد على نقل الأصوات من المرشح القومى المتطرف من أصل أذربيجانى سنان أوغان الذى حصل على ٥٪ «٢.٨ مليون صوت»ومن أصوات الشتات التركى القوى فى أوروبا الغربية، والتى فاز بها فى الغالب.
لا تنس أنه من بين ٦٤ مليون مواطن تركى مسجل للتصويت، هناك ٣.٤ مليون صوت فى الخارج، من بينهم ١.٥ مليون - نصفهم تقريبا - فى ألمانيا، مما يضعها فى مرتبة متقدمة جدا على فرنسا ٣٩٧٠٠٠ ناخب، وهولندا ٢٨٧٠٠٠ وبلجيكا ١٥٣٠٠٠ والولايات المتحدة ١٣٤٠٠٠ والمملكة المتحدة ١٢٧٠٠٠.
فى الانتخابات الرئاسية السابقة، فى يونيو ٢٠١٨، أعيد انتخاب أردوغان فى الجولة الأولى بنسبة ٥٢.٦٪ من الأصوات، ومن بين الأتراك الذين صوتوا فى الخارج حصل على ٥٩.٤٪ من الأصوات. فى ألمانيا، كان أداؤه أفضل، حيث حصل على ٦٤.٩٪ من الأصوات.
لو ديالوج: هل تعتقد أن الانتخابات التشريعية والرئاسية التى جرت فى ١٤ مايو الماضى كانت مزورة ومضللة إلى حد كبير، كما قال العديد من أعضاء أحزاب المعارضة، على الرغم من حقيقة أن العديد من المواطنين الأتراك المتطوعين من أحزاب المعارضة وحتى المراقبين الأجانب جاءوا بشكل جماعى لمراقبة الانتخابات؟
تيجران يجافيان: وجهت المعارضة اتهامات بالتزوير التشريعى فى تركيا، وكانت أصوات الحزب الاشتراكى تذهب إلى حزب الحركة القومية فى العديد من المكاتب، لم يتم احتساب أصوات حزب الشعب الجمهورى.
هذا النوع من الخطأ يحدث دائما، والسؤال هو كم؟.. معلوماتى هى أن أنصار حزب العدالة والتنمية عارضوا بعض النتائج حيث كان حزب الشعب الجمهورى يتقدم بشكل مريح، ولكن بشكل عام لا يوجد دليل على وجود احتيال واسع النطاق.
والدليل على ذلك هو أن سيناريو الانتصار الباهظ الذى حققه أردوغان بنتيجة تزيد قليلا عن ٥٠٪ لم يحدث، وهو ما كان يمكن أن يكون محل خلاف.
ومع ثقته فى الفوز فى الجولة الثانية، إلا أن وصوله إلى جولة الإعادة هذه يعتبر علامة على أن الاقتراع كان ديمقراطيا.
لو ديالوج: ولكن ما هى عناصر النجاح الحقيقية وقطاعات الناخبين التى أغوتها الخطابات القومية الشعبوية والإسلامية لأردوغان؟
تيجران يجافيان: هناك بالفعل عناصر عديدة وكثيرة لنجاح أردوغان، بعد أن تحول ١٨٠ درجة مع الأكراد، يواصل انجرافه القومى الإسلامى عن طريق الصيد فى أراضى اليمين المتطرف كما أن التحالف مع حزب الحركة القومية المتطرف والفاشى يمنحه قاعدة برلمانية مريحة تضمن له تفويضا جديدا مستقرا نسبيا.
وفى الحقيقة، يعتبر الأتراك أمة من مشجعى كرة القدم ولا يمكنك الفوز بالمباراة فى كل مرة، ومن المؤكد أن انتكاسات أردوغان فى إدارة الاقتصاد كان لها تأثير كبير، لكننا ننسى ذلك، منذ حوالى عشرين عاما لسنوات، فقد استطاع هو وحزبه حرث العقول لتشكيل جيل جديد تحت مسمى القومية الإسلامية وذلك من خلال الاستثمار بكثافة فى جهاز التعليم الدينى على سبيل المثال أئمة المدارس الثانوية والخطباء.
لذلك يجب علينا بالأحرى أن نكون حذرين من المعلقين الغربيين الذين يغويهم جيل شاب من الأتراك البيض الذين تمت مواجهتهم فى عواصم إسطنبول وأنقرة وإزمير، وأن نكون أكثر اهتماما بما يحدث فى البلد الحقيقى الأناضول.
لو ديالوج: حقيقة أن المرشح الكمالى، كيليجدار أوغلو، من أتباع الديانة العلوية حيث أعلن ذلك علنا واتهامه بالتواطؤ مع حزب العمال الكردستانى الإرهابى بسبب دعم أكراد حزب المؤتمر الشعبى الجمهورى لترشيحه.. هل كان ذلك مصدر قوة لأردوغان الذى استخدم استراتيجية كبش الفداء لإغواء التركى السنى العادى غير الكمالى؟
تيجران يجافيان: أدت النزعة القومية المتطرفة، وتفاقم الطابع التركى السنى الحصرى، إلى زيادة الانقسام بين المسلمين السنة «الأتراك الحقيقيين» والأقليات التى تشعر بقلق متزايد بشأن هذا الانجراف.
لقد فهم الأكراد المعارضون لأردوغان الخطر جيدا وقرروا إعادة أصواتهم فى الجولة الأولى لمرشح حزب الشعب الجمهورى من المجتمع العلوى.
إن قيام مرشح كمالى بإعلان إيمانه بالعقيدة العلوية أمام المتفرجين قد وضع سابقة وديناميكيات متناقضة، من ناحية، فإنه يحقق درجة عالية الأهمية، لا سيما بفضل تقارير أصوات الأكراد، ومن ناحية أخرى يبرز الانقسام الاجتماعى الطائفى التقليدى المكتسب فى التركيب التركى الإسلامى، بكل بساطة لا يمكن تصوره لمنح صلاحيات كاملة لمرشح من أقلية محتقرة وغير تقليدية.
هذا هو الخطأ الكارثى الذى ارتكبه كمال كيليجدار أوغلو عندما أراد تجاهل هذه الحقيقة، وخلال بضعة عقود، أصبح المجتمع التركى متطرفا إلى حد كبير، فى كل من تركيا وداخل المجتمعات الأوروبية، التى تستورد إلى مجتمعاتنا نزعة جماعية لا تتوافق مع قيم العيش معا فى الجمهورية.
وكل ذلك علامة مقلقة: بصرف النظر عن مرسيليا، التى وضعت كيليشدار أوغلو فى المقدمة، كان هناك رقم قياسى للأصوات لأردوغان فى ليون وكليرمون فيران وأورليان ومولهاوس وستراسبورج، أما أصوات القنصليات التركية فى بوردو ونانت وباريس تثريبا ٢/٣ لأردوغان.
لو ديالوج: هل أردوغان على وشك تجاوز أتاتورك وذلك برهانه الكبير أو شديد الطموح والذى ظهر بشكل واضح منذ عام ٢٠١٣؟
تيجران يجافيان: أردوغان بالفعل فى طريقه للفوز برهانه، أولا بطول حكمه، متفوقا على عهد أتاتورك، مؤسس هذه الدولة التى أقيمت على جثة الشعوب المسيحية الأصلية فى الأناضول الأرمن واليونانيين والآشوريون الكلدان والسريان.
من ناحية أخرى، سيكون الرئيس الذى سيكمل العمل التحريرى لمصطفى كمال، ليس من خلال معارضته، ولكن من خلال تزويده بركيزة إسلامية متوافقة مع القومية الداروينية التى بدأها قادة الإبادة الجماعية التركية الشباب.
لا تزال تركيا فى هذا البلد الذى تطارده شياطين الماضى يعانى من أزمة حقيقية فى مسألة الهوية الوجودية ولا يزال يواجه أعداء داخليين والذين يعدون مصدر قلق كبير.
ولا ننسى أيضا أن الوصول إلى السجل العقارى، وتحديدا بعض المحفوظات، أصبح محدودا، وإلا فكيف يمكن للسلطات أن تفسر سر زيادة أصول البرجوازية التركية على حساب الأرمن؟ هل رفض الاعتراف بالإبادة الجماعية للقادة الأتراك عام ١٩١٥ بدافع الخوف من التعويضات المادية والإقليمية؟، وبدافع الخوف من الاضطرار إلى الاعتراف بالدولة؛ فأنت تكذب على شعب كامل وتريد أن تخفى عنه أن أبطال الماضى قد تحولوا إلى مجرمين؟.
فى هذا الصدد، ظلت هذه الإبادة الجماعية للأرمن والسكان الأصليين المسيحيين فى تركيا العثمانية وما بعد العثمانية بدون أدنى عقاب، ليست هذه مسألة من الذاكرة والماضى، ولكنها مسألة وجودية بشكل واضح للجميع.