تمثل «المناطق الصناعية» الإيطالية نموذجًا اجتماعيًا واقتصاديًا أساسيًا للاقتصاد وأيضا نموذجا واضحا لتأثير «صنع فى إيطاليا» فى العالم وتلعب المناطق الصناعية دورًا رئيسيًا من حيث القدرة التنافسية والصادرات والقيمة المضافة، حيث يتم رصدها باهتمام كبير من قبل المستثمرين الدوليين بسبب نظامها البيئى الديناميكى والمتخصص للغاية.
ومن أجل فهم النظام الاقتصادى الإيطالى بشكل أفضل، من الضرورى معرفة المناطق الصناعية التى تمثل التميز من حيث المعرفة والديناميكية والابتكار. تلعب هذه الخصائص دورًا رئيسيًا فى خلق القيمة المضافة للبلاد. على الرغم من أن إيطاليا فقيرة بشكل طبيعى فى الموارد المعدنية وهى مستورد رئيسى للطاقة، إلا أن التخصص والمهارات التى توفرها مناطقها جعلت من الممكن وضعها بين الأولى فى العالم من حيث الفائض التجاري؛ من أصل ٩٠ مليار يورو من الفائض «باستثناء الطاقة»، يأتى ٩٠٪ من مناطقها الصناعية. ويبدأ تاريخ المناطق الصناعية الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بفضل التنمية الاقتصادية التى انفجرت فى الخمسينيات والستينيات ثم توطدت فى السبعينيات. وفى هذه الفترة، فى إيطاليا وفى العالم، هناك طلب جديد على منتجات شخصية ومنزلية «الأثاث والأحذية والإكسسوارات» كل ذلك يدعم النسيج الاقتصادى خاصة مع ولادة مناطق إنتاج عالية التخصص والعمالة المتاحة، حيث يتم تصنيع هذه المنتجات أو مكوناتها فى الثمانينيات من القرن الماضى وكل ذلك ساعد بشكل كبير تلك الشركات فى تعزيز موقعها فى السوق العالمية.
التنظيم الجغرافى للمناطق
حتى الآن، هناك حوالى مائتى منطقة صناعية، تتكون من ٢٨٠.٠٠٠ شركة وحوالى ٢ مليون موظف منظمة فى المناطق الجغرافية الأربع:
الشمال الغربى: هناك حوالى أربعين منطقة مقسمة بين بيدمونت وليجوريا، تتميز هذه المناطق بديناميكية قوية، وأكثر تركيزًا على التخصص بدلًا من التركيز الجغرافى. يمثل مركز التكنولوجيا العالية فى ليجوريا حالة من التميز.
الشمال الشرقى: يعتبر منطقة الامتياز فى نشر نموذج المقاطعات الإيطالية، يضم الشمال الشرقى أكثر من ٤٠ منطقة، حوالى ٢٧٪ من الإجمالى الإيطالى، ويمثل منطقة صناعية فى توسع مستمر.
الوسط الشمالى: يضم أكثر من ٣٠ منطقة تمثل أكثر من ٢٢٪ من الإجمالى الوطنى. القطاعات المهمة بشكل خاص هى الجلود والأحذية والسيراميك والمنسوجات والملابس.
الجنوب: تمثل المقاطعات ما يزيد قليلًا على ١٠٠٠٠ شركة، قادرة على توفير العمل، فى المجموع، لما يقرب من ١٤٠.٠٠٠ شخص وتعتبر منطقة جنوب إيطاليا المسماة «كامبانيا»، وعاصمتها الشهيرة نابولى، ممثلة بشكل كبير لهذه المنطقة التنافسية حيث تتعايش مناطق مهمة مثل قطاع الطيران فى نابولى. هذه المنطقة هى فى الواقع الثانية من حيث الأهمية بعد منطقة لومباردى، وحتى الأولى من حيث عدد الوظائف. يمكننا أن نذكر أن بوميجليانو داركو، بناءً على وجود مجموعة فيات.
نموذج صناعى فى تطور مستمر
وُلد تنظيم المناطق فى مختلف مناطق البلاد، فى البداية، من المعرفة الحرفية للشركات العائلية الصغيرة الموجودة فى نفس المكان كما مكّن التمركز الجغرافى للإنتاج العديد من الشركات من تقاسم المخاطر الصناعية وربطها بالتنمية المتناغمة مع البيئة المحلية. وقبل أى شيء يؤيد الترسيخ الاجتماعى والثقافى القوى، فى أى منطقة، التداول السريع للمعرفة ويساعد على ولادة هوية اقتصادية مشتركة. ولا شك أن إمكانية استغلال بعض الموارد، سواء كانت بيئية أو اجتماعية، سمحت للشركات فى المناطق بتطوير ثقافة صناعية مهمة. وأيضا بفضل الاستثمارات فى رأس المال البشرى والابتكار والتحديث الصناعى، وصلت المناطق إلى مستوى من التنافسية والتميز الريادى. وأصبح العديد من رواد العالم فى العديد من القطاعات، مثل الحى الميكانيكى فى إميليا رومانيا، ومنطقة الأدوية فى لاتسيو، ومنطقة الأحذية برينتا فى فينيتو أو منطقة الصائغ فى فالينزا فى بيدمونت.
الابتكار عنصر استراتيجي
الابتكار هو أحد الجوانب الأساسية لنجاح نظام المنطقة الصناعى. تمثل هذه الرافعة القوية للنمو النقطة المشتركة لجميع المقاطعات. يتم تأكيد هذا الجانب من خلال عدد براءات الاختراع المقدمة: الشركات فى المقاطعات لديها براءات اختراع أكثر من الشركات خارج المقاطعات.
المناطق تجذب الكثير من المستثمرين الأجانب
بفضل هذا النظام البيئى الفاضل، تمكنت المقاطعات من جذب العديد من المستثمرين الأجانب إلى أراضيها الذين اختاروا إقامة هناك من خلال إنشاء قطاعات إنتاجية جديدة من خلال المشاريع المشتركة أو من خلال عمليات الاستحواذ. من بين أكثر المستثمرين الأجانب الحاليين، هناك الولايات المتحدة تليها فرنسا وألمانيا. فى قطاع الأزياء والملابس، دعونا نتذكر القيادة الفرنسية التى قامت على مر السنين ببناء سلسلة إنتاج خاصة بها فى بيدمونت ولومباردى وفينيتو وتوسكانا. كما أن وجود الشركات الوطنية والدولية الكبيرة فى المقاطعات قد مكّن من إنشاء شركات جديدة، حتى الشركات الفرعية الصناعية. وفى مواجهة تيار العولمة، الذى يدفع الشركات نحو القدرة التنافسية القائمة بشكل أساسى على نقل الإنتاج إلى البلدان التى يكون فيها العمل أرخص وتكاليف العمالة أيضا أرخص، اعتمدت المناطق الصناعية بدلًا من ذلك على قيمتها المضافة لوضع نفسها فى السوق الراقية ولم يؤد هذا النهج إلى توفير عائد مالى أفضل فحسب، بل أدى أيضًا إلى حماية قطاعهم الإنتاجى ووظائفهم فى البلاد.
معلومات عن الكاتب:
«إدواردو سيشى، الرئيس المؤسس لمجموعة إيطاليا وفرنسا ومستشار اقتصادى وكاتب عمود فى صحف فرنسية وإيطالية.. يوضح فى هذا المقال دور المناطق الصناعية فى الاقتصاد الإيطالى»