الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

رولان لومباردى يكتب: فرانسوا روفين.. آخر الداعين إلى القيم اليسارية الحقيقية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا شك أن إصلاح نظام التقاعد، الذى التزم به إيمانويل ماكرون وحكومته، ويحاول فرضه وسط رفض غالبية الفرنسيين، سيمكننا على الأقل من البحث فى وسائل الإعلام المختلفة عن تصريحات ومداخلات مختلفة؛ فدائمًا ما يمثل النائب فرانسوا روفين، الممثل لحركة LFI-NUPES ويعبر بالفعل عن الروح الحرة الحقيقية لهذه الحركة.. وذلك ما يجعله أكثر شعبية وربما أفضل مرشح لليسار فى عام ٢٠٢٧.
لقد اعتمدت منذ فترة طويلة اقتباس مقولة من فيلم المخرج هنرى فيرنويل Henri Verneuil وكان اسمه «الرئيس» وكان عام ١٩٦١: «أنا مزيج من الأناركيين والمحافظين طبقًا للنسب التى لم يتم تحديدها بعد». ولا أقول ذلك على سبيل المبالغة ولكننى سياسيا فى الجهة المعارضة لفرانسوا روفين، نائب حركة (فرنسا الأبية) La France insoumise فى الجمعية الوطنية (البرلمان).
ومع ذلك، فقد تابعت دائمًا هذا الناشط «اليسارى المتطرف» باهتمام واحترام كبيرين. وفى البداية، فإنه أحد السياسيين النادرين لليسار، وخاصة ذلك اليسار، الذى لم يصبه الانجراف الحاد، مثل جان لوك ميلينشون وحزبه، الذين اختاروا التشاركية الأصلية، أو «الووكيزم» أو الإسلام واليسارية. روفين متحفظ نسبيًا بشأن هذه الموضوعات التى تلحق العار وقبل كل شيء تشوه سمعة اليسار وصلته بالطبقات العاملة. ويبدو أن النائب، وكاتب المقالات، والصحفى والمخرج السابق، لديه القليل من الاهتمام بهذه الموضوعات التى تمثل الاهتمامات اليومية لغالبية الناس، وخاصةً تلك التصريحات والاهتمامات يقال إنها «من اليسار»، وأن اليسار ضحية العولمة.. وكان من الموقعين بأطراف أصابعه على منصة مناهضة الإسلاموفوبيا فى عام ٢٠١٩، ومع ذلك، لم يشارك فى المظاهرة التى نُظمت فى هذه العملية.
مؤلف كتاب «تقدمهم وتقدمنا، من بروميثيوس إلى الجيل الخامس»، يسمح لنفسه، على الرغم من أنه على اليسار، بتحطيم أسطورة التقدم، كما أنه أحد الرواد الثابتين لهذا الجانب من السياسة.
وخلال الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٧، دعم ترشيح ميلينشون، دون أن يرغب فى التوقيع على ميثاق نواب حركة La France insoumise، الذى انضم إليه رغم ذلك - على الرغم من انتخابه فى بيكاردى بدعم من العديد من اليسار الراديكالى وأحزاب الكتلة البرلمانية فى الجمعية الوطنية.
 


كما أعلن أنه سيكون «نائبًا محددًا»، متبرعًا بجزء من دخله لـ«الأشغال» العامة، أى ٧٠٠٠ يورو من المخصصات الإجمالية، و١٢٠٠ يتم تحويلها إلى حسابه الشخصى، وجزء منها يستخدم لدفع ضرائبه، بينما المبلغ المتبقى ٣٠٠٠ يورو سيذهب إلى الجمعيات. لكن زميله فى الحركة السياسية أليكسيس كوربيير يؤكد أن كتبه وأفلامه تجلب له دخلًا آخر كما أعيد انتخابه لعضوية الجمعية الوطنية فى يونيو ٢٠٢٢. 
واليوم، لا يزال «المتمرد» البالغ من العمر ٤٧ عامًا يعتبر عنصرًا حرًا داخل حزب ميلينشون والتحالف الانتخابى بين حركتى فرنسا الأبية وحزب الحركة البيئية والاجتماعية الجديدة LFI / NUPES. وغالبًا ما يصفه زملاؤه وخصومه بأنه «مثير للغضبـ« و«موجود فى كل مكان ومراوغ» ولكنه «عاطفى» و«صادق». وأنه نوع من «الشعبوى اليسارى» خاصةً أنه مرتبطً بشكل أساسى بالدفاع عن الأضعف أولئك الذين لا يمتلكون شيئًا.. والنتيجة هى أصالة وتماسك يتم ملاحظتهما عندما نتابع النتائج والمقترحات المنطقية، على الرغم من أننا لا نستطيع دائمًا مشاركة جميع الحلول التى يقترحها. ومهما كان الأمر، لا يمكن للمرء إلا أن يحترم عمله الذى أنجزه كعضو فى البرلمان - وهو أحد أكثر الأعضاء نشاطا - ومعاركه فى مجال الصحة أو النقل وضد عدم المساواة فى الأجور بين الرجال والنساء.
مؤلف «قف للمرأة».. فيلم وثائقى مؤثر ومهم
فيلم قف للمرأة! كان يجب أن يراقب الإليزيه ومقر الحكومة «ماتينيون» وبعض الوزراء؛ لأنه كما أوضحت ناتاشا بولونى عندما غادر: «إنه يذكرنا بالواقع الاجتماعى لبلد نسى هؤلاء الأشخاص بسرعة كبيرة، على الدوارات، يطلبون ببساطة العيش بكرامة من عملهم، ولكن أيضًا لأنه يخبرنا عن العمل البرلمانى يجب أن يكون قلب الديمقراطية». كان النائبان فى أصل هذا المشروع هما فرانسوا روفين وبرونو بونيل. فى البداية، كل شيء ضدهم باستثناء الاهتمام المشترك بهذه «المهن المرتبطة» بهما، وهى ضرورية فى مجتمعنا وفى بلد توقف عن الإنتاج.. بلد سمح فيه القادة طوال عقود لـ«سلطات المال» (كما قال ميتران) بإلغاء التصنيع. واليوم، بعد أن حرمت فرنسا نفسها من وظائفها الصناعية، فقدت قدرتها على حماية مواطنيها وقبل كل شيء إنها الثروة التى من شأنها أن تسمح لفرنسا بالدفع مقابل لائق لهؤلاء الأشخاص الذين يقدمون خدمات حقيقية.
وفى خضم الوباء، أحضر فرانسوا روفين الملابس التى خيطتها والدته إلى المستشفى، ومر بشكل خاص بالقرب من مصنع النسيج المغلق منذ أن قضت المنافسة - التى تم تعميمها - على الصناعة الفرنسية.
 


فى رحلتهما عبر فرنسا، ذهب المسؤولان المنتخبان للقاء كل هؤلاء النساء اللواتى لم نسمع عنهن من قبل: مقدمات الرعاية، ونماذج من ذوى الإعاقة، ومساعدات منزليات وعاملات نظافة.. فى هذا الفيلم - الذى يعد «تعظيم سلام للمرأة» – يرويان خبرة أكثر من عشرين عامًا فى المهنة انحنت فيها ظهورهن وتعرضن لحالة من عدم الاستقرار ويدفعن ثمن ارتفاع البنزين خلال تنقلاتهن. وسلط الفيلم الضوء على ضرورة الاهتمام بالمسنات، اللاتى يعتبرن فى بعض الأحيان هم الرابط الوحيد مع العالم الخارجى. يكسبن ما بين ٦٥٠ و٨٠٠ يورو شهريًا وغالبًا ما يكن أمهات، ويقولن بتواضع إنهن «لا يتفاخرن»، لأنهن يتعرضن للاختناق بسبب الإيجارات الباهظة (غالبًا أكثر من نصف رواتبهن الصغيرة!)، وارتفاع فواتير التدفئة، بدون ذكر النفقات الإجبارية للاشتراك الرقمى أو الهاتف أو التأمينات المختلفة.
عندما تأتى من خلفية متواضعة وتعيش فى «حياة حقيقية»، يمكنك فقط أن تتأثر بشدة بتلك الشهادات؛ لأن هؤلاء النساء هن جاراتنا وأصدقائنا وأحبائنا!
إنه عالم آخر، هذا صحيح، بالنسبة للنخبة الصغيرة المنفصلة عن الواقع.. إنها مجرة أخرى بالنسبة لرئيس وحكومة كانا يعتقدان أنهما تجنبا خطر الموجة الثانية من السترات الصفراء.. كل ذلك كان بسبب إجراءات مكافحة الوباء وقوانين الصحة القاتلة للحريات والفتات القليل الذى تم منحه للمواطنين البسطاء لشراء هدوئهم وأصواتهم، مثل «بدل التضخم» البالغ ١٠٠ يورو لجميع الفرنسيين الذين يتقاضون أقل من ٢٠٠٠ يورو التى أعلنها رئيس الوزراء فى ٢١ أكتوبر ٢٠٢١ (بتكلفة إجمالية قدرها ٣.٨ مليار يورو!).
فى غضون ذلك، أنتج بونيل وروفين فيلما وثائقيا يحكى قصة مؤثرة.. إنهما بالفعل برلمانيان حقيقيان كما أسفر هذا الفيلم إلى اقتراح مشروع قانون رفضته بشدة الأغلبية الرئاسية.
روفين مرشح اليسار عام ٢٠٢٧
سيستغرق الأمر ثلاث كلمات بسيطة، تم إسقاطها فى نهاية تغريدة من جان لوك ميلينشون، لإثارة ذعر المديرين التنفيذيين فى حزب الحركة البيئية والاجتماعية الجديدة Nupes: «فرانسوا جاهز». استنادًا إلى استطلاع رأى مجموعة ١٧ الذى نشرته مجلة لوبوان، استنتج زعيم حركة فرنسا الأبية على عجل أن فرانسوا روفين يمكنه الوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وكتب فى مقاله: «إنه استطلاع رأى رائع.. لقد تجاوزنا أنا وفرانسوا روفين حاجز الـ٢٠٪. ودعونا ننتقل إلى الجولة الثانية. كل العمل الذى تم خلال العام الماضى لم يضع هباء. فرانسوا جاهز. إلى الأمام!».
بالنسبة للسكرتير الأول السابق للحزب الاشتراكى، جان كريستوف كامباديليس قال: «إنها ليست تكتيكات صغيرة، إنها استراتيجية. يقوم بضربة! ويشير إلى أن حزب Nupes ليس إطارًا لتسمية المرشح الرئاسى».
وبالمثل، فإنه من خلال التظاهر بتعيين خليفة جديد فى الحزب فإن ذلك يربك القضية ويخلق البلبلة ويعتبر ذلك أيضا تجاهلًا لأولئك الذين يرون فى أنفسهم القدرة على الترشح وشغل المنصب.. وهنا يتحدث السكرتير السابق من خلال بيانه بأن فرانسوا قد يكون الخليفة وربما غيره فهو يهديء أعضاء حركة فرنسا الأبية ويزيد أيضا المنافسة بينهم.. إنها الطريقة «الميتيرانية"! (نسبة إلى ميتيران). 
فى غضون ذلك، كما رأينا، يعتبر فرانسوا روفين من الناحية الموضوعية أحد أكثر الشخصيات إثارة للاهتمام فى حركة فرنسا الأبية كما أنه من بين أولئك الذين يستطيعون إغواء اليسار المنقسم كما لم يحدث من قبل وبدون قائد قادر على قطع الطريق فى عام ٢٠٢٧ على أقصى اليمين.
باعتراف الجميع، لا يزال جان لوك ميلينشون آخر منظر بارز فى مشهدنا السياسى. لقد كانت ثقافته الهائلة وحسه السياسى مصدر قوة حتى الآن؛ لكن انفعالاته وغضبه وتجاوزاته أحيانًا يمكن أن تؤدى إلى الرفض.
وحتى لو لم يكن معروفا بالشكل الكبير، إلا أن روفين ذلك الشاب المتهور فى السابق هدأ بالفعل الآن وأصبح أكثر توازنًا وقياسًا، فقد عارض إعادة أدريان كواتينين داخل المجموعة فى الجمعية الوطنية. روفين هو نائب على مستوى القاعدة ونشيط على يستمع إلى الناس ويستطيع أن ينجح فى جذب جمهور الناخبين كما يستطيع طمأنة الناخبين الاشتراكيين وحتى الناخبين من يسار الوسط الذين استاءوا من النشاز و«الضجيج» والاضطراب داخل الجمعية الوطنية خاصة فى الملفات المتعلقة بالدفاع عن العمال والفقراء.. وسيكون أكثر مصداقية من ميلينشون الذى كان سياسيًا محترفًا منذ شبابه إلا أنه كان قليل الوعى بالحقائق الصعبة التى يعيشها معاصريه والمحيطون به.
معلومات عن الكاتب: 
رولان لومباردى رئيس تحرير موقع «لو ديالوج»، حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق األوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العربـ« و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. يكتب عن النائب اليسارى الفرنسى فرانسوا روفين، ويرى أنه مؤهل لخوض الانتخابات الرئاسية فى بلاده عام 2027.