عادت من جديد قضية "الطلاق الشفهي" أو الشفوي للحديث من قبل الإعلام، خاصة انها تأخذ حيزا كبيرا من استفسارات المواطنين لدى الأزهر.
ويقف الأزهر ما بين تأكيده أو رفضه بحسب الموقف الذي تمت به، مما يجعل العديد يصاب بحيرة من أمرهم.
300 ألف فتوى حول الطلاق
في مارس الماضي أثناء كلمته خلال احتفالية الأسرة المصرية، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن الحكومة تعمل بالفعل على صياغة قانون الأحوال الشخصية؛ ليقضي على "الطلاق الشفهي"، مشيرا إلى وجود نحو 300 ألف فتوى حول الطلاق خلال 5 سنوات.
وقال الرئيس السيسي: "يجب أن يتوقف، وينتهي لأضراره الكثيره وصعوبة ضبط وكبح ما يجري على الألسنة من كلمات قد تدمر الأسرة في لحظات غضب".
كما لفت إلى أن "توثيق الطلاق" كأسس ليُعترف به ضرورة للحفاظ على اللبنة الأولى في المجتمع وهي الأسرة.
في حوار لمفتي الجمهورية شوقي علام في عام 2020 أوضح أن دار الإفتاء تستقبل يوميًا 1200 سؤال تتصدرهم فتاوي الطلاق بنسبة 46%.
أرقام هامة من مؤشر الفتوى
وأشار مؤشر الفتوى في تقرير له لعام 2022 إلى أن (60 %) من فتاوى الطلاق عربيًّا صدرت من مؤسسات وهيئات إفتائية رسمية، وأن (40 %) منها صدرت من دعاة غير رسميين ومواقع فتاوى، سواء كانت مواقع إلكترونية أم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما لفت المؤشر إلى أن (58 %) من المستفتين فى فتاوى الطلاق كانوا من جنس الرجال، فى حين كان (25 %) من النساء، فيما صدرت فتاوى بنسبة (17 %) بدون مستفتٍ أو بمبادرة من المؤسسة الإفتائية أو الدعاة والشيوخ المفتين.
وعن نسب اعتدال وتشدد أو تساهل فتاوى الطلاق خلال عام 2022؛ أوضح المؤشر أن (70 %) من إجمالى فتاوى العيّنة اتسمت بالاعتدال من الناحية الشرعية، وراعت القواعد الفقهية المعتبرة فى هذا الباب، فى حين جاءت (26 %) منها متشددة من عدة جوانب؛ كان أهمها إجابة المستفتين مباشرة دون حضورهم أو مواجهتهم بكل جوانب المسألة، أو عدم خضوع الفتوى ذاتها لمراحل إفتائية تراعى كافة الأطراف، فى حين جاءت نسبة الفتاوى المتساهلة فى هذا الجانب (4 %).
وحول المنهجية الإفتائية المتبعة فى فتاوى الطلاق بين المؤسسات الرسمية العربية وفتاوى الدعاة غير الرسميين على مواقعهم الشخصية أو عبر السوشيال ميديا، أوضح مؤشر الفتوى أن غالبية الهيئات الإفتائية الرسمية تتّبع طريقة منظمة ومنضبطة تمر بثلاث مراحل؛ حيث تبدأ بتعامل أمين الفتوى معها، فإذا لم يتيسَّر الحل له بوجود شكٍّ فى وقوعه فإنها تُحال إلى لجنة مختصة مكونة من ثلاثة علماء؛ فإذا كانت هناك شبهة فى وقوع الطلاق، فإنها تحال إلى أعلى رتبة إفتائية فى المؤسسة، وقد يستضيف أطراف واقعة الطلاق للتأكد من وقوع الطلاق أو لإيجاد حل، وهذا من باب المحافظة على الأسرة التى هى نواة المجتمع.
وتابع المؤشر أن المؤسسات الإفتائية الرسمية لا تجيب عن أى فتوى إلكترونية خاصة بالطلاق، وتحيلها إلى الحضور فى الدار أو الاتصال الهاتفى، كما أنها تجيب على الزوج فقط فى الطلاق لأنه المالك له وتحقق معه ولا تجيب الزوجة بل تلزمها بحضور الزوج، هذا فضلا عن أنها تسأل فى لفظ الطلاق، هل وقع باللفظ الصريح فيحقق فى إدراكه وإملاكه، وإن وقع بالكناية فيسأل عن نيته حينئذ.. وهكذا.
أوجه الخلل في الفتوى غير الرسمية
وفى المقابل حلّل المؤشر فتاوى الطلاق الصادرة من الدعاة المستقلين أو مواقع الفتوى غير الرسمية، ووجد أن بها بعض أوجه القصور والخلل، منها أنها تجيب عن أى فتوى إلكترونية دون التحقيق مع مستفتيها وتحقّق وقوع الطلاق فيها، وتضع الفتوى عند التشكك فى شيء باختيار المستفتى بين الشيئين، كما أنها تصدر فتاوى الطلاق بناءً على طلب الرجال والنساء وحتى أقارب الزوجين، وهذا نوع من التساهل فى الفتوى فى هذا الباب.
هذا بالإضافة إلى أنها تعرض الفتاوى الإلكترونية الخاصة بالأشخاص وتعيد نشرها للعوام كل فترة، ويتم إيقاع الطلاق دون النظر إلى نية المستفتى وهو الزوج هنا وكشف حالاته من كل الجوانب.
الإشكالية بين المفتى والمستفتى
وحلّل مؤشر الفتوى بعض الإشكاليات التى تواجه كلًا من المفتى والمستفتى فى فتاوى الطلاق، منها أن المستفتى قد يسأل عددًا من العلماء حول فتوى خاصة بالطلاق حتى يأخذ فتوى مفصّلة له، وأن كثيرًا من المستفتين وكذلك المفتين لا يراعون خصوصية فتوى الطلاق؛ فيأخذون ويقيسون على فتوى أخرى فى غير مكانها أو محلها، ومنها أيضًا خطورة طلب فتوى الطلاق عبر الإنترنت، حيث لاحظ المؤشر وجود فتاوى خاصة بالطلاق عبر مواقع الإنترنت المتخصصة بالفتوى أو على مواقع بعض الشيوخ والعلماء غير الرسميين، وهو ما يثير الجدل بين الناس ممن يستسهل الأمر بدلًا من الذهاب للمؤسسة الرسمية المختصة بعملية الفتوى فى الدولة.
ومن هنا اعتبر المؤشر أن المؤسسات الإفتائية الرسمية تملك خبرة كاملة وافية فى التعامل مع ملف فتاوى الطلاق، سواء من ناحية الفقه أو من خلال الواقع المعاش، فالحالات التى تأتى لتلك المؤسسات متعددة ومتشعبة ومتداخلة ومتشابكة فى الوقت نفسه، وهى تؤكد دومًا على مقولة أن «كل حالة طلاق قد تختلف عن الأخرى»، وهو ما يجب مراعاته قبل إخراج فتوى الطلاق التى قد تهدم أسرةً وتشرّد أطفالًا وتجعلهم بلا مأوى، فالطلاق كما هو معروف «ألفاظ ونوايا وقصود».
اطلاق صيحات التحذير
وأطلق المؤشر فى هذا الإطار صيحات التحذير، لا سيما بعد ارتفاع نسب الطلاق فى الدول العربية خلال هذا العام، بأن فتوى الطلاق تُعدّ أمانة فى عنق المفتى، فلا بد أن يكون عالمًا بكل أحكام الطلاق، وحكمه، وعدد مرات الطلاق، والطلاق الرجعى والبائن بنوعَيه، وطلاق الصريح وطلاق الكناية وطلاق المنجز وطلاق المعلق وطلاق الغضبان، والفرق بينه وبين الظهار والخلع، وغير ذلك من أحكام الطلاق؛ فكل نوع من هذه الأمور له شروط وضوابط، فيجب على الذى يُفتى فى فتاوى الطلاق السماع لكلا الزوجين حتى تخرج الفتوى منضبطة من الناحية الشرعية ومؤسسة للاستقرار الأسرى والمجتمعى.
هل يحسم قانون الأحوال الشخصية الجدل؟
في 20 يناير الماضي تم الموافقة على مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد في مجلس الوزراء وتم إرساله إلى مجلس النواب.
ويتكون مشروع القانون من قرابة 143 مادة مقسمة على أبواب الخطبة وأركان الزواج وشروطه وموانع الزواج وإجراءات عقد الزواج وبطلان العقد وحقوق الزوجين وواجباتهما، والنفقات، والسلطة الأبوية، والحضانة، وثبوت نسب الأولاد والميراث.
وتطرح وزارة العدل قريبا خلال الفترة المقبلة مشاريع قوانين الاحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين وصندوق دعم الأسرة للنقاش فى حوار مجتمعي تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، لتحقيق الأغراض المنشودة من القوانين، والحفاظ على الأسرة المصرية.