بعد غياب دام 10 سنوات عن السينما منذ أن قدم فيلمه "Under the Skin"، يعود المخرج البريطاني جوناثان جلايزر إلى مهرجان كان السينمائي لعرض فيلمه الجديد "The Zone of Interest" ضمن المسابقة الرسمية للنسخة الـ76، والذي حاز على النصيب الأكبر من الإشادة والجدل من بين الأفلام التي عرضت في القسم الرسمي حتى الآن.
تم اقتباس القصة عن رواية مارتن أميس "منطقة الاهتمام" الصادرة عام 2014، وتدور الأحداث عن الحياة اليومية أو كما أسماها الناقد بيتر برادشو "النعيم الريفي الخالص" لعائلة ألمانية (رودولف هوس، وزوجته هيدويغ) تعيش بجوار معسكر أوشفيتز الألماني أثناء الحرب وتطلعهما إلى بناء حلم لعائلتهما في منزل وحديقة بجوار المخيم. هوس، ليس مجرد الرجل الذي لا يدير أوشفيتز فحسب، بل كان له دور فعال في تصميم وتنفيذ آلية الموت الجماعي هناك، والتي تم تصديرها بعد ذلك إلى معسكرات الاعتقال النازية الأخرى.
ذكر أوين جيلبرمان في مراجعته بموقع "فارايتي"، أنه من بين آلاف الأفلام الدرامية الطويلة التي تتناول موضوع الهولوكوست، فإن القليل منها قد أثار - أو حتى حاول - تجربة ما حدث داخل معسكرات الاعتقال. فالرعب الذي خلفته تلك التجربة ممنوع وفي بعض النواحي لا يمكن تصوره. ولكن هناك مجموعة صغيرة من الأفلام، مثل "Schindler’s List" و“Son of Saul”، و“The Grey Zone"، واجهت هذا الرعب وجهاً لوجه وبطريقة لا تمحى. إلى تلك القائمة يمكننا الآن إضافة "The Zone of Interest" لجوناثان جليزر.
وأضاف جيلبرمان أن الفيلم رائع ومخيف وعميق، تأملي وغامر، فيلم يرفع الظلام البشري إلى النور ويفحصه كما لو كان تحت المجهر. بمعنى ما، إنه فيلم يلعب دور استراق النظر لدينا لرؤية ما هو غير مرئي. ومع ذلك، فإنه يفعل ذلك بأصالة قوية. فهو ليس فيلمًا عن ضحايا الهولوكوست، إنها صورة الجناة. ومع ذلك، فإن ما يحوم فوق كل لحظة هو وحش بشري تم إلحاقه وقمعه في نفس الوقت. فموضوع الفيلم المؤلم هو تجزئة الشر.
ووفق جيلبرمان، يتم تقديم عائلة هوس بطريقة ساخرة شبه جامدة في بعض الأحيان، خاصة وأن الفيلم يركز على الرفاهية الاستهلاكية القاسية والانشغالات المدللة لزوجة هوس، هيدويغ، التي تلعبها ساندرا هولر. لقد جعل جلايزر شخصية هيدويغ زوجة وأمًا "نموذجية"، غافلة عن كل شيء يحدث خارج منزلها، إلى أن يصبح هذا الوجود مهددًا، عند هذه النقطة تشتعل غضبًا ونرى أن عقلية زوجها النازية ليست منفصلة عنها تمامًا كما كنا نظن.
الناقد بيتر برادشو، الذي أعطى الفيلم تقييما 4/5 بموقع "الجارديان"، قال أن الفيلم يمتلك بنقاطه الرائعة قوة لا شك فيها، لكنه قد يحيي الجدل حول استحضار تأثيرات الأفلام المستمدة من أهوال التاريخ. ومع ذلك، فإن فيلم جلايزر يحاول تمثيل الرعب بشكل غير مباشر كما في أفلام كلود لانزمان ومايكل هانيكي. يحاول الفيلم بالفعل استيعاب الشهادة اليهودية.
وفي مراجعته بموقع "إندي واير"، قال الناقد ديفيد إيرلش، الذي منح الفيلم (A -)، أن أي فيلم من أفلام الهولوكوست لم يلتزم أكثر من أي وقت مضى بتوضيح تفاهة الشر، وذلك لأنه لم يكن أي فيلم من أفلام الهولوكوست أكثر عزمًا على تجاهل الشر تمامًا. هناك جدار إسمنتي يفصل بين شخصيات جلايزر والرعب المجاور لهم، ولم تجرؤ كاميرته على إلقاء نظرة خاطفة لما يحدث في الجوار، إنه لا يعبر حتى عن أضعف تلميح لتلك الرغبة.
ويستطرد إيرلش بأن فيلم "The Zone of Interest" يصر على تمرير جميع اللحظات الأكثر فظاعة في التاريخ من قبل الأشخاص الذين لم يضطروا إلى رؤيتها، فإن رؤيته وتصويره للحياة الطبيعية تلك، يذكرني بجملة هانا أرندت حينما وصفت تلك الظاهرة قائلة: "أكثر رعبا من كل الفظائع مجتمعة".