في أقصى الشمال الغربي لمصر تحديدا في جوف الجبل عند المنحدر المطل على الشاطئ بجزيرة روميل أمام الميناء الشرقي لمدينة مطروح، يقع "كهف روميل" أحد الكهوف الطبيعية بالمدينة، والذي حولته مصر لمتحف توثيقًا للحرب العالمية الثانية "1939- 1945"، التي شكّلت نقطة تحول للعالم.
تاريخ الكهف
يأخذ الكهف شكل قوس مفتوح من الطرفين في باطن الجبل، ويوجد تحت سطح البحر بحوالي 13 مترا تقريبا، وله مدخل ومخرج عند طرفيه عند المنحدر الذي يطل على الشاطئ، ويرجع تاريخه إلى العصر الروماني 323 ق. م، حيث استخدم كمخزن للقمح والشعير، والمياه، لتصديرها إلى الولايات الرومانية، كما استخدم لإمداد السفن وتزويدها بالمؤن اللازمة لقربه من البحر، في العصور القديمة.
اختاره الجنرال الألماني "ارفين روميل"، والملقب بـ"ثعلب الصحراء" لدهائه الحربي، ليكون بمثابة مقرا لقيادة عمليات جيوش دول المحور في الصحراء الغربية، وقلعة لإدارة القتال أثناء الحرب العالمية الثانية في مواجهة قوات الحلفاء بقيادة البريطاني "برنارد مونتجمري" ومهربًا إذا ساءت الأحوال في المعركة، ومن هنا أطلق عليه اسم "كهف روميل".
ارفين روميل
و"روميل" قائدا ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية في منطقة العلمين بالصحراء الغربية، وظل "روميل" شخصية تحظى بتقدير كبير في نظر سكان مطروح لأنه احترم عادات وتقاليد البدو ولم ينتهك حرمة منازلهم، وأبقى قواته على بعد 2 كيلومتر على الأقل من منازلهم في جميع الأوقات، كما رفض تسميم الآبار ضد قوات الحلفاء على أساس أن القيام بذلك سيضر بالسكان المحليين، ولذلك كرمه أهل مطروح بتسمية شاطئ قريب باسمه.
خسر "روميل" حرب العلمين في مصر على يد الجنرال الإنجليزي "برنارد مونتجومري" قائد الجيش الثامن البريطاني "فئران الصحراء" في أكتوبر 1942، وتوفي في 14 أكتوبر عام 1944م بعد أن أجبره "أدولف هتلر" على الانتحار، بعد أن ثبت ضلوعه في محاولة اغتياله في مقر قيادته في بروسيا الشرقية في 20 يوليو 1944م فخير بين الانتحار مع إقامة جنازة له وتشييع رسمي مهيب أو الذهاب إلى برلين مع ضمان مثوله أمام المحكمة العسكرية والإعدام فاختار الانتحار.
متحف روميل
ظل الكهف مهجورًا حتى عام 1977م، وعندما اتفقت مصر وألمانيا على افتتاح متحف يُخلّد ذكرى "روميل" ويعرض أشياء تاريخية مثل الملابس والصور الشخصية وخطط الحرب وملفات الجنود، وبدأت محافظة مطروح في تجهيزه وإعداده كمتحف، وتبرع نجل روميل، "مانفريد"، الذي شغل منصب عمدة شتوتغارت من عام 1974 حتى عام 1996، ببعض مُتعلقات "روميل" الشخصية بالإضافة إلى الأسلحة والمعدات العسكرية للمتحف، وتم افتتاح المتحف في عام 1988م وتم إثرائه بمقتنيات جديدة في عام 1991م، وفي عام 1999م تم ضم المتحف ليتبع المجلس الأعلى للآثار المصري، وأغلق المتحف في عام 2010م لإجراء تجديدات واسعة النطاق بسبب ظهور بعض التصدعات والشقوق بالكهف، وتأجلت مشروعات ترميمه بسبب الظروف التي مرت بها مصر في أعقاب ثورة 25 يناير عام 2011م، لتستأنف بعد ذلك مع تحسن الأوضاع، وأعيد افتتاحه للجمهور في 25 أغسطس 2017.
مقتنياته
يضم المتحف مجموعة من متعلقات الشخصية الخاصة بالجنرال "روميل"، ويتضمن سيناريو العرض المتحفي أربع واجهات عرض زجاجية تضم إحداها مقتنيات شخصية لـ"روميل" مثل المعطف والكاب العسكريين والنظارة المُعظّمة التي كان يستخدمها في الحرب، والبوصلة، ومسدسين لـ"روميل" كانا من مقتنيات مديرية أمن مطروح.
وتضم الواجهة الثانية صورا لـ"روميل" ولعصاه الشهيرة، بينما تضم الواجهة الزجاجية الثالثة خرائط حرب تفصيلية تحتوي ملاحظات "روميل" بخط يده، تسجل أهم معاركه في طبرق والعلمين والسلوم ومعركة "عين الغزالة" وعليها شكل تحركات الطائرات والدفاعات الجوية.
عين الغزالة
يؤكد المؤرخون أن معركة عين الغزالة "26 مايو وحتى 21 يونيو 1942م" من أشرس معارك الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية المصرية، وكانت على مراحل حيث انتهت المرحلة الأولى منها بفشل "روميل" في تحقيق أي نجاح، وفي المرحلة الثانية استغل "روميل" تنظيم قواته واستخدم قوات متفوقة تعاونها الدبابات والطائرات، أما المرحلة الثالثة من المعركة فكانت انهيار خط الغزالة، وخسرت القوات البريطانية في المرحلة الثالثة من المعركة 230 دبابة من مجموع دباباتها البالغة نحو300 دبابة.
سجلات الجنود
تعرض الواجهة الزجاجية الرابعة قرب نهاية الكهف عددا من سجلات راحات الجنود ومواعيد عطلاتهم الشهرية وسجلاتهم الطبية، ومجموعة من الأسلحة التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية ومن أبرزها البندقية "موريس"، الى جانب عرض مجموعة من الخوذات الخاصة بالجنود التي تم عرضها بشكل يوضح كأنها وجدت متروكة بين الصخور الجبلية التي يضمها الكهف.
مقابر العلمين
تُعد مدينة مرسى مطروح وجهة للعديد من المصريين والمقيمين الأجانب الذين يستمتعون بالعطلة الصيفية على شواطئها الرملية البيضاء الناعمة والمياه الزرقاء الصافية، وفي أكتوبر من كل عام يحرص العديد من الألمان والإيطاليين على زيارة مطروح لإحياء ذكرى معركة العلمين 1942م، ووضع باقات من الورود على مقابر أقاربهم، وزيارة متحف كهف روميل.
وفي 24 أكتوبر من عام 1954م، تم افتتاح مقابر العلمين، والتي تضم رفات ما يقرب من 20 ألف جندي، بالإضافة إلي حوالي 50 ألف اسم جندي مفقود في المعارك التي دارت في مدينة العلمين في الحرب العالمية الثانية، والتي تُعد أحد أشهر معارك الحرب العالمية الثانية بين دول الحلفاء ودول المحور، والتي منيت فيها قوات الفيلق الإفريقي الألماني بالهزيمة.
وجاء بناء مقابر العالمين طبقًا لقرار لجنة قبور الكومنولث للحربCWGC ، وهي منظمة حكومية دولية من ست دول أعضاء، وهم المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والهند وجنوب إفريقيا، قام بتأسيسها السير "فابيان آرثر جولستون وير"، في 21 مايو من العام 1917م، تحت اسم "لجنة قبور الحرب الملكية"، وظيفتها الرئيسية تحديد وتسجيل وصيانة القبور وأماكن إحياء ذكرى العسكريين والمدنيين الذين ينتمون لدول الكومنولث، وقد ماتوا في الحربين العالميتين الأولي والثانية، على أن يتم بناء تلك القبور في مواقع المعارك التي حدثت خلال الحربين.
ورغم أن معركة العلمين حدثت منذ ما يقرب من 81 عاما إلا أن نتائجها المأساوية مازالت حتى اليوم شاهدة عليها، ومازال ضحاياها يسقطون حتى اليوم، فقد ترك المحاربون خلفهم حقلا من الألغام، حيث زرع الجميع ما يقرب من 20 مليون لغم وجسم قابل للانفجار، في مساحة تبلغ ما يعادل 683 ألف فدان، أي حوالي 2869 كيلو متر مربع، في المنطقة الواقعة من غرب الاسكندرية وحتى الحدود الليبية، ورغم جهود الدولة المصرية في إزالتها، إلا أن الكثير منه لازال موجودا.