كامل رحومة: محمد نجيب والسادات من جذور سودانية
مصطفى الضبع: لا يليق بالشعب السودانى إلا كل ما هو لصالح أفراده
وحيد الطويلة: أعشق هذه القلوب التى تضحك على الوجوه بصفاء وسلامة
أسامة حداد: على الشعب السودانى ألا ينجرف خلف المؤامرات
عبد الستار سليم: مصر والسودان بلد واحد
انفصل السودان عن مصر جغرافيا ولم ينفصل وجدانيا يوما ما، فللشعبين المصرى والسودانى روابط عميقة تربطهما ثقافيا على مر التاريخ وإلى الآن. ولا شك أن ما يحدث الآن على الأراضى السودانية من معارك، وقع صداها هنا فى مصر وتألم لها المصريون نظرا لما يربط بين الشعبين من حب وود ومصير مشترك.
هنا فى هذا التقرير رسائل من مبدعين مصريين يرسلونها عبر صفحات «البوابة» إلى الشعب السودانى الشقيق.
فى البداية، قال الروائى إبراهيم عبدالمجيد: «تفاءلوا يا أخوتنا فى السودان بهذه المحنة، أجد نفسى معكم قلبا وروحا فأنتم لم تغيبوا عنى أبدا».
وأوضح: «ما أكثر ما قرأت من كتب عن تاريخ العلاقة بين مصر والسودان وكنت أسأل نفسى هل نحن شعبان حقا أم شعب واحد؟ قابلت الآلاف من السودانيين فى دول عربية وأجنبية، ولم أجد أجمل منهم خلقا وسلوكا، وقابلت الكثير فى حياتى فى الإسكندرية والقاهرة فكانت أشعة النور تطل من وجوههم فى كل حديث وسلوك».
وتابع: «شعب هو الطيبة مجسدة فى بشر يمشون على قدمين، من يقول أن بيننا حدودا واهم، فالنيل لا يجرى بالمياه، لكنه يحمل من كرمكم معه وهو يتدفق إلينا، وطعم الماء معجون بمحبتكم».
رهان الوعى
وقال الناقد مصطفى الضبع: «قناعتى أن ٩٠٪ من الحروب والصراعات يمكن تفاديها لصالح الإنسانية، ويقينى أن الشعب السودانى الذى أعرفه لا يليق به إلا كل ما هو لصالح أفراده، الشعب السودانى خلافا لكثير من الشعوب هو الشعب الأكثر تماسكا والأقوى ترابطا، وهو يعنى أن يدا خفية لا تريد له أن يكون الذى يجب أن يكونه، أراهن كثيرا على وعى الشعب السودانى العريق بمصيره الذى يليق به، وأنها أزمة سيخرج منها لتكون الأخيرة أو أزمة ما قبل الانطلاقة القادمة التى تليق بكم».
وأكد: «الشعوب لا تعيش من أجل الأفراد وإنما العكس هو الصحيح، وهو ما على الشعوب أن تدركه حين تصبح الحكومات عبئا على الشعوب، يليق بكم أن تصنعوا مستقبلا لشعب جميل له تاريخه وله نصيبه من مقدرات الحياة، نحن نؤمن بكم وبقدرتكم على تجاوز الأزمات التى سرعان ما تصبح ذكريات قد تكون مؤلمة ولكنها دافعة للإنجاز ومحفزة على التقدم».
وتابع: «التاريخ الحقيقى لا يكذب ولا يزيف وما صنعه الشعب السودانى على مر التاريخ لإقامة وطنه لن يذوب فى الزمن وإنما يصنع من الجينات ما يشكل بصمة وراثية لمستقبل يليق بكم».
قلوب من الذهب
وقال الروائى وحيد الطويلة: «إلى إخوتى الشعب السودانى الشقيق، وإلى عبد العزيز بركة ساكن وأمير تاج السر وزيادة وغيرهم، رغم حبى للمغرب والمغاربة إلا أننى أقول دوما بأننى أتمنى أن أكون سودانيا».
وتابع: «لأننى أعشق هذه القلوب التى تضحك على الوجوه بصفاء وسلامة، كنت أعرف أن البرهان قد أخذ قراره بوأد الحكم المدنى، وساعده فى ذلك أنظمة عربية تريد الحكم للجيوش فقط، وكنت أنتظر بسؤال وهو متى يظهر صراع حميدتى على السطح؟، أنا سودانى أعرف حيدر وسيدر وأحب عبد الكريم الكابلى وصلاح بن البادية ووردى حتى سيد خليفة مشهور عندنا بالبامبو، وكان مطربا لكنه قال دون أن يقصد: يا ناس حرام حرام حرام لكن لم يأخذ أحد نداءه على محمل الجد».
وأوضح: «لا أعرف إن كانت مصر تفتح لكم قلوبها أو أنها تحبكم على طريقة أخوك يحبك تعيش لكن تعيس، وأن تعودوا لبلدكم البديع، البلد الذى يستطيع أن يصنع الحلو من المر، حين أرى موائدكم مفروشة فى الشارع فى رمضان مثلا تأكلون معا ويأكل معكم العابر وابن السبيل أقول هذه قطعة من الجنة على الأرض، هذا صراع على السلطة وصراع على الذهب فى أرضكم، لكنكم لستم سودان الذهب هذا، بل أنتم بقلوب من ذهب قلبى عليكم
قبل الإسلام السياسى
وقال الكاتب كامل رحومه: «قبل الإسلام السياسى، ولما «سرجوا الصندوج يا محمد»، لم نبال حينئذ؛ فلقد كان: دوما «مفتاحه معايا»؛ فكان طبيعيا أن نشدو سويا مع سيد درويش وبديع خيرى: «إينايا شنجى كريكرى.. دنجى دنجى».
وتابع: «قبل الإسلام السياسى، لما وجد جودت صالح ضالة أم كلثوم فى رائعة أغدا ألقاك للهادى آدم؛ عندها اشتهر بالقصيدة دون إنتاجه الثرى الفذ، لأنها زرعت بالسودان شعرا وطبخت بمصر نغما، لذا لما شدت أم كلثوم رائعة أمير الشعراء عن السودان بلحن السنباطى، صادحة: فمصر الرياض وسودانها.. عيون الرياض وخلجانها؛ لم تنافس تلك الرائعة ما ظل يردده الوجدان الشعبى دون نسيان: «سودانى فيه أندو كرامة.. مـصرى طول أومره أهينا (أى أخينا).. دنجى دنجى».
وأردف: «قبل الإسلام السياسى، كانت القاهرة تؤلف، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ، والخرطوم يقرأ ويعى ويبدع، فكتب أساطين الشعر السودانى دررا فى حب مصر، منهم: إدريس جماع، ومحمد على، والتجانى بشير، وعبد الله عبد الرحمن، وعبد الله كردى، والمجذوب، والعباسى، فتلألأت بها دواوينهم الفذة.
وقال: «وحين موت عبد الناصر؛ كانت أقوى قصائد الرثاء لجهابذة شعراء السودان، ومنها قصيدة للهادى تفوق أغدا ألقاك، بعنوان أكذا تفارقنا بغير وداع؟».
وأضاف: «وقبل الإسلام السياسى، كان ثلاثة من رؤساء جمهورية مصر وحكامها من جذور سودانية سمراء، فكان محمد نجيب والسادات وطنطاوى، فلم يكن غريبا إذن أن يكون أهم طريق بالقاهرة يحيط بمنطقة القصر الجمهورى هو طريق مصر والسودان، واستمرت الروح بذا تسرى بصياح: يا أوروبا هليكى شاهده.. عالبوليتيكه الترللى.. الراية بتاعنا واهده.. لازم يستنى تــمللى.. دنجى دنجى».
وأوضح: «لكن بعد وعكة التأسلم السياسى، حيث وحدة المصير بين الأشقاء ما عادت ترفا؛ إذ لا خيارات لنا إلا أن نجدد مشددين على ما وعاه وجدان الشعبين من حقيقة مفادها: مفيش حاجة اسمه مصـرى.. ولا حاجة اسمه سودانـى.. نهر النيل راسه فى ناحية.. رجليه فى الناحية التانى.. فوجانى يروحوا فى داهية.. إذا كان سيبوا التــــانى.. دنجى دنجى، وإلا فعلى الحق والخير والجمال فى تلك البقعة المباركة من الدنيا السلام».
حرب بلا منتصر
وقال الشاعر أسامة حداد، إن الحديث عن العلاقات التاريخية بين مصر والسودان وإبراز ما هو مشترك فى علاقة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ سيكون ضربا من العبث تماما كالحوار عن العمق الاستراتيجى ووحدة الشعبين ونهر النيل فجميعها بديهيات يعاد ذكرها بآلية مملة لا نحتاج إليها وحتى صوت أم كلثوم تغنى للهادى آدم أو روايات الطيب صالح.
وأوضح، أن الشعب السودانى فى أم درمان والخرطوم يحمل سمات مشتركة مع المصريين لا تبدأ من رحلات للحج فى عيذاب ولا تسرى فى ميام النهر وما يحدث اليوم من اشتباكات ومعارك فى صراع على الحكم يصب فى مصلحة الخصوم التاريخيين لمصر والسودان ويكشف عن رغبة أطراف خارجية فى تمزيق أمة عريقة والخاسر الأوحد هو الشعب الطيب فهى حرب بلا منتصر وإيقاف الاشتباكات الدائرة ضرورة حتمية لا مفر منها من أجل الحياة والاستقرار.
وأشار إلى أن السودان الغنى بثرواته الطبيعية لن يكون ضحية ولا مسرحا لتصفية حسابات بين قوى لا تهدف إلا لتحقيق مصالحها، وعلى الشعب السودانى ألا ينجرف خلف تلك المؤامرات ومواجهتها والتمسك بوحدة السودان واستقراره والحفاظ على وحدة الأرض.، ولا مكان للحديث عن أهداف المتصارعين ولا الخلافات بينهم فالمقدمات لا لزوم لها والنتائج الكارثية لما يحدث تدفع بنا إلى المطالبة بتوقف الاشتباكات والوصول إلى حلول سلمية من اليسير تحقيقها بعيدا عن رصاص يقتل من يصوبه قبل أن يقتل أخيه. فليكن السلام هدفنا والبناء بيد واحدة فهذا هو النصر ولنعمل على الحفاظ على كل نبتة فى الأرض السمراء.
أنا أنتم وأنتم أنا
وقال الشاعر عبد الستار سليم، إن السودان ومصر أخوان يسكنان على ضفتى النيل، منذ الأزل، نعم وإلى الأبد، فهما بلد واحد، مكون من قطعتين من أرض واسعة، هما يشربان من ماء واحد، ويتـنفسان هواء واحدا، ويستظلان بسماء واحدة، وعندما يود أحدنا - فى مصر- أن يستأنس بأخيه الآخر - الذى فى السودان - فما عليه إلا أن يرفع عقيرته بالصوت مناديا، فيسمعه أخوه، وفورا يلبى نداءه.
وأوضح، أنه كانت المنضرة التى يجلسان فيها دائما، هى ضفاف النيل - التى كانت وما زالت- المفروشة بالخضرة والسندس الأخوى، ويظلل عليهما جريد النخل العالى..! أخى، وصديقى، ورفيق دربى فى السودان أنا وأنت نعلم أن نهر النهر الخالد الذى هو قلب حياتنا وسر حياتنا فهو المضخة الكبرى التى تقوم بدفع الدم عبر شرايين جسدينا، والذى يجرى ويتدفق فيها بالخير والنماء، علمنا الكثير، فهو الذى علمنا - منذ القدم - كيف تكون روابط الدم، وكيف تكون الأخوة والصداقة.
وتابع: «كيف يكون الكرم، ولولا أننى أعرف الشاعر الذى قال يا ضيـفنا لو جئتنا لوجدتنا، نحن الضيوف وأنت رب المنزل، لظننت أن قائله هو النيل فالنيل منذ بدايته وهو يخترق السهوب والرمال، بل ويلف الحوارى والطرقات فى قرانا، ليسقى البشر والزرع والضرع، فى أريحية وكرم زائدين، وما السقاؤون فى الزمن الأول إلا أبناؤه فيا أخى ويا أختى من أبناء السودان، أهلا بكما، على أرض مصر، فالأرض أرضكم، والبيت بيتكم، وأنا أنتم، وأنتم أنا».
موسم الهجرة إلى الوطن
وقال الكاتب محمد أبو السعود الخيارى: «يمثل السودان الحبيب مع مصر الكنانة ظاهرة متفردة فوق كوكب الأرض؛ حيث يمثلان معا ظاهرة التوأم السيامى ملتصق الجسد مثنى الرأس؛ ويمتد الجسد المدمج امتداد النهر المقدس؛ غير أن أحد الرأسين فى الشمال وصنوه فى الجنوب».
وأوضح: «لا يحتاج شعور الاطمئنان الذى يساور المصرى تجاه كل ما هو سودانى؛ يتعامل معه أو يتصوره فى مخيلته؛ الكائن السودانى طيف طيبة وهمسة مودة وبحر كرم. بيد أن حالة الذعر والانفلات التى هبت على أهل السودان الحبيب كانت نوبات نعيق ونذير أرق وقلق لكل من يعيش بمصر تجاه توأمه الأسمر فى جنوب الوادى الخالد. يحمل السودان الحبيب عوامل الخلود والصمود والتعافى؛ فهو أمة حقيقية قوامها حضارة البشر فى حوارهم الممتد مع الطبيعة؛ وهو أمة الشراكة بين النهر الخالد وسواعد عفية تحركها قلوب أنقى الشعوب على وجه البسيطة».
وتابع: «ليست حضارة السودان إذن بالتى تهددها الأطماع؛ لأنها ليست حضارة مادية هشة؛ كما يستعصى السودان على الضرر الذى قد يسببه تناحر أبنائه؛ لأنه شعب شبعان لا تخدعه القيم الرخيصة ولا يمكنه ويضحى بجوهرة عمره فى جنوب الوادى ليس بوسع مصرى واحد أن يتحمل أن يرى بل أن يتصور السودان فى خلاف ومحنة وشقاق؛ وتبدو الظروف المعاصرة التى أدت إلى زلزلة الأرض الطيبة المستقرة تحت أقدام أهلها ضعيفة أمام إيمان أهل النيلين بوطنهم الغنى وأرضهم الطيبة وأهلهم الذين يمثلون شريحة الطيبة والزهد والشبع وسط عالم ملتهب».
وأكد: «فلتحافظ أخى السودانى العظيم على أمتك أو على أمتنا فى الجنوب؛ وليجعل أهلنا فى السودان الطيبون المثقفون هذه المحنة الخطيرة موسما للهجرة إلى الوطن وتحديا يحتفلون فيه بعرس الزين».
وقال الفنان العالمى محمد عبلة: «إلى الشعب السودانى العظيم فى محنته القاسية وأقداره الحزينة التى نعيشها معه لأننا لسنا بلدين يفصلها الحدود الجغرافية وبيننا حقوق المجاورة كما يقول البعض بل نحن شعب واحد ويؤيد إحساسى هذا بالكثير من الأحداث والتاريخ المشترك، فمحنة السودان هى محنة الوطن العربى كله وغياب الديمقراطية وغياب للدور الاجتماعى بين الشعوب».
واختتم: «مؤمن بأن الشعب السودانى سوف يتخطى محنته وسوف يضمد جراحه ويتغلب على آلامه وينهض من جديد ويستعيد قوته وحضوره فما يحدث الآن قدرنا وسنواجهه لكنى كلى أمل ورجاء بأن الشعب السودانى سوف يدرك خطورة المؤامرات التى تحاك ضده وسينتصر عليها دون شك».