تعد جماعة الإخوان إحدى آفات الاستقرار، وألد أعداء الدولة المركزية في جميع الدول التي ظهرت بها، وتلعب الجماعة دورا دنيئا واضحا، في هدم المجتمعات سعيا وراء تحقيق أهدافها في القفز على السلطة.
وشهد السودان منذ استقلاله عام 1956 دورا فاعلا لجماعة الإخوان خاصة في الفترة التي تلت انقلاب الفريق إبراهيم عبود على السلطة عام 1958، وحتى عام 1964، والاضطرابات التي وقعت في عام 1964 قادت حسن الترابي عميد كلية الحقوق بجامعة الخرطوم آنذاك إلى صدارة المشهد وهو واحد من رجالات الجماعة الكبار، وتم اختيار الترابي زعيما للحركة السياسية المتمخضة عما سمى بثورة 1964، على الرغم من رفض قيادات الإخوان له وكان ذلك عام 1969.
وفي العام نفسه قاد جعفر النميري تحركا عسكريا انتهى بسجن قادة الأحزاب السياسية وبينهم الترابي قبل أن يعود ويصالحهم سنة 1977، وخرج الترابي من السجن الذي قضى فيه سبعة أعوام مباشرة إلى المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي التنظيم السياسي الرسمي الأوحد والحاكم في البلاد.
في عام 1977 بدأت المصالحة الوطنية وسقط نظام النميري في 1985 إلا أن الترابي رفض مبايعة التنظيم الدولي للإخوان.
وسعى الترابي إلى التغلغل سرا في مؤسسات الدولة وتولى وزارة العدل ومكتب النائب العام في الوقت نفسه ليبسط هيمنته على منظومة القضاء.
وفي عام 1985 أخفى الترابي دور الحركة الإسلامية كتنظيم سري وطليعي وظهر كسياسي حزبي تحالف مع داعمين أقوياء مقابل منحهم نصيبا من القرار السياسي.
وعاد دور الإخوان والتوافق والانسجام مع الترابي بتأسيسه جبهة الميثاق الإسلامي التي ضمت إلى جانب الإخوان جماعات سلفية وصوفية مستقلة.
وفي 1989 سيطرت الحركة الإسلامية السنية على الدولة ودبرت انقلابا عسكريا مستعينة بخلايا الإسلاميين والضباط المستعدين للتعاون داخل الجيش.
ثورة الإنقاذ الوطني كما أسماها قائدها عمر البشير تم خلالها الزج بالترابي إلى السجن لنفي الصبغة الإسلامية عن تحرك البشير إلا أنه اتضح سريعا أن البشير يؤسس لنظام إخواني بتعاون تام مع الترابي.
وألغى البشير الأحزاب السياسية والبرلمان تحت شعار الشرعية الثورية واعتمد النظام في سنواته الأولى على المؤتمرات الشعبية، وفي 1998 أُقرّ دستورا جديدا تحت ضغط من الترابي بعد معركة داخل الحركة حول ما أسماه الترابي بالتوالي السياسي بمعنى حرية التنظيم السياسي.
ولم يكن الترابي مؤمنا بالدولة بل كان مشروعه يعتمد على دور واسع للمجتمع ويقوم على المبادرة الشعبية، وفجأة قرر البشير حل البرلمان للتخلص من رئيسه وقائد الحركة الإسلامية وشريك الحكم في السودان حسن الترابي.
وأدت الخلافات بين الترابي والبشير إلى فوضى عارمة في عام 1996 مما دفع الأول إلى المطالبة بالانتقال إلى الحكم الدستوري الذي يقلص صلاحيات الرئيس لصالح رئيس البرلمان ويتيح التوالي السياسي.
وفي ديسمبر 1998 وقع تمرد ضد قيادة الترابي إلا أنه نجا بفضل ولاء كبار رجال الحركة الإسلامية له.
دورة تاريخية جديدة
ويرى الدكتور رفيق الدياسطي، أستاذ الجغرافيا السياسية، إن تاريخ حسن الترابي في السودان، وفترات الانسجام والانقسام مع السلطة في عهد البشير، تعبر بوضوح عن براجماتية الجماعة، وبحثها عن أهدافها السياسية دون غيرها.
وحذر الدياسطي، من أن الجماعة تنتهج هذه الأيام، النهج ذاته الذي صاحب الفترة الأولى من الاضطرابات التي أتت بالبشير، مما يستدعي أن تبقى القوى الديمقراطية السودانية، على أهبة الاستعداد والسعي لإنهاء الخلاف الراهن، حتى لا يجدون أنفسهم أمام دورة جديدة يسيطر فيها الإخوان بأفكارهم، على المشهد، مع اختلاف الأسماء والصور.