بين الشوارع الضيقة في منطقة حارة اليهود وسط القاهرة، يجلس محمد سعيد البالغ من العمر 45 عامًا، في غرفة ضيقة أسفل عقار؛ شكله الخارجي وطرازه المعماري يشير إلى بنائه قبل أكثر من سبعين عامًا، حيث تربى محمد بين هذه الحارات الضيقة وشرب المهنة التي احتضنته قبل حوالي 30 عامًا، إذ يستطيع تحويل الحديد الخام إلى أشكال ورسومات فنية جميلة تكشف عن مدى براعته في العمل بمهنة تشغيل المعادن.
الصمت هو رفيق محمد في رحلته المهنية، حيث لا يجد أحدًا بجواره يحاوره أثناء العمل، بسبب المعدات الضخمة التي يعمل أسفلها، والتي كانت سببا في تكوين ذاكرة إبداعية ومهنية جعلت منه مهنيًا فريدًا دون غيره في المنطقة الشعبية التي تعج بالورش اليدوية.
من بين هذه المنتجات التي ينتجها الرجل الأربعيني في مهنته، الآيات القرآنية التي ترسم على الحديد وأيضا الميداليات المنقوش عليها آيات قرآنية، والسلاسل التي يكتب عليها الأسماء، حيث يقول محمد إن هذه المنتجات تمر على عدة مراحل قبل خروجها بالشكل النهائي، حيث يتم شراء الحديد قطع خام ليس بها أي نقوش، يتم تقطيعها أول حسب المقاسات المحددة، وبعد ذلك تنقش بواسطة الاستنباط المحفور عليها الأسماء، وهذا يعد تطورًا كبيرا وإنجازًا للمهنة، لأنها كانت تحفر يدويًا في السابق.
التطور التكنولوجي طال العديد من المهن، وأثر على العديد من المهن اليدوية، لذا كان حتما على الرجل أن يواكب هذا التطور وإلا سيتوقف نهائيا عن العمل ويجلس بمنزله، وبالتالي كانت التطور في المنتج نفسه: "نحاول نطور المنتج بنقش كلمات المنتشرة في الأسواق بين الشباب وكمان كلمات الحب، زي انت عمري.. انت حياتي وغيرها من الكلمات الدينية أيضا".
حالها كحال العديد من المهن اليدوية تعاني الأمرين في ظل الارتفاع الغير مسبوق في الأسعار بكل الخامات، الأمر الذي جعل وتيرة العمل تتراجع بعض الشيء مع الرجل الأربعيني، إلا أن المهنة ذاتها تلفظ أنفاسها الأخيرة لعدم دخول شباب جدد يتعلمون فنونها ليتوارثوها في السنوات المقبلة: "مفيش حد جديد بيتعلم رغم إنها مهنة قديمة.