دائما ما تستهدف ثقافتنا ترسيخ القيم والفضيلة لدى النشء وتقويم سلوكهم لتربية جيل ناجح قادر على حمل مسئوليات مجتمعه فى إطار سليم، ومن تلك القيم أن من دوافع استمرار فعل الخير وصنع المعروف فى المجتمعات مكافأة صاحبه وشكره عليه، فكما قال الله جل وعلا فى كتابه العزيز «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان» تلك هى القاعدة وسوى ذلك يعتبر شذوذا لها.
هناك داخل العقار 45 بشارع أبو صابر من شارع مجمع المدارس خلف سنترال العمرانية غرب محافظة الجيزة، ضرب عاطل بكل العادات والتقاليد عرض الحائط وراح ليحطم القاعدة وتلطخت يداه بدماء خالته وزوجها بسبب حفنة من الأموال، فبعدما اعتاد الشاب الذى تخطى عقده الثالث بـ5 أعوام السهل، وهو أن يحصل على الأموال من خالته كلما مر بأزمة أو ضائقة دون البحث عن عمل لتحقيق ذاته وكيانه حتى وصل به الأمر أنه ظن بأن ذلك حقا مكتسبا له.
ففى إحدى المرات ذهب الشاب إلى خالته لاقتراض مبلغ مالى كعادته، ولكنها قابلت طلبه بالرفض، قائلة له: «روح دور على شغل هتفضل لإمتى كده؟!.. كل اللى فى سنك بقى عندهم بيت وأطفال وأنت زى ما أنت مش هتتغير» أوغرت كلمات الخالة صدر ابن شقيقتها والذى تملك الشيطان عقله وبدأ فى التشاجر مع خالته «ريا إسكندر مسعود»، السيدة الخمسينية وزوجها المسن المدعو مكرم توفيق صاحب الـ62 عاما؛ ليجن جنون الشاب ويستل سكينا ويسدد 6 طعنات نافذة لخالته و4 طعنات لزوج خالته.
جلس الشاب الثلاثينى بيده سكينة تتساقط منها قطرات من دماء خالته وزوجها، ألقى بها بعيدا وظل يندب حظه محدثا نفسه: «إيه اللى أنا عملته ده»، أظلمت الدنيا فى وجهه ورأى أمامه حبل المشنقة معلقا، متساءلا: «ماذا أفعل؟».
بعدها بدأ التفكير للهروب بجريمته وإبعاد الشبهة الجنائية عن نفسه، وفى تمام الساعة الرابعة صباحا كان أنهى خطته ونقل كل جثة داخل غرفة مختلفة، وسكب «بنزين» فى مختلف أرجاء الشقة وأضرم بها النيران، والتى بدأها بالجثتين، وخرج من العقار يتحسس خطاه ظنا بأنه هرب بفعلته.
الرابعة والنصف فجرا بدأت النيران تملأ العقار رقم 45 المكون من 5 طوابق ليستيقظ الأهالى على الحريق فى الشقة الكائنة بالطابق الثالث التى يقطن بها المسن وزوجته ليتم إبلاغ غرفة عمليات النجدة بمديرية أمن الجيزة، والتى بدورها أبلغت ضباط مباحث قسم شرطة العمرانية والحماية المدنية ومرفق الإسعاف.
دقائق معدودة حضرت القوات إلى محل البلاغ وجرى فرض كردون أمنى لمحاصرة النيران ومنع امتدادها إلى المبانى المجاورة وتمت السيطرة على الحريق، ليتضح بعد عمليات الإخماد العثور على جثتين داخل الشقة.
حضر فريق من النيابة العامة بجنوب الجيزة يرافقه فريق الجنائية إلى الشقة المحترقة لتبدأ المهمة وكشف سبب نشوب الحريق وبيان وجود شبهة جنائية من عدمه، كان الأمر واضحا لم يأخذ جهدا كبيرا، فالجثتان برغم تفحمهما، إلا أن بهما بعض الطعنات وآثار الذبح على الزوج لتطلب النيابة سرعة ضبط وإحضار المتهم بارتكاب الجريمة وعرضه عليها فور ضبطه.
جرى تشكيل فريق بحث بمشاركة قطاع الأمن العام وإدارة البحث الجنائى بمديرية أمن الجيزة، والذى بدأ بفحص كاميرات المراقبة بمحيط العقار الذى شهد الجريمة، خاصة أن الحريق كان فجرا وهو ما سهل المهمة أيضا.
ورصدت الكاميرات نجل شقيقة المجنى عليها فى وقت متزامن مع تلقى البلاغ لحظة خروجه من العقار، لتشير أصابع الاتهام تجاه ذلك الشاب، وعقب تقنين الإجراءات واستصدار إذن مسبق من النيابة العامة تم استهداف المتهم وأمكن ضبطه واقتياده إلى ديوان القسم.
وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة، حيث قرر بتوجهه بتاريخ الواقعة إلى محل إقامتهما وعقب استضافتهما له قام بمغافلتهما وسدد لهما عدة طعنات والتى أودت بحياتهما واستولى على مبلغ مالى، وبعض المصوغات الذهبية، 2 هاتف محمول.
ولخشية افتضاح أمره وضبطه، أضرم النيران فى جثتى المجنى عليهما وفر هاربا كما أرشد عن المصوغات الذهبية المستولى عليها، وكذا أحد الهاتفين المستولى عليهما لدى عميلين له أمكن ضبطهما، كما أرشد عن مبلغ مالى ـ المبلغ المستولى عليه ـ وقيمة بيع المصوغات الذهبية والهاتف المحمول، وأضاف بتخلصه من الهاتف الآخر بإلقائه بالطريق العام.
وبالعرض على النيابة العامة بجنوب الجيزة أمرت بانتداب طبيب شرعي لتشريح جثماني المجنى عليهما وإعداد تقرير وافٍ عن كيفية وأسباب الوفاة وصرحت بالدفن عقب بيان الصفة التشريحة لهما وتسليم الجثمانين لذويهم واستكمال مراسم الدفن.
كما واجهت النيابة المتهم بما أسفرت عنه التحريات والضبط أقر بارتكاب الجريمة على النحو المشار إليه وعليه أمرت النيابة العامة بجنوب الجيزة بحبس المتهم 4 أيام احتياطيا على ذمة التحقيقات وجدد قاضى المعارضات حبسه 15 يوما، كما اصطحب فريق من النيابة العامة المتهم إلى مسرح الجريمة لإجراء معاينة تصويرية وتمثيل جريمته كما طلبت النيابة تحريات المباحث التكميلية حول الواقعة ولا تزال التحقيقات مستمرة.