أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، اليوم الاثنين، أن الدول الاستعمارية التي تتحمل مسؤولية تاريخية عن النكبة، يجب أن تتحمل مسؤولية إنصاف الشعب الفلسطيني وإنهاء معاناته.
وقال أبو مازن - في خطابه أمام الأمم المتحدة بذكرى النكبة - إن بريطانيا والولايات المتحدة على وجه التحديد، تتحملان مسؤولية سياسية وأخلاقية مباشرة عن نكبة الشعب الفلسطيني، فهما اللتان شاركتا في جعل الشعب الفلسطيني ضحية عندما قررتا إقامة وزرع كيان آخر في وطننا التاريخي، لأهداف استعمارية خاصة بهما.
وطالب أبو مازن رسميًا، بإلزام إسرائيل باحترام القرارين 181 للعام 1947، و194، أو تعليق عضويتها في الأمم المتحدة، لا سيما وأنها لم تفِ بالتزامات قبول عضويتها في المنظمة الأممية.
وأكد أن أهم شرط لتحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط يكمن في الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واستقلال دولته الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو عام 1967، بالقدس الشرقية عاصمة لها، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194، وإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وتطرق أبو مازن - في كلمته - إلى المزاعم الصهيونية الملفقة، والتي تحاول تزييف الرواية الفلسطينية، والتي ادّعت أن فلسطين كانت أرضًا بلا شعب ويتوجب إعطاؤها لشعب بلا أرض، وأن الفلسطينيين تركوا بلادهم عام 1948 طواعيةً، مشددًا على أن الحقيقة هي أن وطننا التاريخي فلسطين لم يكن يومًا أرضًا بلا شعب. وأضاف أن إسرائيل تواصل ترديد هذه المزاعم رغم ما نُشر من شواهد ووثائق سرية صهيونية تُقِر وتعترف بأن الفلسطينيين صمدوا وقاتلوا وقاوموا التهجير القسري، وآخر هذه الشواهد، فيلم الطنطورة، الذي يعترف فيه الجنود الإسرائيليون الذين قتلوا بدم بارد أكثر من مئتي فلسطيني بجريمتهم المشهودة.
وأشار أبو مازن إلى أن إسرائيل تردد مزاعم زائفة أخرى لتغطي على عدوانها وجرائمها، وتدعي أن حروبها ضد الفلسطينيين والعرب كانت حروبًا دفاعية، متسائلًا: كيف يكون ارتكاب المذابح وتدمير القرى وتشريد نصف سكان فلسطين عام 1948 حربًا دفاعية؟.
وقال إن الكذبة الأكبر ادعاء إسرائيل، ومن يدعمها من الدول الاستعمارية، بأنها "إسرائيل" الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، متسائلًا: كيف تكون الدولة الديمقراطية الوحيدة وهي التي ارتكبت نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وتحتله منذ عام 1967، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتل شعبا آخر. وأشار إلى رواية زائفة أخرى تروجها إسرائيل ويتلقفها مناصروها، دون تمحيص أو تدقيق، هي الزعم بأن الفلسطينيين لا يضيعون فرصة لكي يضيعوا فرصة أخرى، وأنه لا يوجد هناك شريك فلسطيني للسلام، متسائلًا: ما معنى إذن أن يقبل الشعب الفلسطيني بدولة على 22% فقط من أرض وطنه التاريخي، ويعترف بإسرائيل ويستعد للعيش إلى جانبها بأمن وسلام وحسن جوار؟.
وفي سياق الحديث عن الروايات الإسرائيلية، أشار أبو مازن إلى أن إسرائيل تقول إنها تحتفل هذه الأيام بالذكرى الخامسة والسبعين لاستقلالها، وقال "فقط أريد أن أسأل عمن استقلت؟، ومن الذي كان يحتلها؟".
وشدد أبو مازن، على أن الرواية الفلسطينية، المتعلقة بالنكبة والقضية الفلسطينية عمومًا، بدأت تشق طريقها إلى وعي الشعوب والدول التي أخذت تكتشف زيف الرواية الإسرائيلية، وذلك بجهود أبناء الشعب الفلسطيني، وبدعم ومساعدة الخيّرين في هذا العالم.
وأكد أبو مازن أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين وفرض الحصار على قطاع غزة، هو السبب الحقيقي لاستمرار دوامة العنف، وإذا ما ذهب الاحتلال إلى غير رجعة فلن يكون هناك أي مبرر للعنف والحروب.
وشدد الرئيس الفلسطيني على أنه لا يجوز أن تبقى إسرائيل دولة فوق القانون، وإذا لم تُقر هي وشركاؤها بالمسؤولية عن هذه النكبة التي لا تزال تتنكر لها، وبالمسؤولية عن المذابح والجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني وتشريده، والاعتذار وطلب الصفح وجبر الضرر، وتنفيذ كل قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة، فإن جذور الصراع ستظل قائمة، وسيبقى الفلسطينيون يطالبون بحقوقهم في كل مكان، بما في ذلك المحاكم الدولية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية. وقال الرئيس أبو مازن: "من حق شعبنا أن يعيش حرًا كريمًا وأن يدافع عن نفسه وعن وجوده وحقوقه الوطنية"، داعيًا الأمم المتحدة لمساعدته على تحقيق حريته واستقلاله وعضويته الكاملة في الأمم المتحدة، وتنفيذ القرارات ذات العلاقة، وأن يعيش بأمن وسلام، أسوة ببقية شعوب العالم.
وشكر أبو مازن، الأمم المتحدة على قرارها التاريخي غير المسبوق بإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية، التي اقترفتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، بعد أن جرى تجاهلها طيلة السنوات الماضية. وقال إن هذا القرار يُمثل إقرارًا من المنظمة الدولية بالظلم والإجحاف التاريخي المستمر الذي وقع على الشعب الفلسطيني عام 1948 وقبله ولا يزال، كما يشكل أول دحض من الأمم المتحدة للرواية الصهيونية الإسرائيلية التي تنكر هذه النكبة.
وأعرب أبو مازن عن ثقته وأمله بأن لا تدخر الأمم المتحدة جهدًا من أجل رد الاعتبار للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة وإزالة آثار هذه النكبة، أولًا باعتمادها حدثًا سنويًا يؤسس له ضمن قرار أممي، واعتبار الخامس عشر من مايو من كل عام يومًا عالميًا لإحياء ذكرى مأساة الشعب الفلسطيني، وثانيًا عبر العمل على إنجاز الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.
وشهدت قاعة الأمم المتحدة، التي شهدت فعالية إحياء ذكرى النكبة لأول مرة منذ العام 1948، تصفيقا حارا من قبل الحضور بعد انتهاء الرئيس الفلسطيني عباس من إلقاء كلمته، كما هتف بعض الحضور بعبارات منددة بالاحتلال الإسرائيلي، وأخرى مؤيدة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.