تنطلق، مساء اليوم الثلاثاء، فعاليات مهرجان كان السينمائى فى نسخته الـ76، ليتزين شارع «لا كروازيت» بسجادته الحمراء الشهيرة لاستقبال نجوم ورواد الحدث السينمائى الأضخم فى أوروبا على مدار 10 أيام، لمتابعة جديد العام من الأفلام المنتظرة التى على ما يبدو سيستمر صداها حتى موسم الجوائز بداية العام المقبل.
جزء كبير من أهمية نسخة العام من مهرجان كان هو التقاء أكبر الأسماء فى صناعة السينما العالمية من مختلف الأقطاب «التجارية والمستقلة»، مما يتيح أمام الجمهور خيارات متنوعة من الأفلام بما تقتضيه الذائقة السينمائية لكل مشاهد.
وتتضمن تشكيلة مسابقات المهرجان أفلامًا جديدة لبعض المخرجين المخضرمين الذين لهم باعًا طويلًا مع سعفتهم الذهبية، بما فى ذلك مارتن سكورسيزى، ويس أندرسون، تود هاينز، كين لوتش، آكى كوريسماكى، نورى بيلجى جيلان، هيروكازو كوريدا، وآخرين.
فيلم الافتتاح
البداية مع فيلم الافتتاح «Jeanne du Barry» للمخرجة الفرنسية ماوين، ومن بطولة النجم جونى ديب، الذى يعود للسينما بعد غياب دام 3 سنوات، بعد محاكمة التشهير الدرامية والمضطربة التى دارت بينه وبين زوجته الممثلة آمبر هيرد.
فى فيلمه الجديد، يلعب «ديب» دور الملك لويس الخامس عشر، فيما تجسد ماوين نفسها دور البطولة فى شخصية جين فوبرنييه، وهى امرأة شابة من الطبقة العاملة متعطشة للثقافة والمتعة، وبفضل ذكائها وجاذبيتها لتسلق درجات السلم الاجتماعى واحدة تلو الأخرى أصبحت المفضلة لدى الملك لويس الخامس عشر غير مدرك لمكانتها كعاهرة، يقعون فى الحب بجنون ثم تنتقل جين إلى فرساى، حيث أثار وصولها فضيحة وصل صداها إلى المحاكم.
تعد المشاركة هى الثالثة لماوين بعد تتويجها عام 2011 بجائزة لجنة التحكيم عن فيلم «Polisse»، كما شاركت مرة أخرى عام 2015 بفيلم «My King»، والفائز بجائزة أفضل ممثلة نالتها إيمانويل بيكو.
كبار المسابقة الرسمية
أما المسابقة الرسمية، القسم الأهم فى المهرجان، يضم هذا العام 21 فيلما تتنافس جميعا على السعفة الذهبية، الجائزة السينمائية الأعلى تقديرا، فمن المشاريع المنتظرة بقوة فيلم المخرج تود هاينز «May December»، والذى على حد تعبير محررى موقع «إندى وير» إنه لن يبقى على الرف لفترة طويلة، فهو يضم اثنين من نجمات هوليوود المتوجات بالأوسكار، جوليان مور وناتالى بورتمان، ومن المتوقع أن يجلب الكثير من الصخب إلى الكروازيت.
وتتطرق هذه الدراما إلى التأثير المتتالى للرومانسية الشعبية التى سيطرت على الأمة ذات يوم. فبعد عشرين عاما من استحواذ علاقتهما الرومانسية الشهيرة على قلوب الجميع.
فى هذه الأثناء، تأتى ممثلة هوليوود الأقل خبرة، إلى منزل الزوجين الجنوبى لفهم طبيعة شخصية الزوجة بشكل أفضل قبل لعبها فى فيلم. وفى وقت قريب جدا، تتشابك هويات النساء بشكل غريب مع تمزق ديناميكيات الأسرة.
تم تصوير فيلم «May / December» العام الماضى فى جورجيا مع المصور السينمائى كريستوفر بلوفيلت، الذى جاء بديلا للمصور إدوارد لاشمان، الذى ترك المشروع بعد تعرضه لحادث.
وتعتبر خسارة كبيرة لهاينز، حيث رافقه لاشمان فى العديد من مشاريعه الناجحة، بما فى ذلك فيلمه الأشهر «Carol، وWonderstruck»، وآخر أعمالهما «Far from Heaven».
ويعود المخرج الأمريكى ويس أندرسون، إلى «كان» بفيلمه الثالث «Asteroid City» الذى يضم طاقم تمثيل هو الأضخم والأهم ضمن أفلام المسابقة الرسمية هذه السنة.
أحداث الفيلم تقع فى عام 1955، حيث يجتمع مجموعة من الطلاب والآباء من أجل حضور مؤتمر خاص بالفضاء، ولكن يتعطل مسار المؤتمر حينما يتعرض العالم لسلسلة من الأحداث الغير متوقعة.
أسماء النجوم المشاركين، والتى تستحوذ على ما يقارب نصف البوستر الرسمى للفيلم، تضم سكارليت جوهانسون، جيفرى رايت، ويليام دافو، مارجو روبى، ستيف كاريل، إدوارد نورتن، تيلدا سوينتون، توم هانكس، وآخرين، وهو نهج يتبعه أندرسون عادة فى اختيار أبطال أفلامه.
أما المخرج التركى الشهير نورى بيلجى جيلان، فيعود إلى مدينته المفضلة كان بعد غياب أربعة سنوات، بفيلمه الجديد About Dry Grasses، والذى تدور أحداثه حول معلم شاب يأمل أن يتم تعيينه فى اسطنبول بعد الخدمة الإلزامية فى قرية صغيرة، وبعد انتظار طويل يفقد كل أمل فى الهروب من هذه الحياة الكئيبة. ومع ذلك، فإن زميلته نوراى يساعده على استعادة حياته.
هذه المشاركة تعد هى الثامنة لجيلان، منذ أن شارك للمرة الأولى بفيلم Cocoon عام 1995، كما حصد السعفة الذهبية عام 2014، عن فيلمه الأشهر Winter Sleep.
ومن مفاجآت هذا العام فى مهرجان كان، مشاركة الفنلندى الشهير آكى كوريسماكى، بمشروع جديد يحمل اسم Fallen Leaves، يأتى به بعد ستة سنوات منذ أن قدم فيلمه الأشهر The Other Side of Hope، وحصد عنه جائزتى الدب الذهبى كأفضل فيلم، والدب الفضى كأفضل مخرج بمهرجان برلين السينمائى الدولى عام 2018.
ودائمًا ما تعد مشاريع كوريسماكى إضافة مرحب بها فى أهم المهرجانات السينمائية، فأفلامه كوميدية حزينة مع وميض من الذروة غير المتوقعة، حيث يتتبع تجارب الأرواح الضائعة والمنبوذين الذين يبحثون عن قدر من التقلب فى حياتهم.
الفيلم عبارة عن كوميديا تراجيدية لطيفة تدور أحداثها فى هلسنكى، حول عاملا شابا فى السوبر ماركت يقع فى حب مدمنة على الكحول بينما يكافح كلاهما لإيجاد الاستقرار والسعادة فى عالمهما الانفرادى، حيث يحاولان العثور على حبهما الأول والوحيد والأخير. وهو مستوحى من أغنية بعنوان «Les feuilles mortes».
ويعد فيلم «Firebrand» للمخرج البرازيلى كريم آينوز، المشروع الروائى الطويل الأول له باللغة الإنجليزية، ومن بطولة النجمة الحائزة على الأوسكار أليسيا فيكاندر، فى دور كاثرين بار، الزوجة السادسة والأخيرة لهنرى الثامن جود لو، استنادا إلى رواية مناورة الملكة من تأليف إليزابيث فريمانتل، يتتبع فيلم الإثارة النفسى النسوى هذا مكائد المحكمة الإنجليزية.
تشتبك بار بشكل رومانسى مع توماس سيمور «سام رايلى» عندما لفتت انتباه الملك، وهى لا تزال تسعى بشدة إلى الحصول على وريث ذكر. ولكن بعد أن تزوجته، ساعدت بار فى جعل الأميرات مارى وإليزابيث مؤهلين لوراثة العرش.
آخر مشاركات آينوز بمهرجان كان السينمائى كانت عام 2019، بفيلمه الشهير «Invisible Life»، الفائز بجائزة أفضل فيلم بمسابقة «نظرة ما».
وبعد عزوفه عن السينما اليابانية منذ أن نال السعفة الذهبية عام 2018، عن فيلمه «Shoplifters»، يعود المخرج اليابانى هيروكازو كوريدا، إلى منطقته الآمنة مجددا بعد تجربتين متواضعتين، أحدهما فرنسية «The Truth»، والأخرى كورية «Broker»، لم يحققا الصدى المنتظر الذى تلا الجائزة.
مشروع كوريدا الجديد يحمل اسم «Monster»، من تأليف الكاتب التلفزيونى يوجى ساكاموتو، وبطولة الممثلة اليابانية الشهيرة ساكورا أندو، وتدور أحداثه حول ساورى التى تشعر بأن هناك شيئا ما خطأ عندما يبدأ ابنها الصغير ميناتو فى التصرف بشكل غريب.
بعد اكتشاف السبب، وهو ضلوع معلمه المدرسى فى الأزمة، تقتحم ساورى المدرسة مطالبة بمعرفة ما يجرى، ولكن عندما تتكشف القصة من خلال عيون الأم والمعلمة والطفل، تظهر الحقيقة تدريجيًا.
وبعد فوزها بالجائزة الكبرى فى مهرجان كان السينمائى عن فيلم «The Wonders» فى عام 2014، وجائزة السيناريو عن فيلم «Happy as Lazzaro» فى عام 2018، لم يبق للمخرجة الإيطالية الشهيرة أليس رورفاكر، سوى حصد السعفة الذهبية من خلال فيلمها الأحدث «La Chimera»، من بطولة إيزابيلا روسيلينى وجوش أوكونور وشقيقتها ألبا رورفاكر.
تصف رورفاكر فيلمها الجديد بأنه عمل يتحدث بطريقة خاصة جدًا عن علاقتنا مع الآخرة من خلال متابعة لقصة عالم آثار بريطانى شاب يشارك فى شبكة دولية من القطع الأثرية الأتروسكانية المسروقة.
وفى لقاء أجراه معها موقع «فارايتى» مؤخرًا، قالت رورفاكر: «أنا مرتبطة جدًا بمهرجان كان، كمتفرجة ومخرجة. وفرصة أن يتم ترشيحك لهو حلم ومفاجأة دائمين».
ولا يحمل فيلم «The Old Oak» المشارك فى المسابقة الرسمية، أهميته فقط من أن مخرجه البريطانى الشهير كين لوتش، بل أنه من المتوقع أن يصبح مشروعه السينمائى الأخير، على حد وصف مخرجه.
ففى لقاء مع موقع «هوليوود ريبورتر»، قال لوتش الذى يناهز الـ87 عامًا: «تستغرق الأفلام عامين وسأكون فى سن 90 تقريبا، تذهب ذاكرتك قصيرة المدى وبصرى أصبح هراءا الآن، لذا فالأمر صعب للغاية».
وأضاف لوتش أن المتطلبات الجسدية لأيام العمل الطويلة المطلوبة أثناء إنتاج فيلمه الجديد «The Old Oak» فتحت عينيه قليلًا على الطاقة العاطفية العصبية اللازمة أثناء التصوير.
يروى «لوتش» من خلال فيلمه مستقبل آخر حانة متبقية «The Old Oak»، فى قرية فى شمال شرق إنجلترا، حيث يغادر الناس البلدة نظرًا لإغلاق المناجم، المنازل رخيصة ومتوفرة مما يجعلها موقعا مثاليا للاجئين السوريين.
وفى صداقة غير متوقعة، يصادف تى جيه شابة سورية تدعى «يارا» مع كاميرتها، ليطرح الفيلم سؤاله الأساسى: هل يمكنهم إيجاد طريقة ليفهموا بعضهم البعض؟ هكذا تتكشف هذه الدراما المؤثرة للغاية حول الخسارة والخوف وصعوبة إيجاد الأمل.
العرب خارج دائرة «الحضور المشرف»
بعد مشاركات وصفت بـ«الحضور المشرف» أو إنجازات صغيرة تتحقق بين الحين والآخر، تعود السينما العربية للواجهة مجددا بمهرجان كان السينمائى هذا العام، حيث تعج مسابقات المهرجان المختلفة بعدد كبير من الأفلام العربية التى تسعى لحجز مكان لها وسط عمالقة الصناعة.
«بنات ألفة» هو الفيلم العربى الوحيد فى المسابقة الرسمية لمخرجته التونسية كوثر بن هنية، التى شاركت للمرة الأولى فى المهرجان عام 2017، بفيلم «على كف عفريت» ضمن مسابقة «نظرة ما»، ثم حققت إنجازا كبيرا بعدها بأربعة سنوات، حين ترشحت للأوسكار بفيلمها «الرجل الذى باع جلده» عن فئة أفضل فيلم دولى.
يروى فيلم هنية، قصة امرأة تونسية تدعى ألفة تتأرجح حياتها بين النور والعتمة، ويتصاعد المسار الدرامى للقصة باختفاء ابنتيها، اعتمدت بن هنية فى طرحها السينمائى على آداء ممثلات محترفات فى مشاهد تصويرية وروائية بتصور جديد يجمع بين الأسلوب الوثائقى والدرامى لدفع عنصر التشويق فى رحلة البحث عن الفتاتين.
أما فى مسابقة «نظرة ما» ثانى أكبر أقسام المهرجان، فيشارك ثلاثة أفلام عربية، أولهما الفيلم السودانى «وداعا جوليا» لمخرجه محمد كردفانى، وتدور أحداثه فى مدينة الخرطوم قبيل انفصال الجنوب، حيث تتسبب منى، المرأة الشمالية التى تعيش مع زوجها أكرم، بمقتل رجل جنوبى، ثم تقوم بتعيين زوجته جوليا التى تبحث عنه كخادمة فى منزلها ومساعدتها سعيا للتطهر من الإحساس بالذنب.
ويشارك المغربى كمال لزرق، بأول أفلامه الروائية الطويلة «عصابات»، وهو تطوير لمشروعه الروائى القصير الذى حمل نفس الاسم وشارك فى مسابقة أفلام الطلبة بكان عام 2011.
تدور الأحداث فى ضواحى الدار البيضاء، حيث يعيش حسن وعصام، الأب والابن، من يوم لآخر من خلال القيام بأعمال تهريب صغيرة للمافيا المحلية، وذات مساء، تم تكليفهم بخطف رجل، ليبقوا محاصرين فى ليلة طويلة، ليس لديهم أى فكرة عما ينتظرهم.
أما الفيلم الثالث، فيحمل عنوان «كذب أبيض» للمغربية أسماء المدير، وهو شريط وثائقى يتتبع المخرجة المغربية الشابة أسماء المدير، حين تذهب إلى منزل والديها فى الدار البيضاء لمساعدتهما على الانتقال إلى منزل آخر.
فى منزل عائلتها، بدأت فى فرز كل أغراض طفولتها. فى لحظة معينة ترى صورة: أطفال يبتسمون فى ساحة روضة الأطفال. على حافة الإطار، هناك فتاة صغيرة تجلس على مقعد وتنظر إلى الكاميرا بخجل.
إنها الصورة الوحيدة لطفولتها، الذكرى الوحيدة التى يمكن أن تعطيها والدتها لها. لكن أسماء مقتنعة بأنها ليست الطفلة الموجودة فى هذه الصورة، على أمل أن تجعل والديها يتحدثان، تستخدم أسماء كاميرتها وتتلاعب بهذه الحادثة الحميمية للحديث عن ذكريات أخرى تشك فيها أيضا. تصبح هذه الصورة نقطة الانطلاق فى تحقيق تسأل خلاله المخرجة عن كل الأكاذيب الصغيرة التى ترويها عائلتها شيئا فشيئا، تستكشف أسماء ذكريات حيها وبلدها.
وفى مسابقة «أسبوع النقاد»، يشارك الفيلم المصرى «عيسى» للمخرج مراد مصطفى، ويتتبع قصة مهاجر أفريقى فى مصر يبلغ من العمر 17 عاما، يحاول أن يسابق الوقت بعد حادث عنيف لإنقاذ أحبائه مهما كلفه الأمر.
مصطفى، سبق وشارك بأكثر من مشروع سينمائى فى مهرجان كليرمون فيران الدولى للأفلام القصيرة، كان من بينها «خديجة، ما لا نعرفه عن مريم، حنة ورد»، وتعتبر هذه المشاركة هى الأولى لمراد بمسابقات مهرجان كان الرسمية.
وفى ذات المسابقة، ينافس الفيلم الأردنى «إن شالله ولد» للمخرج أمجد الرشيد، وهى المرة الأولى التى يشارك فيها فيلم أردنى بمهرجان كان السينمائى طوال تاريخه.
الفيلم يحكى قصة نوال التى يتوفى زوجها فجأة ليتحتم عليها أن تنقذ ابنتها ومنزلها من مجتمع تنقلب فيه الموازين إن كان لديها طفل ذكر وليس أنثى.
وعلى حد وصف الرشيد، يتمحور الفيلم حول العيش تحت قيود مجتمع ذكورى، ويحمل هذا الفيلم مكانة شخصية وعاطفية عميقة فى قلبى، ولذلك فإن إخلاصى فى سرد هذه القصة يهدف لخلق روح حقيقية وواقعية فى الفيلم لكى يرتبط بها المشاهد وتدفعه للتفكير.
أما مسابقة أفلام الطلبة والمدارس السينمائية، يشارك الفيلم المصرى «الترعة» للمخرج جاد شاهين، وتدور أحداثه حول قصة شاب صعيدى يذهب لترعة ملعونة ويشاهد أمرا غريبا يدفعه للتشكيك بكل شيء ويعجل بمصيره المحتوم.