تعتمد إيران، منذ ثورتها الخمينية، التي وقعت في عام 1979، خطة واضحة لتصدير ثورتها، وأفكارها الدينية والعقائدية، إلى كل مكان تستطيع الوصول إليه، بحيث يكون لها ذراع أو أكثر، تجعلها قادرة على التأثير في الدول والمجتمعات.
ونجحت إيران في تحقيق هذا الهدف ببعض الدول العربية، مثل: لبنان، واليمن، لكنها فشلت فشلا ذريعا في معظم دول المنطقة، ودفعها هذا الفشل إلى الاتجاه إلى خارج منطقة الشرق الأوسط، بحثا عن وجود قوي في مناطق النفوذ وصنع القرار.
وعلى الرغم من أن إيران بدأت مبكرا جدا في تصدير أفكار ثورتها، وتحديدا منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي بعد سنوات قليلة جدا على نجاح ثورة الخميني فيها، فإنها لم تبدأ في جني ثمار أعمالها إلا منذ فترة قصيرة.
وتأتي دول أمريكا اللاتينية على رأس البلدان التي نجحت إيران في التوغل فيها، لذا انتقلت من مرحلة الوجود والانتشار إلى التمكين، بحيث تندمج أفكارها ومؤسساتها في المجتمعات اللاتينية، لتصبح جزءا لا يتجزأ منها، وبخاصة في البرازيل، والأرجنتين، وباراجواي.
خطة كشاف الأمازون
وخلال الأيام الماضية كشفت مصادر من البرازيل، لـ"البوابة نيوز"، تفاصيل خطة "كشاف الأمازون" الإيرانية لتجنيد الأطفال، ونقلهم إلى مدارس تابعة لإيران في تركيا، من أجل تلقينهم العقيدة الإيرانية.
وأوضحت المصادر، التي فضلت عدم كشف هويتها، أن حزب الله القابع في لبنان، هو الذي يتولى تنفيذ خطط نقل الأطفال من البرازيل إلى تركيا، مشيرة إلى أنه يركز نشاطه على مناطق الأمازون البرازيلية منذ عام 2019
المصادر أوضحت أن عناصر حزب الله تعتمد في تنفيذ خطتها على الاختباء وراء ما يعرف بالشبكة الإسلامية الموجودة في البرازيل، وتستفيد من ضعف القوانين البرازيلية، في التصدي لبعض الأنشطة الدعوية المشبوهة، مما يمكن عناصر الحزب من العمل على تجنيد الأطفال.
وأكدت المصادر أنه تم بالفعل رصد عمليات لنقل الأطفال أبناء السكان الأصليين في مناطق الأمازون إلى المدارس الإيرانية بتركيا، بغرض تلقينهم العقيدة الإيرانية، مما يسمح بإنشاء مجتمع شيعي تابع لإيران في هذه المنطقة البكر، البعيدة إلى حد ما عن قبضة الدولة المركزية في البرازيل، مثلما هو الحال في مثلث الحدود الساخن بين البرازيل، والأرجنتين، وباراجواي.
وقالت المصادر لـ"البوابة نيوز"، إن المجموعات التابعة لحزب الله، تعمل منذ عام 2019، في مناطق الأمازون، كاشفة عن أن الشرطة البرازيلية، نجحت في منع نقل نحو 15 مراهقا من السكان الأصليين بمجتمعات بانيوا، وديزانا، في ماناوس بولاية أمازوناس، إلى الخارج بواسطة جمعيتين خيريتين تعملان في تركيا، وتستهدفان تحويل المراهقين الأصليين من الأمازون إلى الإسلام وفقا للمذهب الإيراني.
ولفتت المصادر إلى أن المراهقين الـ15 الذين تعود أصولهم إلى مقاطعة ساو جابرييل دا كاتشويرا، التي تعد من المجتمعات الفقيرة، على الرغم من وقوعها يقع في منطقة استراتيجية على الحدود بين كولومبيا وفنزويلا، تم تلقينه عقيدة الإسلام وفق المذهب الإيراني، وذلك بواسطة جامعة تسمىsociação Solidária Humanitária do Amazonas ( Asham )، يرأسها التركي عبد الحكيم توكدمير.
وألقت المصادر البرازيلية الضوء على ما أعلنته لوسيا ألبيرتا باري، مدير تعزيز التنمية المستدامة في مؤسسة "Funai"، من أن المنظمة الإسلامية التابعة لإيران، "استخدمت شحنات الطعام، والتبرعات المالية، وسيلة للتلاعب بعقول الأطفال وأسرهم"، كما كشفت ماريا روزيتا، وهي إحدى النساء الأصليات اللاتي قبلن أن يدرس ابنها في الجمعية الإيرانية: "ليس لدينا الموارد المالية لأطفالنا للدراسة، لذا أردت منهم أن يدرسوا للعثور على عمل، ونحن في عائلتنا عاطلين".
أما جويس كويلو، مفوضة الشرطة المدنية في ولاية أمازوناس، والتي شاركت فنقلت المصادر البرازيلية، التي تحدثت إلى "البوابة"، وصفها لما يجري بالقول: "نحن أمام قضية مثيرة للقلق، لأن هناك حالات متطرفة لجريمة الاتجار بالبشر، استغلالا لرغبة الأسر في الحصول على فرص للعيش".
وتشير المصادر إلى أنه قبل الوصول إلى المدارس الإسلامية الإيرانية في تركيا، تم إرسال الأطفال إلى مقاطعة ساو باولو، حيث قال أحد المراهقين لـ Metropoles : "شجعنا المدير على الذهاب إلى ساو باولو، بعد أن أظهر لنا فقط صورًا للمدرسة، وأخبرنا أن هناك العديد من المراهقين الذين تم إحضارهم من الأرجنتين وفنزويلا وأماكن أخرى".
وبحسب ليديا لاسيردا منسقة الجندر والمشاركة الاجتماعية في "Funai"، فإن تجنيد الأطفال يعد جريمة بسبب التعرض للضعف وانتهاك حقوق الإنسان، ولأننا حتى الآن لا نعرف ما إذا كان هؤلاء الأطفال قد ذهبوا للدراسة أم لا، وما إذا كان هناك دافع خفي لهذه المؤسسة فيما يتعلق بهم".
محمود جنكيز، الأستاذ المساعد في مركز الإرهاب والجريمة عبر الوطنية والفساد (TraCCC) وكلية شار للسياسة والحكومة بجامعة جورج ميسون في واشنطن العاصمة ، دق ناقوس الخطر، قائلا ـ وفقا لمصادرنا ذاتها ـ إن إيران تسعى لترسيخ فكرها في أمريكا اللاتينية، بحيث تصنع جهاديين قادرين على حمل السلاح لصالحها، خاصة في ظل إرسال الأطفال للتجنيد في مدارس مقامة على أرض تركيا، التي تعد المعقل الذي خرجت منه أفكار السلفية الجهادية.
وأضاف: "إذا اعتقدنا أن الشيعة الذين تحركهم إيران لهم نفوذ في البرازيل وأمريكا اللاتينية، فإن الحكومة التركية تشجع الجماعات الإسلامية على السفر والعمل في قارة أمريكا الجنوبية، والمشكلة هي أي نسخة من الإسلام تصدرها الجماعات التركية، لا تقل خطورة عن الإيرانية، فكلاهما غير وسطي".