وسمعت صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لِي: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ» «نَعَمْ» يَقُولُ الرُّوحُ: «لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ» رؤ 14: 13.
بعد وفاة الأنبا كيرلس وليم، تشاطر «البوابة» أبناء مصر أوجاعهم وأبناء محافظة أسيوط بشكل خاص، وتقدم التعازي لكنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك وسينودوسها، وعلى رأسها الأب الدكتور كميل وليم، والأب كرمي وليم الساليزيانى، وسور مارى كارمن وليم، والأب مرقس يوسف، حيث ودعنا كوكب من سماء الكنيسة القبطية الكاثوليكية، فقد تزحزح قطب من أقطاب علمها ونورها.
والأنبا كيرلس أخ لكل من الأب كميل وليم، المدير السابق لكلية العلوم الدينية بالسكاكيني والمسئول حاليا عن بيت السامري الصالح، والأب كرمي وليم من الآباء الساليزيان، والأب كمال وليم من الآباء الفرنسيسكان، والأخت كارمن وليم من راهبات القديس شارل بروميه «الراهبات الألمانيات».
وهو أيضًا حفيد أول بطريرك لطائفة الأقباط الكاثوليك، البطريرك كيرلس مقار، والتحق بالأكليريكية الصغرى في طهطا ولم يكن قد تجاوز التاسعة من عمره، ثم التحق بالكلية الأكليريكية بالمعادى فى 28 سبتمبر 1955 وارتدى الثوب الأكليريكى فى أول يونيو 1961 وكان شعاره يومها «حول عينى عن النظر إلى الباطل».
وكان الأنبا كيرلس وليم صاحب علم وفير، حيث حصل على ليسانس الدراسات اللاهوتية من الجامعة الأوربانية في 1969، وليسانس الفلسفة واللاهوت وتخصص في الدراسات الكتابية من المعهد الباباوى للكتاب المقدس، ثم حصل على الدكتوراه من الجامعة الجريجورية بروما فى 13 مايو 1983، ثم عين مدرسا للكتاب المقدس والطقوس فى الكلية الأكليريكية بالمعادى، ثم عين نائبا للرئيس من سنة 1983 إلى سنة 1986 ثم رئيسا للأكليريكية من 1986 إلى 1990.
وفاة الأب وليم سيدهم
ومازالت أحزان الكنيسة الكاثوليكية متواصلة، بعدما لحق بالأنبا كيرلس اللاهوتي، الأب الراحل وليم سيدهم، الذي أسس جمعية جيزويت القاهرة، وقدم من خلال الجمعية دعم ثقافي وفني حقق نجاحات كثيرة.
وقضى الأب وليم سيدهم 50 سنة في الرهبنة، حيث دخل الرهبنة عام 1972، وحصل على ليسانس فلسفة من جامعة القاهرة، ودرس في السوربون وحصل على الماجيستير في علم التأويل عند ابن رشد، ومدرس فلسفة في مدرسة الجزويت، وأستاذ بكلية العلوم الدينية، وله واحد وعشرون كتابا عن لاهوت التحرير، وكان رئيس مجلس إدارة جمعية النهضة العلمية والثقافية.
كما عمل في إطار جمعية النهضة العلمية والثقافية بالفجالة «المركز الثقافى لجزويت القاهرة» التى تأسست سنة ١٩٩٨ على يد الآباء والإخوة اليسوعيين «الجزويت» وعدد من المصريين «مسلمين ومسيحيين» المهتمين بالقضايا الفنية والثقافية.
رحلة كبيرة
ومثلت وفاة الأب وليم سيدهم صدمة كبيرة، ورثاه الكاتب هشام أصلان عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وقال في منشور له: "وداعا الغالي الحبيب الأب وليم سيدهم اليسوعي، الأب الروحي لمشروع جمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة"، واحد ممن ملأوا الدنيا وشغلوا الناس، وختام رحلة كبيرة وشديدة الأثر في الخدمة المخلصة للثقافة والفنون وإتاحتها، خبر بالغ الصعوبة وخسارة فادحة على كل المستويات".
كما كتب الأب جون جبرائيل، الراهب الدومانيكني: "سبحانَك ربّي، في أخينا الموت، فما من أحدٍ يهربُ منه طوبى لمن وجدهم الموتُ يفعلون مشيئتَك، فلا موتَ ثانيًا يمكن أن يلحقهم. سبّحوا ربّى وباركوه واخدموه بمنتهى الاتّضاع القدّيس فرنسيس الأسيزيّ، في كل مرّة يفترسُ الموتُ أحدَ أًصدقائنا، ينشبُ بمخالبه في قلوبنا! رجاؤنا الوحيدُ أنّ صديقًا مشتركًا بيننَا قهرَ الموتَ في عقر داره "المسيح القائم". إذ نبكي منهارين، تثبتُ عيوننا في المسيح عارفين بأنّ الكلمة الأخيرة له وحده وليست لأخينا الموت، في فترة ضئيلة فقدتُ وفقدتِ الكنيسة أًصدقاء كرّسوا حياتهم للكنيسة وكانوا معلّمين رائعين! الأب كمال وليم الفرنسيسكاني، الأنبا كيرلس وليم ، الأب وليم سيدهم اليسوعيّ.
كما نعا رئيس الطائفة الإنجيلية الدكتور القس أندريه زكي، الأنبا كيرلس وليم، المطران الشرفي لإيبارشية الأقباط الكاثوليك بأسيوط، والذي انتقل عن عالمنا بعد رحلة طويلة من خدمة كلمة الله والكنيسة بإيمان وإخلاص، ونعا أيضا الأب وليم سيدهم اليسوعي صاحب عطاء فكري مميز وتاريخ في الخدمة المجتمعية.
الموت يخطف العظماء
إلى اللقاء أيها العملاق الجبار، تلك كانت كلمات الوداع من الدكتور هابيل فهمى، أستاذ التاريخ والحضارة اليونانية الرومانية بكلية الآداب جامعة المنوفية، حيث قال إن الموت يخطف الجياد، الموت يخطف العظماء، الموت يخطف من أناروا لنا الطريق آه منك أيها الموت بعدما غاب الفيلسوف والمفكر البسوعى الكبير الأب وليم سيدهم اليسوعى، بعد رحلة عطاء حافلة لخدمة الثقافة والفنون في مصر.
وهو الأب الروحي لمشروع جمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة"، وواحد ممن ملأوا الدنيا وشغلوا الناس، وختام رحلة كبيرة وشديدة الأثر في الخدمة المخلصة للثقافة والفنون، وخبر وفاته بالغ الصعوبة وخسارة فادحة على كل المستويات، وداعا الراهب وليم سيدهم اليسوعي والكاهن القبطي الكاثوليكي وصاحب سلسلة كتب “لاهوت التحرير”، والتي تتحدث عن دور الايمان في الارتقاء بالإنسان ورفض الظلم المجتمعي.
بينما قال الأب ايليا بشري: "ويحصد الموت القامات ، الأب وليم سيدهم اليسوعيّ، الإنسان والكاتب والمُفكر؛ الخادم على عكس ما يتخيله الكثيرون ويتوقعونه من مضامين الكهنوت المُعتادة والهزيلة، الأب وليم سيدهم، قيمة وقامة بعمله الفكريّ ككاتب ولاهوتيّ، بمسيرته الرّوحيّة ككاهن وتبنيه كإنسان للقضايا المُجتمعيّة وانشغاله الكامل بقضية الإنسان وتحريره، مسيرة حياته كلّها: فكرًا ولاهوتًا وروحانيّةً تُجسّد من دون شكّ مبادئ الإنجيل، وتعمل على تحريره من كافّة النّظريات بجعلها مُعاشة في محكّ الواقع، بتخليه الكامل وتجرّده الاختياريّ والمنقطع النّظير؛ أبونا وليم في أحضان آبائنا القديسين وتعزيات السّماء لكلّ الرّهبانيّة اليسوعيّة بمصر والكنيسة جمعاء على رجاء القيامة بأنّ أثره سيظلّ حاضرًا في قلوب الكثيرين؛ على ثقة بأنّك تُصلّي من أجل الكنيسة، وتشفع فينا ولنا.
وقال الباحث إبراهيم ناجي: "الأب وليم سيدهم الراهب اليسوعي الحر المستنير البسيط القادم من قلب الصعيد، هذا هو الراهب اليسوعي الذي دحض من خلال خبرتي معه خرافة أنه لا يستطيع أحد معرفة فيما يفكر اليسوعي، فقراءة الأب وليم سيدهم اليسوعي تعرفك على وجه اليسوعيين البسيط، التلقائي، المستنير، والحر، بحسب ما خطه الأب وليم سيدهم اليسوعي بذاته في كتابة الموسوعي عن الرهبانية اليسوعية في مصر "اليسوعيون في مصر، مساهمتهم في التربية والتنمية والثقافة" في العام 2020.
فهو الأب وليم بن سيدهم بن سيفين، ولد ببلدة جراجوس بقنا في قلب الصعيد يوم 21 فبراير 1948. التحق بالمعهد الأكليريكي القبطي في المعادي وتابع – بعد شهادته الثانوية – دروس الفلسفة في جامعة القاهرة (1967-1971) التحق بالرهبانية اليسوعية في خريف العام 1972، وتابع خلالها مرحلة التكوين (روحيات، فلسفة، لاهوت) بين مصر ولبنان وفرنسا حيث كان موضوع رسالته للماجستير في فلسفة ابن رشد، ثم سّيم كاهنا يوم 23 مارس 1984.
واهتم الأب وليم بتكوين وتنشئة أجيال من الشباب القادر على صناعة التغيير من خلال مبادرات في الوعي والثقافة والفن، ما انعكس على أنشطته التنموية والثقافية وبشكل خاص مشروعه الكامن في قلب الفجالة بجمعية النهضة العلمية والثقافية والتي من خلالها خرج الكثير من المبدعين في مجالات المسرح والسينما والإنتاج الفكري والأدبي.
حضور طاغي
غير أن حضور الأب وليم سيدهم اليسوعي الطاغي، كان انشغاله بنقل فكر لاهوت التحرير إلى مصر وهو ما انعكس على باكورة إنتاجه الفكري والأدبي في التسعينيات حيث مؤلفاته: "الحرية المسيحية والتحرير-وثيقة مترجمة من مجمع العقيدة الإيمانية والفاتيكان، لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية، لاهوت التحرير في أفريقية، لاهوت التحرير في آسيا، لاهوت التحرير:رؤية مسيحية اسلامية ، لاهوت التحرير الفلسطيني، قضية التنوير ولاهوت التحرير، أربعون عاماً على لاهوت التحرير، هذا بالإضافة لمؤلفاته في الكتاب المقدس عن تفسير سفر الرؤيا، وعن آباء الكنيسة في كتابه ترتليانوس موسوعة المعرفة المسيحية".
وربما نحن بحاجة أى دراسة موسعة وعميقة، حول الأبعاد الإنسانية والاجتماعية واللاهوتية التي شكلت فكر وقلب ونموذج هذا اليسوعي العملاق الذي هو أحد سفراء العمل الاجتماعي والفلسفي واللاهوتي بمصر كما بخارجها.
ولا يمكن حصرإانتاجه الفكري في ما خطه من كتب، بل بالأكثر في ما أنتج من بيئة ثقافية وتنويرية حرة اتاحت الفرصة للعديد والعديد من الشباب المصري لاستكشاف فرادة هذا المجتمع بتاريخه وناسه الذين كان يتحرك بينهم الاب وليم ببساطة وبحرية وبانفتاح على خدمة المجتمع دون أي اعتبارات أو حسابات سوى حبه لمصر المغروس في قلبه حيثما ولد ونشأ بصعيد مصر، هذا الحب الخالص للوطن جعله متفرداً في العودة للعمل بالصعيد بمبادرات فنية وثقافية وإنسانية تستهدف الأطفال والشباب والمربين لبناء نشء يقود مصر حيث قوتها تكمن في قوة عقول المصريين واستنارة ضميرهم.
تحية وشكر من عقل وقلب كل شاب وطفل مصري إلى روحك وحريتك وبساطتك وصلابتك يا ابونا المحبوب هذه التي من خلالها جميعها اتحت لهم الفرصة ليبدعوا ويعرفوا معنى محبة هذا الوطن ويخرجوا إلى العالم أحراراً قادرين على التعبير من خلال المسرح والسينما والرسم ليعبروا عن قوة هذا الوطن الحقيقية الكامنة في مصريتهم الخالصة كما كنت انت مصرياً خالصاً.
كما أرسل القس رفعت فكري سعيد، الأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط، ورئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بسنودس النيل الإنجيلي، برقية تعزية ، للأنبا إبراهيم اسحق، في رحيل الأنبا كيرلس وليم، وجاء نص برقية التعزية كالاتي: "البطريرك الأنبا إبراهيم اسحق، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك نودع معكم رجلا من طراز فريد لا يجود الزمن بمثله".
كما شارك البطريرك ساكو، بطريرك الكلدان علي مستوي العالم في التعزية بوفاة المطران كيرلس وليم، وقال: "لا أنسي هدوءه والتزامه وصمته وتقواه ، فكان صديق جيد واخ عزيز".
وقال كمال زاخر المفكر القبطي أصدقائي الذين أثروا حياتى وعقلى يغادرون تباعاً بالأمس رحل الانبا كيرلس وليم مطران أسيوط الشرفى واليوم الأب وليم سيدهم اليسوعى، نصلى لراحة نفسيهما فى فردوس النعيم وألوذ بالصمت شاخصا الى الروح القدس طالبا تعزية بقدر محبتهما وخدمتهم لحساب المسيح والإنسان.
فاجعة كبيرة
وقال إلهامى الميرغني: "خبر حزين وفاجعة كبيرة لي وللإنسانية ولمصر برحيل الأب وليم سيدهم اليسوعي، تفقد الثقافة والتنوير في مصر رمزاً من رموزها وعلامة من علاماتها البارزة، وتعود علاقتي مع أبونا وليم سيدهم اليسوعي لأكثر من أربعين سنة حينما كان يخدم في المنيا، وسمعت عنه من أصحابي وقمت بزيارته في مدرسة الآباء اليسوعيين، ودخل قلبي من أول لقاء وأبهرني بثقافته وحضوره وتواضعه، وكنت أستغرب من رجل الدين المستنير الذي يتناقش في لاهوت التحرير ويركز أيضا على محو الأمية والتمكين الاقتصادي للفقراء وكيف حول الآباء اليسوعيين في المنيا إلي منارة للتنوير والثقافة، وفي شهر رمضان كان يضيئ ملعب المدرسة طول الليل ليتمكن أبناء المنطقة من لعب كرة قدم بداخل المدرسة حتى لا يلعبوا فى الشارع".
وقالت رشا أرنست، المديرة الثقافية بالمجلس القومي لذوي الهمم: "سنة ١٩٩٩ حين أصبت بحادث قطار كان أول من وقف بجانبي وبجانب أسرتي، دعا في كل الكنائس للصلاة من أجلي، كانت تأتيني زيارات من كهنة وراهبات وأسر من كل محافظة بمصر، تحولت غرفتي في المستشفى الإيطالي لكنيسة صغيرة بها محبة كبيرة لا مثيل له، بمساندته تجاوزت رحلة علاج بين المستشفيات في مصر وألمانيا زادت عن عام كان فيها الأب والراعي ، ستبقى دائما في ذاكرتنا وقلوبنا وصلاتنا ، وداعا نيافة الأنبا كيرلس وليم".