مع نياحة أحد أحبار الكنيسة القبطية الكاثوليكية الكبار خلال العقود الثلاثة الماضية، أبينا مثلث الرحمات الانبا كيرلس وليم مطران الاقباط الكاثوليك الشرفي باسيوط، يرحل جيل من الاباء المطارنة الكاثوليك الذين اضفوا واضافوا الكثير إلى الهوية القبطية الكاثوليكية المصرية مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، حتى ان احد الاباء اليسوعيين في مصر يرى اثرهم الممتد على الكنيسة الكاثوليكية بتكوين جيل من الاباء الكهنة الاقباط ربما اقوى من الجماعات الرهبانية الكبرى والمرسلة بمصر كالاباء اليسوعيين والاباء الفرنسيسكان.
شهد العاملين الماضيين نياحة الاباء مثلث الرحمات الانبا يوحنا قلته، احد العلامات اللاهوتية والدينية الكاثوليكية البارزة والذي استطاع من خلال دراسته للاهوت الإسلامي والمسيحي على السواء من الارتقاء بالحوار الإسلامي الكاثوليكي في مصر على مدار عقود من الصداقة التي كانت تجمع بينه وبين العديد والعديد من رجال الأزهر الشريف وعلماءه الاجلاء. ثم رحل الاب البطريرك الكاردينال انطونيوس نجيب الذي ساهم في التعبير عن الهوية القبطية الكاثوليكية بقوة خارج مصر وبصفة خاصة مع دوره الفارق في تنظيم أعمال سينودس اساقفة الشرق الأوسط في العام 2010 ما دفع البابا الراحل بنيدكتوس السادس عشر إلى تسميته كاردينالا للكنيسة الجامعة، ومن ثم عاصر الكاردينال الراحل مجمع انتخاب قداسة البابا فرنسيس بروما في العام 2013، بالاضافة الى الدور الرعوي والتربوي الذي كان يقوم به قبل اختياره بطريرك للاقباط الكاثوليك بمصر وقتما كان مطرانا بالمنيا.
بالنسبة لابونا المتنيح الانبا كيرلس وليم، فلعلة الرجل الذي كان يجمع في شخصه بين ما للانبا يوحنا قلته من علوم لاهوتية ودينية وكنسية وبين ما للكاردينال انطونيوس نجيب من رعاية وإدارة وتنمية روحية واجتماعية وايبارشية خدم من خلالها الكنيسة الكاثوليكية بمصر وليس فقط الكنيسة والمجتمع بمحافظة اسيوط.
لا يمكن أن ينسى الاقباط الكاثوليك بأسيوط الذين عاصروا هذا الحبر الجليل كيف كان بشوشا بسيطا متضعا مرحبا مدبرا صبورا على ضيقات شتى،باعث للدعوات الكهنوتية والرهبانية، داعم للعمل الرعوي والارسالي، مشجع على البحث والدراسة والتكوين، متعمق في دراسة علوم وقوانين الكنيسة وآداب ولاهوت الكتاب المقدس، صديق لكافة أطياف المجتمع بأسيوط من المسلمين والقادة المحليين والمسيحين غير الكاثوليك، متبني لمبادرات السلام والتنمية والانفتاح والحوار.
لا يغيب عن متابعي الشأن الكاثوليكي في مصر ان الاباء المطارنة المنضمين لسينودس اساقفة الكنيسة الكاثولكية في مصر خلال السنوات الخمسة الاخيرةوهم نيافة الانبا دانيال لطفي مطران اسيوط، ونيافة الانبا بولا شفيق مطران الاسماعيلية، ونيافة الانبا مرقس وليم مطران القوصية القادم هم جميعهم من الاباء الذين تلامسوا وتعايشوا مع نموذج خدمة مثلث الرحمات الانبا كيرلس وليم، لا بل يرى البعض بأن ثلاثتهم نالوا تزكية اسقفيتهم بحضور ورعاية ونموذج خدمة الانبا كيرلس وليم شخصياً.
لا يزال الروح القدس يعمل في الكنيسة وفي خدامها، فمع انتقال الانبا كيرلس وليم للأخدار السماوية صباح يوم الخميس ١١ مايو ٢٠٢٣، تمت سلامة المطران الانبا بولا شفيق مطرانا للاقباط الكاثوليك بالاسماعيلية وتوابعها في ذات النهار. ربما ذهب جيل من العمالقة من آباء الكنيسة الكاثوليكية في مصر خلال العقود الماضية اجتهدوا بكل أمانة في خدمة الرسالة والتكوين والخير العام، اصابوا فيما اصابوا واخفقوا فيما اخفقوا، ولكن يبقى عمل الروح القدس متجدداً في من يخلفهم من الاباء المطارنة الجدد ممن ينتظرهم الكثير والكثير من إرث غني ومن فرص وتحديات لتعزيز الهوية والحضور والارسالية الكاثوليكية بمصر.