استقبل البابا فرنسيس اليوم السبت سفراء كل من ايسلندا، بنغلادش، سوريا، غامبيا وكازاخستان لمناسبة تقديم أوراق اعتمادهم. وفي بداية كلمته رحب البابا فرنسيس بهم طالبا منهم نقل تحياته إلى قادة بلدانهم وتأكيد صلاته من أجلهم في قيامهم بخدمتهم الرفيعة، وتابع البابا فرنسيس أنه يتوجه بفكره بشكل خاص إلى الشعب السوري الحبيب الذي لا يزال يتعافى من الزلزال العنيف الذي ضرب البلاد مؤخرا وذلك وسط المعاناة المتواصلة بسبب النزاع المسلح.
ثم انتقل إلى الحديث عن الوضع الحالي للعالم وقال إن حتى نظرة سطحية يمكنها أن تجعلنا نشعر بالضيق والإحباط، وأشار في هذا السياق على سبيل المثال إلى السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ميانمار، لبنان والقدس، تحدث أيضا عن مواصلة هايتي المعاناة من أزمة اجتماعية واقتصادية وإنسانية خطيرة، ثم توقف عند الحرب الدائرة في أوكرانيا وما تسفر عنه من آلام وموت. وواصل البابا مشيرا أيضا إلى تزايد الهجرة القسرية وإلى التغيرات المناخية وإلى الأعداد الكبيرة من أخوتنا وأخواتنا في جميع أنحاء العالم الذين ما زالوا يعيشون في فقر بسبب عدم التمكن من الحصول على المياه الصالحة للشرب والغذاء والخدمات الصحية الأساسية والتعليم والعمل الكريم، هناك بدون شك عدم توازن متنامٍ في النظام الاقتصادي العالمي، قال الأب الأقدس.
ثم تساءل البابا فرنسيس: متى سنتعلم من التاريخ أن العنف والظلم والمطامع التي لا تُكبح للاستيلاء على الأراضي لا تخدم الخير العام ؟ متى سنتعلم أن التركيز على خير الأشخاص هو دائما أفضل من إنفاق الموارد في إنتاج أسلحة فتاكة؟ متى سنتعلم أن الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والأمنية هي كلها مترابطة؟ متى سنتعلم أننا عائلة بشرية واحدة يمكنها أن تزدهر بالفعل فقط حين يتمتع جميع أعضائها بالاحترام والرعاية ويكونون قادرين على تقديم إسهامهم بشكل متفرد؟ وتابع قداسته أننا ما لم نصل إلى هذا الوعي فسنواصل عيش ما يسميها حربا عالمية ثالثة مجزأة، وهذا تعبير قد يبدو مزعجا لحساسيتنا، قال البابا فرنسيس، وفي المقام الأول لرضانا عما تم بلوغه من تطورات تكنولوجية وعلمية كبيرة أو تحقيقه من خطوات لمواجهة القضايا الاجتماعية وتطوير القانون الدولي. ورغم كون هذه كلها نتائج جديرة بالإشادة، فعلينا ألا نشعر أبدا بالرضا، أو وأسوأ من هذا باللامبالاة، إزاء الأوضاع الحالية للعالم، أو عدم تمكين أخوتنا وأخواتنا جميعا من الاستفادة من هذه المكاسب والتطورات.
وتابع قداسة البابا أن علينا أيضا أن نكون متفائلين وعازمين على الإيمان بأن العائلة البشرية هي قادرة على أن تواجه بنجاح تحديات زمننا، ومن هذا المنطلق فللنظر إلى الخدمات التي أنتم مدعوون للقيام بها كسفراء، قال البابا لضيوفه، وتابع مشيرا إلى أن وظيفة السفير هي قديمة ونبيلة وقد تحدث عنها حتى بولس الرسول حين استخدم كلمة سفراء لوصف مَن يعلنون إنجيل يسوع المسيح، وأراد الأب الأقدس في هذا السياق أن يتقاسم مع ضيوفه بعض التأملات حول قدرة السفراء على أن يكونوا، بفضل كونهم رجال ونساء حوار وبناة للجسور، مصدر رجاء في أن بالإمكان أن تكون هناك أرضية مشتركة وذلك لأننا جميعا أعضاء في العائلة البشرية، وأن بالإمكان تفادي اندلاع نزاع أو أنه من الممكن حله سلميا، رجاء في أن السلام ليس حلما يستحيل تحقيقه، وتابع البابا فرنسيس أن السفير، وخلال مواصلة خدمة بلده بأمانة، يحاول أن يضع جانبا المشاعر السطحية وأن يتجاوز المواقف الراسخة للتوصل إلى حلول مقبولة، وليس هذا واجبا سهلا بالتأكيد، أضاف قداسته، وواصل أن الوضع العالمي الحالي يشدد بشكل أكبر على ضرورة أن يكون السفراء وزملاؤهم صانعي حوار ورواد رجاء.
ثم أعرب البابا فرنسيس في كلمته إلى السفراء الجدد عن تثمين الدور الهام الذي يقوم به السفراء، وهو ما يؤكده الكرسي الرسولي من خلال التزامه الدبلوماسي على الأصعدة الثنائية ومتعددة الأطراف. وأضاف قداسته أن الكرسي الرسولي، وفي تماشٍ مع طبيعته ورسالته الخاصة، يلتزم بحماية كرامة كل شخص والتي لا يمكن المساس بها، وبتعزيز الخير العام والأخوّة بين جميع الشعوب، وأضاف أن هذه الجهود، والتي لا تنطلق من أهداف سياسية أو تجارية أو عسكرية، يتم القيام بها من خلال حيادية إيجابية لا حيادية أخلاقية فقط وخاصة أمام المعاناة البشرية، وهذا يمنح الكرسي الرسولي وضعا محددا في الجماعة الدولية يمَكنه من أن يساهم بشكل أفضل في حل النزاعات وفي قضايا أخرى.
وفي ختام كلمته أعرب البابا فرنسيس عن ثقته في أنه ستتوفر للسفراء الجدد فرص كثيرة للتعاون مع الكرسي الرسولي في مواضيع ذات اهتمام مشترك، وأكد قداسته في هذا السياق استعداد أمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان ودوائر ومكاتب الكرسي الرسولي للالتزام في حوار منفتح وصادق معهم، والتعاون من أجل تحسين أوضاع العائلة البشرية، ثم استمطر البابا على الجميع وعائلاتهم والعاملين معهم فيض البركات الإلهية.