«عدوان إسرائيلي على غزة».. هذه جملة مألوفة لدى الإنسان العربي، فقد ترددت على الأسماع سنوات بعد سنوات، من أثر اعتداءات الاحتلال المستمرة طوال العقود الماضية على "الإنسان" في فلسطين، فهو الضحية الأولى حينما تنطلق الرصاصات من كل جانب، وكانت آخر جولات آلة القتل الإسرائيلية المستهدفة للإنسان الفلسطيني منتصف الأسبوع الماضي، وكان لها بالغ الأثر في تأزيم حياة المواطن الفلسطيني في غزة.
ودوما ما تبدأ إسرائيل حصاد شهداء فلسطين من الجو، والإجراء التالي لذلك على الأرض هو إغلاق المعابر التي تنقل المرضى والبضائع من وإلى القطاع، الذي يحيا فيه ٢.٣ مليون نسمة على مساحة جغرافية لا تزيد مساحتها على ٣٦٥ كيلومترا مربعا.
وذكرت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية أن إغلاق المعابر بين إسرائيل وقطاع غزة سيكون له تأثير كبير على الوضع الاقتصادي، حيث تعتبر حركة البضائع والأشخاص أمرا بالغ الأهمية لسير الاقتصاد المحلي، ومع الإغلاق الفعلي، ستعاني الشركات.
وحذر نائب المتحدث الرسمي باسم منظمة الأمم المتحدة، فرحان حق، من العواقب الوخيمة لإغلاق المعابر الحدودية مع غزة، مؤكدا مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي، أن إغلاق المعابر الحدودية أدى إلى تقليص توليد الكهرباء، كما منع هذا الإغلاق دخول نحو ٦٠٠ شاحنة محملة بسلع حيوية، مثل الغذاء والإمدادات الطبية والوقود.
وتسبب إغلاق معبر بيت حانون شمال قطاع غزة لمدة ٣ أيام فقط في حرمان ٢٩٢ مريض ومرافقيهم، غالبيتهم مرضى أورام، إضافة إلى١٥ حالة إنقاذ حياة من المغادرة للعلاج في مستشفيات القدس المحتلة والضفة الغربية.
ويأتي إغلاق معبر بيت حانون، أمام المرضى ليكتمل مثلث المعاناة، حيث يحتجز الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من ١٨ شهرا الأجهزة الطبية التشخيصية بالإضافة إلى عرقلة إدخال الأدوية والمهام الطبية.
وحذرت غرفة تجارة وصناعة وزراعة غزة من خطورة التداعيات الكارثية المترتبة على كافة القطاعات جراء مواصلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي للعدوان وإغلاق المعابر.
وأكد رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة وزراعة محافظة غزة المهندس عائد أبو رمضان في بيان صحفي الخميس الماضي، أن استمرار العدوان وإغلاق المعابر سيفاقم من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية نتيجة لاستمرار الحصار الإسرائيلي منذ ما يزيد على ١٦ عامًا، لافتا الى أن المؤشرات كافة تشير إلى خطورة ذلك وعلى رأسها معدلات البطالة التي تجاوزت ٥٠٪.
وأوضح "أبو رمضان" أن استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم من شأنه أن يؤدي إلى نقص شديد في السلع والبضائع، ويحول دون دخول الشاحنات لقطاع غزة، لافتًا الى أن القطاعات الصناعية المختلفة تعاني من عدم قدرة العمال للوصول لأماكن عملهم بسبب العدوان وتردي الحالة الأمنية.
وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف خلال عدوانه المتواصل العديد من الأراضي الزراعية، وتسبب باستشهاد أحد المزارعين والعديد من الإصابات، مؤكدا أن معظم الأراضي الزراعية تقع في المناطق الحدودية ويستحيل الوصول إليها بسبب استمرار العدوان، الأمر الذي يتسبب بتلف المزروعات.
وقالت وكالة أسوشيتد برس في تقريرها المنشور بعد يوم من بدء العدوان الإسرائيلي، إنه لن يتمكن سكان غزة من الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل في إسرائيل، وسيؤدي هذا النقص في الوصول إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الأليمة بالفعل في المنطقة.
وفي نفس السياق، أكدت وسائل إعلام فلسطينية أن الاحتلال الإسرائيلي واصل إغلاق معبر كرم ابو سالم لمدة ٣ أيام ويعتبر معبر كرم أبو سالم المنفذ الرئيسي لتلبية احتياجات قطاع غزة بنسبة تصل إلى ٨٣٪ فيما يستورد القطاع باقي مستلزماته من الجانب المصري بنسبة ١٧٪.
وأعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" الثلاثاء الماضي، إغلاق المدارس ومراكز التدريب في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، فقد أصدر مجلس الاجتهاد الفقهي بوزارة الأوقاف الفلسطينية بيانا الخميس الماضي، أكدت فيه أن الخوف يعد عذرًا للتخلف عن صلاة الجماعة اتفاقًا، وعليه " يجوز للمصلين أداء الصلوات المفروضة في بيوتهم في ظل التصعيد الصهيوني، إذ إن الخوف عذر أشد من المطر".
وأوضحت "أسوشيتد برس" أنه ردا على الهجوم الإسرائيلي، أعربت القيادة في غزة عن رغبتها في تقليل الأضرار الاقتصادية وتأثيرها على السكان، وأنهم يدركون أن تكلفة أي تصعيد إضافي ستكون باهظة وستظهر في شكل ضرر يلحق بجميع جوانب الحياة فقد عانى سكان غزة بما فيه الكفاية، ولا يريدون أن يدفعوا ثمنا باهظا أكثر مما يتحملونه بالفعل.
ويدفع سكان غزة ثمن الصراع الطويل بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، وتتأثر دائما الضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء والكهرباء، إلى جانب التهديد المستمر بالعنف، من الاعتداءات الإسرائيلية ويتسبب في خسائر فادحة لسكان غزة.
وقالت الوكالة الأمريكية أنه لابد أن يدرك المجتمع الدولي خطورة الوضع في غزة وأن يتخذ إجراءات للتخفيف من معاناة الناس، ويمكن القيام بذلك من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز الحوار بين الجانبين، والسعي للتوصل إلى اتفاق سلام دائم.
واختتمت أسوشيتد برس تقريرها، بالتأكيد على أن الهجوم الأخير لسلاح الجو الإسرائيلي على حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين سيكون له عواقب بعيدة المدى على سكان غزة، وأن إغلاق المعابر وما ينتج عنه من أضرار اقتصادية لن يؤدي إلا إلى زيادة الوضع المتردي بالفعل في المنطقة. ويطالب سكان غزة بإنهاء العنف وإبرام اتفاقية سلام دائم تسمح لهم بإعادة بناء حياتهم ومجتمعاتهم، وقد حان الوقت لأن يستمع المجتمع الدولي ويتخذ إجراءات لتخفيف معاناة سكان غزة.
ويعاني قطاع غزة، حتى في الأيام الهادئة، حيث حذرت وكالة غوث اللاجئين الفلسطيني في مستهل العام الجاري، من المعاناة التي سيواجهها الشعب الفلسطيني خلال ٢٠٢٣ حيث أوضحت لين هاستنيجر منسقة الشؤون الإنسانية أن ١.٣ مليون من سكان قطاع غزة في حاجة إلى المساعدات الإنسانية في الوقت الذي يحتاج فيه ٨٠٠ ألف نسمة من سكان الضفة الغربية المحتلة إلى المساعدات الإنسانية التي تقدمها المؤسسات الأممية.
وشددت هاستنيجر خلال مؤتمر صحفي في غزة نهاية يناير الماضي، على أن التمويل المتوافر لعمل المؤسسات الأممية، ومن ضمنها أونروا في الأراضي الفلسطينية غير كافٍ، لافتة إلى أن خطة الاحتياجات الإنسانية لعام ٢٠٢٢ موّلها المانحون والشركاء الدوليون بنسبة ٧٠٪.
وأوضحت هاستنيجر، أن قرابة ٢.١ مليون فلسطيني في شتى الأراضي الفلسطينية المحتلة سيحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية خلال العام الجاري ٢٠٢٣.