الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

تامر أفندي يواصل حلقات السلطنة "19".. أم كلثوم تُغني من كلمات شيخ الأزهر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ليست كل العمائم غمائم، فهناك نسائم كانت كحمائم حملت بلاغة الأدب، وضعت الكلمة في مكانتها فجمعت معاني الدين والدين وأعطت القلوب والألباب سطرا لمن إذا شاء كتب.

هذا ما وقع عليه اختياري وأستغفر الله مما جرى به القلم في غير طاعة الباري، والشعراء في كل وادٍ يهيمون، وأعوذ بالله من قوم لا يشعرون، وأرجو من الله تعالى أن يصونه من غبي يهدم جمال مبانيه؛ فتنسد عليه أبواب معانيه، ويطفف كيل تلك الأوزان؛ فيغير الوجوه الحسان، ولكن سنة الله في الذين خلوا ولا يدفع الأقدار «ليت ولو»، وعلى الله تعالى الاعتماد، في المبدأ والمعاد».
بتلك الكلمات اختتم الشيخ عبد الله الشبراوي ديوانه «منائح الألطاف في مدائح الأشراف»،والذي قال عنه الشاعر الراحل سعد عبد الرحمن في مقال سابق له نُشر بمجلة "أدب ونقد"، ونقلته بعض المواقع الإخبارية، أنه اقتنى هذا الديوان من سور الأزبكية في أواخر السبعينيات.  
ويقول الشيخ الشبراوي في مقدمة ديوانه: «هذا ديوان شعر نسج فكري برده، وقدحت رويتي زنده، وكنت أود أني لست في هذا الشأن مذكورًا (أي لم يكن لي ذكر في أمر الشعر)، ولكن كان ذلك في الكتاب مسطورًا، ولعمري من عرض عقله على الناس فهو لسهام الناس برجاس، ولابد من قادح ومادح».
الجدير بالذكر، أن الشيخ الشبراوي تولى مشيخة الجامع الأزهر، ما يقرب من خمسة وثلاثين عاما وهي أطول مدة تولاها شيخ في هذا المنصب الجليل.
ويعد الشبراوي من أشهر شعراء عصره ويتميز شعره بسلاسة الأسلوب التي تتجلى في بساطة العبارة وسهولة الألفاظ وتجنب الحوشي والمهجور من المفردات والتراكيب، وعلى ما كان له من مكانة دينية رفيعة وما كان عليه من هيبة ومهابة فإن هذا لم يمنعه من أن يكون شاعرا غزلا رقيقا، ويتسم غزل الشيخ الشبراوي بصفة خاصة بالرهافة والعذوبة ومن أرق غزلياته في الديوان قصيدته الشهيرة «وحقك أنت المنى والطلب»  وتقول كلماتها:


وحقـــك أنـــت المــنى والطلب
وأنــــت المـراد وأنــت الأرب
و لي فيــــك يا هاجري صبـوة 
تحيـــر في وصفها كـــل صب
أبيــــت أسامــــر نجــــم السما 
إذا لاح لي في الدجـى أو غرب
وأعرض عن عاذلي في هواك 
إذا نـــــم يا منيـــــــتي أو عتب
أمــــولاي بالله رفـــــــقا بمــن 
إليـــــك بـذل الغــــــرام انتسب
وقد تغنت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، في مطلع مسيرتها الفنية إبان العشرينيات من القرن الماضي بالقصيدة البديعة التي لحنها وتغنى بها وسجلها على إسطوانة أستاذها الأول الشيخ أبو العلا محمد؛ «لحنها من مقام السيكا» وغناها، وقد سجلت أم كلثوم القصيدة على أسطوانة لشركة جرامفون عام 1926، وكانت تعاقدت مع شركة جرامفون في نفس العام  نظير مبلغ  80 جنيها في كل أسطوانة اي ما يعادل 400 دولار آنذاك.

كانت القصيدة التي غناها الشيخ أبو العلا، سببا في شهرته قبل أن تغنيها ثومة، وكان وغيره ينهلون من نبع واحد كتاب"سفينة شهاب" لمؤلفه السيد محمد شهاب الدين المتوفى في 1857 ويضم 350 موشحا متنوعة المقامات والإيقاعات تمثل جزءا مهما من فن الموسيقى لدى العرب.

ويـــا هاجري بعد ذاك الرضا
بـحـقك قــل لي لهذا ســــــبب
فاني حســـــيبك مــن ذا الجفا
ويا ســــيدي أنت أهل الحسب
فاني محب كــــمــا قد عهدت
ولــكن حبك شــــيء عــجــب
ومثلك مــا ينبغي أن يـــــصد
ويهجر صبا لـــــه قـــد أحب
أشــــاهد فيك الـجمـال البديـع
فيأخذني عــنـد ذاك الـطرب
ويـعجبني منك حســـن القوام
ولين الـــكـــلام وفـرط الأدب
وحســـــبك انـك أنــت المليح الكريم
الجدود العريق النسـب
أمــا والذي زان منك الــجبين
وأودع فـي اللحظ بنت العنب
وأنبت في الخد روض الجمال
ولـــكن ســــــقاه بـماء اللهب
لئن جدت أو جرت أنت المراد
ومالي ســـــــواك مليح يحب

ويقول الناقد الفني حنفي المحلاوي، في كتابه شعراء أم كلثوم أن السنوات الأولى للقرن العشرين شهدت تواجدا كبيرا للشيخ الشبراوي داخل مقاهي ومسارح الأزبكية وذلك من خلال ما كان يكتبه من أشعار يتغنى بها كبار المطربين.

ومما قيل  في شأن الشيخ الشبراوي بخصوص حبه للأدب وكتابة الأشعار ما ذكره الأديب المؤرخ محمد سيد كيلاني حيث قال: لقد شب على حب الموسيقى والغناء فكان ينظم المقطوعات الغنائية الرقيقة ويتغنى بها، واقبل المغنون عليه يسمعون منه الأغانى العاطفية فأجاب رغبتهم،وانتشرت أغانيه بين العامة والخاصة وأرباب الفن، والغريب ان ثومة التي دأبت على تغيير كلمات وربما حذف وإضافة أبيات في قصائد شعرائها لم تغير حرفا واحدا في القصيدة كعادتها إلا أنها تغنت ب16 بيتا وتركت البيت الأخير دون أسباب. 
وللشبراوي غير شعر الغزل أشعارًا كثيرة في سيدنا الحسين والأشراف، فهو صاحب المواهب المتعددة في أستاذية العلوم الأزهرية،  فهو فقيه وأصولي وهو محدث ومتكلم، وبمعيار التفوق في القدرات العلمية تجتمع في الشيخ الشبراوي مجموعة من قيم الأستاذية العلمية في المعاهد الكبرى، فهو قادر على التأليف، وقادر على صياغة التأليف في أشكال متعددة كما أنه كان قادرا على التفوق على معاصريه في علوم عصره، وبهذا عاش مدة طويلة في منصبه مستندًا إلى علمه.