يعتبر مركز أبو ظبى للغة العربية من أهم الصروح الثقافية فى الوطن العربى والتابع لدائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، إذ وضع نصب عينيه إصدار قانون رئيس الدولة بتدشينه للحفاظ على اللغة العربية، وذلك لتعزيز التواصل الحضارى وإتقان اللغة على المستويين المحلى والدولي، هذا بالإضافة إلى دعم المواهب العربية فى مجالات الكتابة والترجمة والنشر والبحث العلمى وصناعة المحتوى المرئى والمسموع وتنظيم معارض الكتب.
وكان لـ «البوابة» حوار مع الدكتور على بن تميم رئيس مركز أبوظبى للغة العربية للوقوف على أبرز إسهامات المركز فى مجال الترجمة والنشر وتعميق أواصل التواصل مع الآخر، حيث تولى الدكتور عبى بن تميم مهام قيادة المركز والإشراف الاستراتيجى على تحقيق أهدافه، المتمثلة فى النهوض باللغة العربية وتطويرها بما يواكب متطلبات العصر، والمحافظة فى الوقت ذاته على مكانتها بين اللغات الرائدة.
حيث يُعد مشروع «كلمة» التابع لمركز أبوظبى للغة العربية من المشروعات الرائدة فى مجال الترجمة، وحظى بالعشرات من الكتب التى تم ترجمتها فى مختلف فروع المعرفة، وأصبح المشروع من المشروعات الرائدة، كما أن المشروع لم يتوقف عند حد الترجمة فقط وإنما أيضًا أسهم فى دعم بعض دور النشر العربية فى ترجمة بعض الإصدارات من خلال الشراكة معهم.
فتناول اللقاء آراء عن وضع الترجمة واللغة العربية بالوطن العربى وأهم التحديات التى تواجه كل منها هذا إلى جانب الدور والرؤية الخاصة بمركز أبوظبى للغة العربية، والتى وقف خلال هذا الحوار على أهم تلك التحديات وكيفية الخروج من تلك الإشكاليات وسبل التعاون والتواصل مع الجهات الأخرى وإلى نص الحوار.
■ فى البداية.. حدثنا عن الترجمة والتحديات التى قد تواجه الهوية العربية من خلال ما يتم ترجمته عن الآخر؟
مسألة الهوية هى مسألة شائكة ويجب أن نشير أولًا إلى أن الهوية متغيرة ومرنة ومتحولة، على أن ما يتصل بالترجمة ومفهومها وأنها ليست نقل كتاب من لغة إلى أخرى وإنما من نظام ثقافى إلى نظام ثقافى آخر، وفى هذا الانتقال تتغير الأمور وتتبدل بما يستجيب إلى جماليات التلقى فى اللغة الثانية التى ينتقل إليها الكتاب.
وعلى هذا النحو نؤكد على أن الترجمة أول الأمر يجب أن يكون لدينا رؤية واضحة فقبل أن ننقل إلى اللغات الأخرى، يجب أن نتساءل عن ماذا سنترجم؟ وأن ما يجرى فى اللغات الأخرى من بحث علمى أهم بكثير مما يجرى فى الثقافة العربية، -فعلى سبيل المثال– نجد أن اللغة الإنجليزية تحظى بأكثر من ٩٥٪ من نسبة التأليف العالمي، أما فى اللغة العربية فلدينا إسهام قليل جدًا، وعلى الرغم من قلة هذا الإسهام يجب أن نلفت النظر إلى بعض الأمور ومنها ما مدى مصداقية، ومدى دقته العلمية وموضوعيته ومدى خلوه من الأخطاء، كل تلك الأمور يجب أن توضع فى الحسبان.
■ فى رأيك ما هى الموضوعات التى يجب أن نترجمها إلى اللغات الأخرى؟
بالنسبة لموضوع الترجمات من العربية إلى اللغات الأجنبية فيجب أولًا أن نختار ناشرا عالميا مهما، كما أنه لابد من اختيار المترجمين المُهمين، فلا ينبغى أن يتم الاختيار عشوائيًّا، فالترجمة ليست وظيفة تبشيرية، أو نقلا، فالترجمة أتت من فعل «رجم» بمعنى أننا نرجم قيم فى ثقافة، أن نجعل الثقافة تدخل إلى العالم الذى تنقل إليه وبقوة، وأن نضع نصب أعيننا قيمة الاختلاف، ويقوم على استضافة القيم الأخرى جنبا إلى جنب قيمنا فتتعرف عليها ونتعرف على الآخر، وإلا إذا أردت آخر يشبهك بقيمه ومواقفه، إذن فنحن أمام تساؤل آخر ألا وهو لماذا نترجم إذن؟
فمن وجهة نظرى أن الترجمة يجب ألا تخضع إلى أى بُعد أيدولوجي، وإنما الأبعاد التى تتحكم فيها هى القيم العلمية والقيم المعرفية والجمالية، فقط هى التى تتحكم فينا وتخلق توجهنا.
التفاعل مع الآخر
فوسيلتنا للتفاعل مع الآخر هى الترجمة وأن الترجمة جسر إلى الحضارات الأخرى وأننا بحاجة إلى ننقل تراثنا وثقافتنا بقدر الإمكان إلى الثقافات الأخرى ولكن يجب أن يتم ذلك عن طريق دور النشر الكبيرة وأن يتم فى إطار الجامعات، -فعلى سبيل المثال- هناك جامعة نيويورك لديها مكتبة تسمى «المكتبة العربية» والتى تحوى مئات الكتب الأدبية والتراثية والتى تُرجمت إلى اللغة الإنجليزية عبر ترجمة مرموقة والتى تكلفت ملايين من الدعم، ومن الجيد أن نؤكد من خلال الترجمة على البُعد الرأسمالى والاقتصادى فى أن يكون فى المنزلة الثانية أو الثالثة وأن يكون البُعد الثقافى والعلمى هو المتحكم بنا.
اختيار الترجمة
كما أننا يجب أن نختار ماذا نترجم؟ وكيف يمكن أن نضع من الخطط وما هى النصوص التى تُرجمت وتستحق أن تعاد تُترجم مرة أخرى، وحتى ننقل الأدب المعاصر ينبغى أن يكون لدينا دور نشر وأكاديميات عالمية تنقل وتُترجم هذا الكتاب وإلا سيظل حبيس الأدراج، ونظل نحاور أنفسنا، وهذا لن يتحقق إلا بوجود جوائز تُسلط الضوء على هذا الإبداع، وهو ما يتحقق بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» حيث تُسلط الضوء على مجموعة من الروايات العربية، وهذا مثلما تفعل بعض الجوائز الأخرى والتى تتيح الفرصة للأدباء من خلال الجوائز لتسليط الضوء على أعمالهم، كما أننا يجب أن نفكر فى الترجمة إلى اللغات الأخرى، فهناك ناشر حديث يهتم بتلقى الثقافة العربية.
تحديات اللغة العربية
ما أهم التحديات التى تواجه اللغة العربية وكيف نعمل على الحد منها؟
فى الواقع إن التحديات التى تواجه اللغة العربية فى كل بيئة تختلف عن الأخرى، صحيح أن هناك اختلافات، لكن بها تشابهات، فمثلًا التحديات التى تواجه اللغة فى القاهرة تختلف عن أبوظبى تختلف عن التحديات فى الرياض أو دمشق أو بغداد أو طربلس، ومن ثم يجب أن نعرف خصوصية بيئة كل عاصمة فى دولة من الدول وهذا ما تفعله المجامع العربية، وأنا أرى أن التنوع أفضل من التوحيد، فتنوع المقاربات أفضل من أن تجعل هناك مقاربة واحدة أو حل واحد لكل تلك الجهات.
تنسيق الجهود
وأنه لا بد من عملية تنسيق الجهود ولكن فى إطار التعدد، لأن مسألة التحديات التى تواجه اللغة العربية تختلف باختلاف الوسيط أى أن التحديات التى تواجه اللغة العربية فى التعليم تختلف عنها فى القطاع الرقمي، وأيضًا تختلف عند الشباب، وأيضًا ما تواجهه فى الجامعات وفى البحث العلمى.
وأيضًا هناك منسوب ضعيف جدًا من البحوث الأكاديمية فى الجامعات، كما أن هناك منسوب ضعيف جدًا لحضور اللغة العربية فى المنصات الرقمية، ويضعف ذلك أكثر ما نشاهده فى القنوات الفضائية واستخداماتها للغة العربية.
شبكة الإنترنت وتحدى اللغة العربية
وإذا أتينا إلى التحديات التى تواجه اللغة العربية على شبكة الإنترنت وهذا المحتوى المتواجد فيه نجد أمامنا تساؤلًا آخر وهو ما مصداقية هذا المحتوى؟ وما مدى دقته؟ وما هى قيمته العلمية والمعرفية؟ وإذا ما قارناها بمسألة الصواب والخطأ، وبالتالى فنحن فى حاجة بالإضافة إلى مضاعفة الجهود للتقنيات التكنولوجية والمعاجم الإلكترونية والتطبيقات التفاعلية التى تستهدف الشباب، وهذا يتطلب منا وجود منصات ومنح تدعم البحث العلمى فى هذا الجانب.
لافتًا إلى أن التحديات التى تواجه اللغة العربية الآن، أولًا هو ما يقوم به الشباب بالكتابة بطريقة "الفرانكوا أرب" والذى يتم فيها تحويل الأبجدية العربية إلى حروف وأرقام إنجليزية، والأمر الآخر هو عزوف بعض الشباب العربى عن التحدث باللغة العربية والتفكير باللغة العربية فالآن صار الشباب العربى يفكر أيضًا باللغة الإنجليزية، والتحدى الثالث وهو وجود بعض المدارس غير العربية التى توجد داخل دولنا العربية ولا تدرس اللغة العربية إلا قليلا بمعنى آخر أنها تقوم بتدريس اللغة العربية على استحياء.
مركز أبو ظبى وتضافر الجهود
■ كيف ترى وضع الترجمة فى الوطن العربى فى الوقت الراهن؟
هناك جهات أخرى فى الوطن العربى قدمت جهودا كبيرة فى قطاع الترجمة على مستوى الوطن العربى ومنها المركز القومى بالترجمة والذى يمتاز باختياراته الممتازة، وأتصور أن قائمة إعداد المترجمين هى قائمة مهمة جدًا والتى من مهمتا أن يكون الإنتاج نوعيا، وبالتالى الاختيار مهم والتنسيق مهم ودعم المترجمين مهم جدًا.