في خضم أيام تطالعنا صباحًا ومساءً بالحروب والنزاعات والقلق والاضطراب والغلاء وفقدان اليقين في اي شيء، وبالنسبة للبعض ربما في كل شيء، يطل على الاقباط المصريين، الارثوذكس والكاثوليك منهم رجلان يحملان الرجاء بالمحبة على الرغم من كثرة ما يتعرض له كلاً منهم من تحديات فيما يتصل بنمط قيادة كلاً منهما للكنيسة بروما وبالإسكندرية، وبصفة خاصة مع رفض بعض التيارات المتشددة لأية تقارب بين الكنائس او لأية محاولات إصلاح كنيسة ربما تزيح موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام من هيكل الله المقدس.
لا يمكن قراءة زيارة الحبر الأعظم للكنيسة الأرثوذكسية تواضروس الثاني للاعتاب الرسولية بروما تلبية لدعو اخيه خليفة الرسول بطرس فرنسيس، بشكل منعزل عن ما يجتازه العالم من حرب عالمية على اجزاء بحسب وصف البابا فرنسيس بين العدوان الروسي على اوكرانيا والنزاعات الاقليمية بالشرق الاوسط واحدثها بالسودان وقبله اليمن وسوريا واشتعال الازمة في الاراضي المحتلة والنزاعات المسلحة في افريقيا. هذا بالاضافة الى ارتفاع معدلات التضخم والازمات الاقتصادية والمالية المصاحبة لها على مختلف دول العالم حيث البشر في جميع الاسقاع باتوا في امس الحاجة الى طيف من الرجاء يقودهم الى العمل من اجل الافضل الذي ربما لا يسهل الوصول اليه في مثل هذه اوقات، والمصريين ليسوا بعيدين عن كل هذا الذي يجري.
ربما هناك من علامات الرجاء للمصريين تلك التي حملتها مقابلة خدام الكنيسة فرنسيس وتواضروس للمصريين اليوم بساحة القديس بطرس بالفاتيكان صباح اليوم الاربعاء العاشر من مايو 2023 والتي يمكن ملامسة بعضها كالتالي:
العلامة الاولى وهي ربما علامة تاريخية، فحيث يحتفل الباباوان فرنسيس وتواضروس الثاني بمرور خمسين عاماً على توقيع الاتفاق بشأن طبيعة المسيح بين الباباوان بولس السادس وبولس الثاني في العام 1973، غير انه بعد هذا الاتفاق لم يتقابل قادة الكنيستان مره اخرى بعد ذلك سوى في العام 2000 عندما زار القديس البابا يوحنا بولس الثاني مصر وتقابل يومها مع المتنيح البابا شنودة الثالث اي بعد حوال 27 عاماً من مقابلة بولس السادس وشنودة الثالث بروما، وبمعدل مقابلتان كل 30 سنة تقريباً. علامة الرجاء التي يحملها الرجلان فرنسيس وتواضروس اليوم هو انه بعد لقائهما معاً بالفاتيكان في العام 2013 بمبادرة من البابا تواضروس لتهنئة البابا فرنسيس تقابل الرجلان، ثم زيارة البابا فرنسيس لمصر في العام 2017،حتى مقابلة اليوم في 2023 بمتوسط ثلاثة مقابلات خلال عشر سنوات بالاضافة الى المكالمات الهاتفية شبه المستمرة والتزام كل منهما بالصلاة لاجل الاخر يومياً حسبما صرح البابا تواضروس يوم استقبال البابا فرنسيس في مصر في العام 2017. ربما استمع الباباوان لدعوة القديس يوحنا بولس الثاني يوم زيارته كحاج سلام لمصر عندما اكد ان الكنسيتان بحاجة الى المزيد من القاءات والمقابلات والتقارب فيما بينهما.
العلامة الثانية كانت السموات المفتوحة بالامطار الغزيرة قبيل بدء المقابلة العامة للبابا فرنسيس بحوالي الساعة والتي استمرت مع كلمات الباباوان للجموع المحتشدة بساحة القديس بطرس، صاحب الامطار وقبيل المقابلة بنصف ساعة تقريباً اصوات الالحان القبطية القوية التي لزمن الفصح والقيامة والتي ربما لاول مرة تصدح في ساحة القديس بطرس تاركة في نفس كل قبطي اثراً بالغاً من الفرح والاستبشار بخير قادم من السماوات في الامطار ورجلان يحملان معهما بشرى ساره من الكلمات المعزية.
العلامة الثالثة كانت خروج البابا تواضروس الثاني من الباب الكبير لكنيسة القديس بطرس الرسول والمطلة على ساحة القديس بطرس حيث وصل البابا فرنسيس بالعربة المغطاة لحمايته من الأمطار، لا يمكن تحديد من استقبل من منهم أو من كان بانتظار من منهم، غير ان المعانقة التي قام بها الباباوان ثم تقبيل البابا فرنسيس لأيقونة العذراء والدة الإله على صدر البابا تواضروس الذي كان ممسكاً بصليب منقوش عليه المسيح الغالب الموت والقائم من بين الاموات ثم ذراع البابا تواضروس المحتضن للبابا فرنسيس والابتسامة بينهما في حوار الترحيب يعكس الصداقة والصدق والمحبة والاتضاع والفرح بين رجلين يعرف كلاً منهما الاخر وغير غرباء عن بعضهما.
العلامة الرابعة كانت في كلمات خليفة القديس مرقص الرسول، البابا تواضروس الثاني التي خاطب بها البابا فرنسيس وجموع المحتشدين في ساحة القديس بطرس، مع الاخذ في الاعتبار ان هذه هي المرة الاولى التي يتحدث فيها احد القادة الكنسييين في محضر بابا روما وقت المقابلة العامة المخصصة للحبر الأعظم الروماني فقط. جاءت كلمات البابا تواضروس لتعكس رؤيته لقيمة البابا فرنسيس كرجل خادم للإنسانية. لكن البابا تواضروس لم يخفي محبته الخاصة للبابا تواضروس عندما استهل كلمته مخاطباً البابا فرنسيس بالأخ الحبيب، ومؤكداً على عمق هذه المحبة في كلمته عندما تذكر اوقات زيارته الاولى لروما من عشر سنوات، تلك الأوقات التي وصفها تواضروس بأوقات المحبة الاخوية الغامرة والتي بحسب بابا الاسكندرية باتت اختياراً للمسيحيين يسلكوه في سبيل انسنة العالم تلبية لنداء المسيح ورغبة قلبه التي تعكس اسمى سمات الله "المحبة".
ربما كلمات البابا تواضروس هذه عن المحبة ليست موجه الى البابا فرنسيس فقط بل هي موجهة في الاساس الى جموع الاقباط المصريين الذين اعتادوا الاستماع لعظات المحبة ولكن هموم العالم خنقت فاعليتها في حياتهم، ومن ثم اكد البابا تواضروس مخاطباً الجميع أننا كبشر وبصفة خاصة في مصر نسير معاً ونتعايش معا وكمسيحيين نصلي معاً على الرغم من اختلاف انتمائتنا، مؤكداً أنه حيث محبة المسيح تجمع الكل فالوعد بالحياة الابدية حي ومتجدد برجاء المحبة هذا.
طالب البابا تواضروس القادم من مصر أرض التاريخ والحضارة وفلتة الطبيعة ابنة التاريخ الاب والجغرافيا الام كما وصفها البابا تواضروس اليوم، طالب الجميع من أتباع الكنيستين بالتمسك بوعد المسيح المملوء رجاءاً فرحاً بالغلبة على شر العالم وضعفاته كما علم آباء الكنيسة المصرية الأوائل ومؤسسي الرهبنة الذين ذكرهم البابا تواضروس انطونيوس ومكاريوس وباخوميس، موصياً بأن نكون على قدر المسؤلية في الحياة كرائحة المسيح الذكية التي يشتاق العالم الى عطرها عوضاً عن رائحة الدم والبارود والحرب والنار والخراب التي اجتاحت اركان الارض.
العلامة الخامسة كان في كلمات البابا فرنسيس التي كانت مختصرة وعميقة اكد من خلالها خليفة القديس بطرس عما اكد عليه قبل ذلك مراراً كلما اجتمع بالبابا تواضروس وبصفة خاصة فيما يتعلق بوحدانية دم الشهداء التي تربط الكنيستين معاً، غير ان البابا فرنسيس وبصفة خاصة اليوم خاطب جموع المحتشدين بساحة القديس بطرس من الكاثوليك مشيراً الي نفسه كحبر اعظم للكنيسة ثم للجموع على ان شهداء الكنيسة القبطية المصرية هم وبحسب وصف البابا فرنسيس "الذين هم ايضاً شهداء كنيستنا". قبل ذلك اكد البابا فرنسيس على رؤيته للبابا تواضروس كأخ وصديق عزيز يتبادلان معاً الاتصالات الهاتفية ويحرصان معاً على الاحاديث الشخصية المستمرة كعلامة التزام بالصداقة المتنامية بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الارثوذكسية وهنا جدد البابا فرنسيس شكره وتقديره للبابا تواضروس على مثل هذه الصداقة والحوار الممتد بينهما.
الرجلان لا يبخلان بالجهد من اجل بعث الرجاء حيث الخراب...فماذا نحن فاعلون؟