ظهر أمس البابا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في الفاتيكان وخلفه تمثال منحوت ويعــد أحــد أفــضل الأعمــال النحتيــة وأكثرها احتفــاء منــذ أكثــر مــن خمسة قرون حيث أنجز مايكل أنجلو التمثال من كتلة واحدة من الرخام واستغرق العمل فيه حوالي سنتين، وأتمه عام 1501 وعمره لا يتجاوز العشرين عاما.
وبعـد إنجـازه تحفـة فنيـة نـادرة تعبر عن عبقريته واقتـداره بين الأعمال النحتية، اختار أن يحفر اسمه عليه وأطلق عليه اسم "بيتا"، وهي كلمـة لاتينيـة تـشير إلى التقوى الممزوجة بالشعور بالحزن والشفقة وأصـبحت المفـردة بعد كل عمل فني يعالج حادثة الصلب وحزن العذراء على ابنها.
وفيـه حـاول أنجلو تـصوير العـذراء فـي هيئـة سـيدة شـابة وعلـى محياهـا علامـات الخـشوع والـسكينة بينمـا تحتـضن فـي وقـار جثـة ابنهـا الميـت فـي اللحظـات التـي أعقبـت صـلبه.
وفكرة هــذا العمــل ارتبطــت بالكاردينــال "جــان دى بيليــريس" منــدوب فرنــسا فــي رومــا الذي كلف أنجلو بنحت التمثال كي يعرض أثناء جنازته.
وفى منتصف القرن الثـامن عـشر تـم نقل التمثال إلـى حيـث هـو اليـوم فـي مـدخل كاتدرائيـة "سـانت بطـرس"، وأثنـاء نقلـه فـي إحــدى الـسنوات لغـرض ترميمـه، تعرضـت أربـع مـن أصابع العذراء للكسر وقد تم إصلاحها بعد ذلك.
فنسخة مايكل آنجلو من هذه المنحوتة كانت نسخة غاية في الجمال والرقة حيث صور مريم العذراء وهي تنظر نحو ابنها المضرج بالدماء نظرة صامتة شديدة الحزن والأسى على فقدانها لابنها.
وتكاد لا ترى الجروح التي ألمت المسيح إلا أنك مع ذلك تتفاعل مع هذه المنحوتة وتتحرك مشاعرك بالضبط كما أراد مايكل آنجلو.
وكان مايكل قد استخدم الإيماءات بدلا من استخدام الجروح سعيا منه لاستثارة العواطف والمشاعر، حيث تستطيع أن ترى كيف تشد مريم العذراء انتباهنا إلى ابنها المتوفى بواسطة يدها اليسرى، في حين تلتف يدها اليمنى لتعانق المسيح برقة، رافعة ساعده قليلا مما يجعل يده ممتدة مرتخية دون حراك.
ومن الشكل العام نستطيع أن نرى تصوير جسد مريم العذراء على نحو عريض لتحتوي لغة الجسد أن السيد المسيح الذي ينحني قليلا حول جسد مريم العذراء مشكلا منحوتة غاية في الرشاقة والإيجاز.
ومن النادر أن نرى في أعمال مايكل مثل كمال هذا العمل ومدى الإتقان الذي حظى به، ومن المحتمل أنه راعى في هذه المنحوتة أن يصر على إكمالها بشكل نهائي.
موضوع بيتا كان من المواضيع المحببة لدى مايكل ولكن في أيامه الأخيرة نحت منحوتتين إضافيتين تجسدان نفس الفكرة؛ الأولى بيتا الفلورنسية، والثانية تركت بدون أن تنتهي حيث توفي.