تشهد مصر وبشكل متزايد انتشار ظاهرة الطلاق بين الشباب المتزوجين حديثا، وهي من الظواهر التي تُثير القلق لدى الكثيرين، وقد يعزي انتشار ظاهرة الطلاق بين الشباب في مصر إلى عدة عوامل منها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وقد شهدت مصر تغيرات كبيرة في الفترة الأخيرة، فقد أصبح الشباب ينظرون إلى الحياة بطريقة مختلفة، وتغيرت توقعاتهم واحتياجاتهم، فقد تؤثر الثقافة الشرقية التقليدية في تعزيز فكرة الزواج، ولكن في الوقت نفسه، قد تعزز العادات والتقاليد السلبية التي أدت إلى انتشار ظاهرة الطلاق المبكر بين الشباب.
وللعوامل الاقتصادية دور مهم في زيادة هذه الظاهرة وانتشارها، حيث يعاني الكثير من المتزوجين حديثا من صعوبات اقتصادية تجعلهم غير قادرين على الحفاظ على حياة زوجية مستقرة، وعدم تمكنهم من توفير الحياة الآمنة للأسرة من مسكن ومأكل ومشرب مما يؤدي إلي تفاقم المشكلات وتشريد الأطفال، ومع التحول الاجتماعي الذي حدث مؤخرا فقد أصبحت القيم والمعايير المجتمعية الحالية، تختلف اختلافا كليا عن عادتنا وتقاليدنا في السابق وبدلا من الإعتماد علي ذوي الحكمة والخبرة وكبراء الأسرة في اتخاذ القرارات المصيرية، أصبح الشاب يعتمد على نفسه في اتخاذ قراراته الشخصية دون مشاركة الآخرين مما زاد الأمر تعقيدا، وتفككت الروابط الأسرية.
وتشير العديد من الدراسات بأن هناك أيضًا علاقة بين دخول عصر التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعى وظاهرة الطلاق بين الشباب، فقد يتعرض الأزواج للضغوط الإجتماعية والنفسية مما يجعلهم يلجأون لهذه المواقع للظهور بصورة مختلفة، والمقارنة بين الأزواج والتعرف على أشخاص غرباء والدخول في علاقات عاطفية عابرة للحدود الزمنية والمكانية، مما جعل العلاقات الإنسانية والترابط العاطفي والحياة الزوجية أقل استقرارا وأكثر انهيارا.
كما أن للعنف الأسري من جانب الزوج دورا بارزا في تدمير الحياة الزوجية وخلق حالة من النفور والجفاء والبغض بين الزوجين وهو ما يؤدي إلى انهيار الحياة الزوجية واللجوء إلى الطلاق دون تريث ودون معرفة النتائج المترتبة على هذا الطلاق واهمها تدمير وتشريد الاطفال جيل المستقبل دون ذنب اقترفوه.
وقد أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أغسطس 2022 النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2021، ووفقًا للبيان بلغ عدد عقود الزواج 880041 عقدًا عام 2021 مقابل 876015 عقدًا عام 2020 بنسبة زيادة قدرها 0.5%. وبلغ عدد حالات الطلاق 254777 حالة عام 2021 مقابل 222036 حالة عام 2020، أي بنسبة زيادة قدرها 14.7%. ووفقًا لذلك فإن هناك حالة طلاق تقع كل دقيقتين، ومن 25 إلى 28 حالة طلاق تقع كل ساعة، ويصل عدد الحالات في اليوم إلى 630 حالة بمعدل 18500 حالة في الشهر. ووفقًا للتقرير فإن 12% من حالات الطلاق وقعت خلال العام الأول من الزواج، مقابل 9% في العام التالي، و6.5% خلال العام الثالث.
أما عن سن الطلاق للأزواج، فقد سجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية (من 30 إلى أقل من 35 سنة ) بينما سجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية (من 18 إلى أقل من 20 سنة ) وقد بلغ متوسط سن المطلق 40.1 سنة عام 2021.
وبالنسبة للمطلقات، فقد سجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية (من 25 إلى أقل من 30 سنة)، بينما سجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية (65 سنة فأكثر)، وقد بلغ متوسط سن المطلقة 33.8 سنة عام 2021.
ووفقًا للتقرير العالمي للسكان 2022، احتلت مصر المرتبة العشرين في معدلات الطلاق حول العالم 2022، بتسجيل 2.3 حالة طلاق لكل 1000 من السكان، وتُعد المالديف التي تسجل 5.52 حالات طلاق على قائمة أعلى الدول في معدلات الطلاق ثم كازاخستان بمعدل 4.6 حالات طلاق، ثم روسيا التي تسجل 3.9 حالات طلاق، فبيلاروسيا بمعدل 3.7 حالات طلاق، وسجلت الصين المرتبة السابعة بمعدل 3.2 حالات طلاق، وسجلت الولايات المتحدة المرتبة الـ13 بمعدل 2.7 حالة طلاق. وعربيًا سجلت ليبيا المرتبة الـ 18 بمعدل 2.5 حالة طلاق لكل 1000 من السكان. بينما سجلت المملكة العربية السعودية المرتبة الـ 27 بمعدل 2.1 حالة طلاق، في مقابل ذلك سجلت كل من الجزائر والأردن المرتبة الـ57 بمعدل 1.6 حالة طلاق.
المعدلات المتزايدة للطلاق في البلاد المتقدمة تشير إلى الضغوط التي تتعرض لها الأسرة في المجتمعات الحديثة، وهو ما يؤكده التفاوت الكبير في معدلات الطلاق بين الحضر والريف في مصر. فمعدلات الطلاق في الريف أقل كثيرًا منها في المدن، بما يعني أن الأسرة الريفية أكثر استدامة وأطول عمرًا من الأسرة الحضرية، وبما يشير إلى الضغوط التي تتعرض لها الأسرة في المجتمعات الحضرية الحديثة.
إن الضغوط التي تتعرض لها الأسرة ستتواصل، بما يبرز أهمية التوصل سريعًا إلى حلول جذرية ومتكاملة للحد من ارتفاع نسب الطلاق، ولا بد من توعية الشباب أن الطلاق ليس الحل الأمثل لتخطي الأزمات، وأن هناك العديد من الحلول الأخري للتعايش والترابط وخلق بيئة أسرية تعمل علي خلق جيل يعي جيدا قيمة الأسرة والترابط العاطفي والأسري، ويجب أن يعي هذا الجيل أن التعاون والتفاهم هما الحل الأمثل لحل المشكلات كما أن مشاركة ذوي الخبرة وكبراء العائلات والأخذ بنصائحهم أهم عوامل الحفاظ علي إستقرار الأسر، وعلاوة علي ذلك يجب علي العمل علي توفير الوعي والتثقيف حول اهمية الزواج والعلاقات الزوجية الصحية الهادئة، من خلال التوعية عبر المدارس والجامعات والندوات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة التي من شأنها إعطاء الروشتة الكاملة لحياة زوجية سليمة وهادئة من خلال رسائل إعلامية هادفة لعلاج هذه المشكلة والحد من تفاقمها، وضرورة العمل على معالجة ما ينتج عن الطلاق من آثار سلبية، خصوصًا على الأبناء الذين يعتبرون الضحية الأولى للطلاق.
آراء حرة
فوضي الطلاق المبكر ومستقبل الشباب
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق