افتتحت قيادات وزارة السياحة والآثار، أمس الاثنين، مشروع تطوير وحماية "جبانة الشاطبي الأثرية" والذي تم تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار، لإنقاذ الجبانة الأثرية من ارتفاع منسوب المياه الجوفية بها وعوامل التعرية الناتجة بمرور الزمن؛ ما يضيف ثراء كبير للخريطة السياحية بمحافظة الإسكندرية، خاصة في ضوء الاكتشافات الحديثة التي نجح فريق العمل في الكشف عنها أثناء أعمال الترميم.
ووفق الموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار، تتضمن جبانة الشاطبي أقدم مقابر أثرية بالإسكندرية والتي يرجّح أنها شيدت بعد تأسيس المدينة مباشرة عام 332 ق.م. وتضم رفات أولئك الذين شيدوا الإسكندرية ممن وفدوا إلى مصر مع الإسكندر الأكبر ثم مع بطلميوس بن لاجوس، مؤسس الأسرة البطلمية الحاكمة بعد موت الإسكندر، والتي اتخذت من الإسكندرية عاصمة لمصر، كما تتسم الجبانة بأقدم الابتكارات الفنية والمعمارية للإسكندرية التي تعبر عن نشأتها كمدينة عالمية امتد عطاؤها العلمي والفني لجميع دول وحضارات حوض البحر المتوسط.
تم اكتشاف الجبانة عن طريق الصدفة عام 1893، بعد أن قام ألكسندر ماكس دي زوجيبه في عام 1892 بالبحث في منطقة الشاطبي حتى الإبراهيمية، حتى توصل إلى اكتشاف أواني وتماثيل صغيرة ومسارج وعملات معدنية. كما اكتُشِفت المقبرة من خلال أعمال جس قام بها فريق عمل أثري في منطقة سبورتنج بجوار نفق الإبراهيمية وذلك لإصدار قرار موافقة على بناء أحد المباني المعمارية تحوي بداخلها العديد من القطع الأثرية التي ترجع من العصر اليوناني حتى العصر البيزنطي.
وقد استمرت التنقيبات والحفائر منذ عام 1907 حتى عام 1928 وتركزت بالأخص في عامي (1912، 1916).
ويبدو واضحا تطور معمار المقابر في تلك الجبانة، بداية من آبار الدفن مرورًا بممرات الدفن؛ وحتى ما يعرف "بالهيبوجيوم"، وهي عبارة عن مجموعة من الحجرات الواقعة تحت الأرض، والمنحوتة في باطن الصخر تفتح على مساحة مفتوحة، والتي كانت تقام فيها الطقوس الجنائزية.
أيضا، كان البعض من تلك الحجرات تضم توابيت ضخمة على شكل أسرّة تسمى "كليني"، وهي كلمة يونانية تعني "سرير"، ولكن أغلب الدفنات كانت تتضمن "لوكولي" وهي عبارة عن فجوات مستطيلة منحوتة في الجدران؛ وكانت أغلب الدفنات تتضمن تلك الكوة التي تحتوي على جرار تضم رفات الموتى بعد حرقها وهي العادة التي جاءت إلى مصر من اليونان.
ويبدو أن "الهيبوجيوم" الذي يرجع تاريخه لحوالي عام 280 ق.م، كان يخص عائلة واحدة كبيرة، وتوسع لتتوارثه عدة أجيال؛ وكانت أغلب الجدران منحوتة، تضم أفاريز وأعمدة ونوافذ وهمية مسمطة.
أما المناظر، فكانت تعلق بين أعمدة الساحة وتمثل طيور محلقة في السماء الزرقاء في محاكاة للطبيعة المفتوحة؛ أما الكليني الخاص بالهيبوجيوم فكان منحوتًا في الصخر على شكل سرير منفذًا بدقة عالية تظهر كل أجزاء السرير بما في ذلك المراتب والوسائد، والتي تعكس صورة رمزية للموت كنوم طويل. كما استخدمت تلك الأسرة المنحوتة في مناسبات المآدب كي يتمتع المتوفى بمتع الحياة بعد موته مما يحول المقبرة إلى منزل الأبدية.
وتمكن فريق عمل مشروع التطوير، خلال أعمال الترميم، من الكشف عن المدخل الأصلي للمقبرة الرئيسية بالجبانة والذي تبين أنه يقع في الجهة الجنوبية منها - وليس في الجهة الشمالية كما كان معروفا من قبل- بالإضافة إلى الكشف عما يزيد عن 300 لقية أثرية منها بقايا هياكل بشرية وعدد من أوانى حفظ الرماد المعروفة باسم أواني الحضرة، ومذبح نذري مصغر منقوش، ولوحة طريق منقوشة، كما تم الكشف عن الكثير من الفخار المحلي والمستورد في حالة جيدة من الحفظ.
المقبرة الأول بالجبانة تسمى «مقبرة الجنود» حيث إنها من أوائل المقابر التي تم الكشف عنها، وتتكون من فناء يتوسطه عمودين من الطراز الدوري -نسبة إلى الدوريين أصحاب البدايات الأولى لحضارة الإغريق- منحوتين في الصخر، وسقف هذه المقبرة مقبب، بها فتحتان عثر بداخلهما على هياكل بشرية عددهم يتعدى العشرة هياكل، عثر أيضًا على عدد كبير من القطع الأثرية في حالة جيدة مثل: المسارج وقنينات العطور والأواني المختلفة، أهم تلك الآنية هو إناء الهيدرا التي انتشرت في العصرين اليوناني والروماني، وكانت تستخدم ليوضع بها رماد الميت بعد حرقه، منقوش على هذه الأنية مناظر جنائزية كما مدون عليها اسم المتوفي باللغة اليونانية، كانت هذه الآنية بحالة جيدة جدًا، عثر عليها داخل كوة منحوتة في الصخر كانت مغلقة بألواح حجرية بعضها ملون والبعض الآخر منقوش بالمداد الأحمر باللغة اليونانية، أثبت أنه تم استخدام المقبرة عدة مرات في عصور مختلفة وذلك من خلال وجود أكثر من طبقة ملاط على الجدار.
المقبرة الثانية يطلق عليها «توابيت الإبراهيمية» وهي مصنوعة من مادة الرخام المقطوع من الأحجار الكبيرة كما تحتوي على زخارف مشهورة بالإسكندرية، عثر على إحدى هذه التوابيت عند تقاطع شارع شيديا مع شارع كانوب، وعثر على اثنين آخرين في شارع مجاور لشارع ميكيرينوس، ترجع هذه التوابيت الي النصف الثاني من القرن الثاني للحقبة المسيحية. بها 8 درجات سلم منحوتة في الصخر من الاتجاه الشمالي للجنوبي، تؤدي هذه السلالم إلى باب المقبرة الموجود في اتجاه الشرق. لكل تابوت مساحة أمامية تحتوي على ناتئتين بها ثلاث مستويات كبيرة منقوشة بالنقش البارز عليها زهور وفاكهة، يتدلى منها عنقود عنب كبير من كل فستون، ترتبط هذه الفستونات ببعضها من خلال شرائط على شكل فيونكات مربوطة على أربع تماثيل على شكل ذكور، تستند هذه التماثيل على قواعد مكعبة. الجزء الداخلي يوجد به زوج من تماثيل صبية عراه أجسامهما غير متشابهة حيث يميل أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار كما أن أقدامهما مبتعدة عن بعض.
أما الزوايا فتحتوي على تمثالين صغيرين لشابين: أحدهما يستدير إلى الخارج والآخر إلى الداخل، كل منهما يلبس رداء يسمى «أتيس» وهو عبارة عن رداء ذو أكمام طويلة، يغطي الساق حتى الكاحل من خلال سروال، يلف الرداء إلى الظهر ويربط طرفي الرداء حول الرقبة أسفل الحلق، والرداء يكون مفتوحًا من عند البطن والصدر ويلبس على رأسه خوذة من النوع الفريجي. في منتصف كل فستون توجد ميدوسا أو جورجيون وعن يسارها رأس لرجل يحمل إكليل فاكهة وزهور وعن يمينها رأس امرأة، كما توجد بجانب كل تابوت الفستونات تُحمل على جمجميات، وتشغل المساحة المقعرة للفستون جورجيون.
وقد عثر في الجزء الجنوبي للموقع عن جثتين لم يوضعا في التابوت إحداهما لطفلة صغيرة والأخرى للأم، كما عثر معه علي شاهد قبر منقوش باللغة اليونانية، كما وُجد أربعة وثلاثين شريحة ذهبية على شكل أواني وأعضاء تناسلية وأصابع، وفي القاع ثلاثة خواتم من الذهب. أيضًا اكتُشِفت فسيفساء من القرن الثالث الميلادي.