تستعرض البوابة نص الراحل الأنبا يوحنّا نوير مطران كرسي أسيوط للأقباط الكاثوليك حول المجمع الفاتيكاني فقال إن آباء المجمع الفاتيكاني الثاني المسكوني مازالوا يعتقدون أن اليهود هم الذين طالبوا بصلب المسيح وقتلة لأن الآباء يؤمنون بما جاء في الكتب قال بطرس الرسول عن يسوع: « ذاكَ الرَّجُلَ الَّذي أُسلِمَ بِقضاءِ اللهِ وعِلمِه السَّابِق فقتَلتُموه إِذ علَّقتُموه على خَشَبةٍ بأَيدي الكافِرين» (أع2: 23).
وقال أيضًا: « فقَتَلتُم سيِّدَ الحَياة» (أع3: 15).
وأمّا القدّيس إسطفانوس قال: « أَيّاً مِنَ الأَنبِياءِ لم يَضطَهِدْهُ آباؤكم، فقَد قتَلوا الَّذينَ أَنبَأُوا بِمَجِيءِ البارِّ ولَه أَصبَحتُم أنتُمُ الآنَ خَوَنَةً وقَتَلَة» (أع7: 52).
وقال بولس الرسول: « فاقتَدَيتُم، أَيُّها الإِخوَة، بِالكَنائِسِ الَّتي بِاليَهودِيَّة، في المسيحِ يسوع. فقَد عانَيتُم أَنتُم أَيضًا مِن أَبناءِ وطَنِكم ما عانى أُولئِك مِنَ اليَهود فهمُ الَّذينَ قَتَلوا الرَّبَّ يسوعَ والأَنبِياءَ واضطَهَدونا، وهمُ الَّذينَ لا يُرْضونَ اللهَ ويُعادونَ جَميعَ النَّاس فيَمنَعونَنا أَن نُكَلِّمَ الوَثنِّيَينَ لِيَنالوا الخَلاص، فيَبلُغونَ بِخَطاياهم إِلى أَقْصى حَدٍّ دائِمًا أَبَدًا، ولكِنَّ الغَضَبَ نَزَلَ علَيهِم آخِرَ الأَمْر» (2تس14- 16)
إلى النهاية أي أنه طفح ويقول بولس الرسول هذا متنبئًا بما هو عتيد أن يحد سنة 70 على يد تيطس الرومانيّ.
وجاء المسيح نفسه بهذا المثل: « إِسمَعوا مَثَلاً آخَر: غَرَسَ رَبُّ بَيتٍ كَرْماً فَسيَّجَه، وحفَرَ فيه مَعصَرَةً وبَنى بُرجاً، وآجَرَه بَعضَ الكرَّامين ثُمَّ سافَر. فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر، أَرسَلَ خَدمَه إِلى الكَرَّامينَ، لِيَأخُذوا ثَمَرَه. فأَمسَكَ الكرَّامونَ خَدَمَه فضرَبوا أَحدَهم، وقتَلوا غيرَه ورَجَموا الآخَر. فأَرسَلَ أَيضاً خَدَماً آخَرينَ أَكثرَ عَدداً مِنَ الأَوَّلينَ، ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذلِك. فأَرسَلَ إِليهِمِ ابنَه آخِرَ الأَمرِ وقال: سيَهابونَ، ابْني. فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الابنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض: هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْهُ، ونَأخُذْ مِيراثَه. فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْمِ وقتَلوه» (مت21: 33- 39)
إن اليهود هم اللذين قتلوا المسيح وقد استوجبوا العقاب بذلك لا سيما وأنّهم قالوا لبيلاطس البنطي الحاكم الروماني: « دَمُه علَينا وعلى أَولادِنا!» (مت27: 25).
وقد تكلّم المسيح عن هذا العقاب في المثل الوارد أعلاه إذ قال: « فماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْمِ بِأُولئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟ قالوا له: يُهلِكُ هؤُلاءِ الأَشرارَ شَرَّ هَلاك، ويُؤجِرُ الكَرْمَ كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه» (مت21: 40و 41)
وقد حدث فعلاً أن انتقم الله للمسيح من هذا الشعب الجاحد وناكل الجميل فقد جاء تيطس الروماني ودخل هيكل أورشليم ودمره وصلب عددًا كبيرًا من اليهود.
وحدث فعلاً أن الله تعالى سلم الكرم إلى فعلة آخرين لأنّه دعا الأمم إلى بشارة الإنجيل لما رفضهما الشعب الإسرائيليّ.
ولكن محبّة الله لهذا الشعب مازالت قائمة. قال بولس الرسول: « فأَقولُ إِذًا: أَتُرى نَبَذَ اللهُ شَعبَه؟ حاشَ لَه! فإِنِّي أَنا إِسرائيِليٌّ مِن نَسْلِ إِبراهيم وسِبْطِ بَنْيامين. ما نَبَذَ اللهُ شَعبَه الَّذي عَرَفَه بِسابِقِ عِلمِه» (رو11: 1و 2).
ولماذا؟ « فلا رَجعَةَ في هِباتِ اللهِ ودَعوَتِه» (رو11: 29).
إذا ماذا نقول؟ هل نعتبر الشعب الإسرائيليّ شعبًا مرفوضًا إلى أن يقبل بشارة الإنجيل أم لا؟
هناك رأيان:
رأي لا يسلّم بالرفض بتاتًا بناء على هذه الآيات: رو11 ورأي آخر يقول بالرفض المؤقت أي إلى أن يقبل الشعب الإسرائيليّ رسالة المسيح.
وكيف يشرح مَن يقولون بالرفض المؤقّت الآيات المذكورة في رومية 11؟ يقولون أن عدم الرفض الذي يتحدّث عنه بولس الرسول قائم أوّلاً في كون بعض اليهود قد آمنوا بالمسيح وثانيًّا في كون الباقين سيؤمنون بالمسيح في الزمن المحدد.
وهذا لا يمنع أن يكون الشعب اليهوديّ – كشعب – هو شعب مرفوض إلى حين. وهذا الرأيّ هو الأكثر إحتمالاً.
هذا كلّه بالنسبة للشعب أمّا بالنسبة للأفراد فلا يمكن بتاتًا أن يُقال بأنّهم مرفوضون.
إن عدالة الله تأبى أن تأخذ البريء بإثم المجرم بل أن المجرمين أنفسهم – في حادث صلب المسيح وموتع- كانت لهم أعذار والعذر الأساسيّ هو جهلهم حقيقة شخصيّة المسيح. قال يسوع له المجد وهو على الصليب: « يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون»(لو23: 34).
وقال بولس الرسول بأن اليهود لم يعرفوا الحكمة في سرّ آلام المسيح وموته ثم أردف قائلاً: « ولَو عَرَفوها لَما صَلَبوا رَبَّ المَجْد»(1كو2: 8).
وهذا الجهل بحقيقة المخلّص والخلاص قد ملأ قلب بولس الرسول غمًا مما جعله يقول: «إِنَّ في قَلْبي لَغَمًّا شَديدًا وأَلَمًا مُلازِمًا لقَد وَدِدتُ لو كُنتُ أَنا نَفْسي مَحْرومًا ومُنفَصِلاً عنِ المسيح في سَبيلِ إِخوَتي بَني قَومي بِاللَّحمِ والدَّم» (رو9: 2و 3)
هذا بالنسبة لمن طالب بصلب المسيح وموته. ولكن ماذا نقول عن اليهود المعاصرين للمسيح الذين لم يشتركوا في طلب صلب المسيح وموته؟ وماذا نقول عن يهود اليوم باعتبارهم كأفراد؟
إن اليهود المعاصرين للمسيح والذين لم يشتركوا في طلب صلب المسيح وموته هو غير مسئولين كأفراد أما يهود اليوم فليسوا جميعهم أبناء أولئك الذين قالوا « دَمُه علَينا وعلى أَولادِنا!» (مت27: 25). بل أقول إن أبناء أولئك الذين استنزلوا اللعنة على أنفسهم وعلى بنيهم هم – كأفراد – أبرياء من دم المسيح. فالله تعالى إذا انتقم من الآباء في الأبناء لا يصل انتقامه إلى أكثر من الجيل الثالث والرابع. جاء في سفر الخروج: «لإِنِّي أَنا الَرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيور، أُعاقِبُ إِثمَ الآباءِ في البَنين، إِلى الجِيلِ الثَّالِثِ والَرَّابِعِ، مِن مُبغِضِيَّ»(خر20: 5)
وتأييدًا لهذا كلّه يجب أن نقول إن مسئولية صلب المسيح وقتله إنما تقع على جميع أبناء البشرية: «ومِن أَجْلِهِم جَميعًا ماتَ» (2كو5: 15)
وقال رسول الأمم. ومن أصدق ما يقال والجدير بكلّ قبول: « إِنَّه لَقَولُ صِدْقٍ جَديرٌ بِالتَّصْديقِ على الإِطْلاق، وهو أَنَّ المسيحَ يَسوعَ جاءَ إِلى العالَم لِيُخَلِّصَ الخاطِئِين، وأَنا أَوَّلُهم» (1تيمو1: 15)
إن اعتبار الجميع مسئولين عن دم المسيح واعتبار جميع الناس وضمنهم اليهود أبناء الله وأخوة لنا هذا كلّه قد أدى إلى إصدار البيان الخاص بموقف الكنيسة من غير المسيحيّين. إلّا أن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن الكنيسة تؤيد اليهود في موقفهم من العرب لا سيما الموضوع الخاص بالحقوق المسلوبة وباللاجئين الفلسطينيّين.
وإن شئت فقل إن الكنيسة المقدّسة لا تؤيد اليهود في كثير من تصرفاتهم وخاصّة في مواقفهم السلبيّة والعدائية من أبناء الكنيسة.
إنّها في صراع دائم معهم لأنّهم اختلقوا البدع تحت ستار الدين وأوجدوا الماسونية وجنّدوها لمحاربة الكنيسة الكاثوليكية بالذات.
فليعلم الجميع إذن أن الكنيسة الكاثوليكية تحرص كل الحرص على المبادئ المسيحيّة ولا يمكنها أبدًا أن تحيد عنها.