الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

سيباستيان ماركو تورك تكتب: المفوضية الأوروبية ومسألة الأخلاق.. محاولات التأثير على سلطة القضاء فى سلوفينيا لتغيير أحكام نافذة!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى حدث نادرًا ما تناولته وسائل الإعلام، اضطرت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية فيرا يوروفا مؤخرًا إلى الدفاع عن نفسها أمام البرلمان الأوروبى بسبب محاولتها التأثير على قرار المحكمة بخصوص التليفزيون الوطنى فى سلوفينيا إحدى الدول أعضاء الاتحاد الأوروبى.
وكان الرأى العام الأوروبى على وعى بما تقوم به الحكومة السلوفينية من جهود لإخضاع التليفزيون الوطنى لهيمنتها. 
فها هى نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية تبذل قصارى جهدها لدعم تلك الحكومة فى هذا الاتجاه؛ فقد رأيناها تسرع لمقابلة رئيس المحكمة الدستورية الذى كان لتوه قد ألغى القانون المؤدى إلى احتكار الحكومة للقطاع السمعى والبصرى فى محاولة منها لإثنائه عن هذا القرار.
لم يعد الاتحاد الأوروبى يعمل على أساس مبدأ الإنصاف والحياد، بل على أساس مبدأ إرادة السلطة ولكن بشىء من التكتم والتحفظ متجاوزًا بذلك كل المبادئ التى قام على أساسها هذا الاتحاد. بل يمكننا القول إن حتى المسئولين يتم تعيينهم وفقا لمبدأ «الاختيار السلبى»، وإن أصحاب القرار يتكونون من تلك الشخصيات التى تم استبعادهم من موطنهم الأصلى من أجل التخلص منهم، ولا أدل على ذلك من الاقتباس المأخوذ من سيرة فيرا يوروفا، والذى تم نشره بواسطة موقع فيسجراد بوست، أحد أفضل البوابات الإقليمية.
بين عامى ٢٠٠١ و٢٠٠٣، عملت كمديرة تطوير إقليمية لمنطقة فيسوتشيناVyso'ina التشيكية ثم أصبحت نائبة وزير التنمية الإقليمية. وأعلنت جيرى باروبيك، رئيسة الوزراء التشيكية فى الفترة من بين ٢٠٠٥ إلى ٢٠٠٦، أن فيرا يوروفا قد أُعفيت من مهامها بعد شكاوى متكررة من رادكو مارتينك، وزيرها فى ذلك الوقت والذى اتهمها بأنها «غير كفؤة».
وقراءةً لكل هذه النتائج نطرح سؤالًا: من هى فيرا يوروفا التى حظيت بكل هذه المراكز فى المفوضية الأوروبية وفى وطنها الأصلى؟ إليك هذه المعلومات المستخلصة من الموسوعة الإلكترونية:
«فى أكتوبر ٢٠٠٦، اتُهمت يوروفا بقبول رشوة قدرها ٢ مليون كرونه من اديسلاف بيتا، رئيس بلدية بوديشوف، جنوب مورافيا، من أجل الحصول على إعانات من الاتحاد الأوروبى لترميم قلعة بوديشوف. وعلى الرغم من تبرئتها الكاملة، فقد أمضت أكثر من شهر فى الحبس الاحتياطى».
يعد منشور فيسجراد أكثر تحديدًا حول هذا الموضوع: بين ١٣ أكتوبر و١٦ نوفمبر ٢٠٠٦، تم اعتقالها للاشتباه فى تورطها فى الفساد فيما يُعرف فى ذلك الحين بقضية بوديسوف. ومع ذلك، لم يتم إثبات التهم الموجهة إليها مطلقًا وتم إسقاط هذه التهم عنها فى صيف عام ٢٠٠٨. وتلقت ٣.٦ مليون كرونة تشيكية «حوالى ١٤٠ ألف يورو» كتعويض. وأعلن جان كوروبا، الصحفى الذى كشف الفضيحة والذى كان يتابع فيرا يوروفا لسنوات عديدة، أن براءتها ترجع إلى العمل الممتاز لمحاميها بالإضافة إلى المعلومات الضئيلة التى توافرت للشرطة.
وقد لخصت صحيفة فاينانشيال تايمز سيرتها الذاتية قبل انتخابها كمفوضة أوروبية تحت عنوان مهم: «فيرا يوروفا.. صعود سريع من السجن التشيكى إلى مراقب مالى فى بنوك الاتحاد الأوروبى»، مضيفةً أنها كانت سيئة السمعة السياسية، وذلك بسبب دعم أندريس بابيز، الملياردير المثير للجدل ومؤسس حزب ANO (نعم) ورئيس وزراء جمهورية التشيك حيث دفعت آراؤه المؤيدة لبوتين الناخبين إلى استبعاده عن السياسة إلى الأبد. وفى هذا الصدد، تشير الموسوعة الإلكترونية إلى أنه قبل انتخابها لعضوية المفوضية الأوروبية، «أعرب بعض أعضاء البرلمان الأوروبى عن قلقهم بشأن صلات يوروفا بالسياسى الملياردير المثير للجدل أندريه بابيش وحركته السياسية (نعم)».
وما زالت فيرا يوروفا حديث الساعة.. ليس فقط بسبب الأفكار المثيرة للجدل التى تطرحها على الساحة السياسية وليس بسبب زيارتها لسلوفينيا.. إنها تملأ صفحات وسائل الإعلام الأوروبية فى الوقت الحالى. ذلك أن صحيفة Politico قد استهدفتها بمقال لاذع عندما ذكرت: «تعلن اللجنة أنها لا تستطيع العثور على وثائق فون دير لاين فايزر كما أنها ليست ملزمة بالقيام بذلك».
وكانت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، قد أبرمت فى مارس ٢٠٢١ وبدون أية صلاحيات تسمح لها بذلك، عقدًا بقيمة ٣٧ مليار يورو لتزويد ١.٨ مليون جرعة من اللقاحات. إنه أكبر عقد فى تاريخ الاتحاد الأوروبى. تبادلت السيدة فون لاين الرسائل النصية مع الرئيس التنفيذى للشركة قبل التوقيع على الوثيقة التى اختفت بعد أن حامت حولها الشكوك. وقالت المفوضية الأوروبية بعد ذلك: «إذا كانت الرسالة قصيرة وموجزة، يتم حذفها» وقد دافعت فيرا يوروفا نفسها عن حذف الرسائل القصيرة أو غير المهمة مدعيةً أن: «الرسائل النصية، بسبب طابعها القصير والسريع، لا تحتوى بشكل عام على معلومات ذات أهمية فيما يتعلق بسياسات وأنشطة وقرارات اللجنة، وبالتالى لا تحتفظ اللجنة بهذه الوثائق القصيرة والعابرة». وكانت هذه الكلمات تبدو صحيحة، ولكن السؤال الذى سيطرح نفسه ما حاجتنا إلى مثل هذه الكمية من اللقاحات اليوم خاصة أنها ستصبح عديمة الفائدة فى غضون ستة أشهر وتفقد صلاحيتها وتضيع أموال دافعى الضرائب؟. هذا سلوك غير مسئول تمامًا.
المتحدث باسم الوسيط الأوروبى، السيد أورايلى، وصف رد المفوضية بأنه «إشكالى من عدة نواحٍ». لكن هذا لم يمنع فيرا يوروفا، بل حدث العكس تمامًا. وها نحن نفهم من صحيفة نيويورك تايمز، التى تتحدى المفوضية الأوروبية وتطالبها بإظهار عقد اللقاح، إذ يتم التحضير لمناورة حتى يستحيل الكشف عن اتصالات كبار المسئولين: تلك المناورة هدفها الحقيقى لا لبس فيه: ألا وهو عدم الإفصاح عن الرسائل النصية.
فى هذا السياق، فإن «القصة السلوفينية» مهمة لمسيرة فيرا يوروفا. لذلك قامت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية بزيارة المحكمة الدستورية التشيكية ورئيسها. حدث هذا عندما كان الأخير يتحدث عن تعليق قانون البث المثير للجدل. من الناحية الرسمية، يعد هذا تدخلًا صارخًا من قبل ممثل أعلى سلطة تنفيذية «المفوضية الأوروبية» فى عمل الهيئة التشريعية لدولة ثالثة.
بالفعل كل ذلك ضد القاعدة. وفى هذا الصدد، صرح القاضى السابق فى المحكمة الدستورية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بوشتيان م. زوبانشيتش، بما يلى: «فيما يتعلق بزيارة فيرا يوروفا إلى المحكمة الدستورية، عندما كنتُ أنا قاضيًا فى المحكمة الدستورية من عام ١٩٩٣ إلى عام ١٩٩٨، لم ندع أبدًا شخصيات سياسية. ولذلك فإن المسئولية مشتركة بين رئيس المحكمة الدستورية ونائبة رئيسة المفوضية الأوروبية. «المصدر: تويتر».
لذلك فهو تصادم بين مصلحتين متناقضتين للغاية. لا يسع المرء إلا أن يتساءل من سيكون المدبر وراء كل هذا؟.
لكن الجدل لا ينتهى عند هذا الحد. فقد قامت السيدة يوروفا بزيارة محكمتين دستوريتين فقط فى الاتحاد الأوروبى فى السنوات الأربع الماضية: واحدة فى رومانيا والأخرى فى سلوفينيا.
لقد زارت سلوفينيا مرتين، وهو أمر فريد من نوعه فى جميع أنحاء أوروبا: فهى ليست دولة مثيرة للمشاكل القانونية وهى واحدة من أصغر الدول فى القارة العجوز. فلماذا كل هذا القلق، إن لم يكن فى سياق «عملية خاصة» «مصطلح شائع جدًا منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢»؟. وماذا كان سيحدث لو كان الأمر متعلقًا بزيارة للمحكمة الدستورية الألمانية أو الفرنسية، على سبيل المثال، أو لو كان متعلقًا بشأن إصدار قانون مهم؟.. لا شك أن الصحافة الأوروبية كانت ستقوم بفضح ذلك وستعلو الأصوات بإقالتها من منصبها كمفوض.
كل هذا، مع ذلك، ليس إلا انعكاسًا لأزمة عميقة للغاية تجتاحنا أكثر فأكثر. إنه إهدار لقيمة المؤسسات الأكثر أهمية، التى يجب أن يشغلها أمهر الكفاءات. وفى كتاب بعنوان «الحرب باسم السلام»، وهو كتاب سيصدر فى نهاية عام ٢٠٢٣، صاغ كاتب هذه السطور الجمل التالية: «لقد رفضت أوروبا سلطة الطبقة السياسية مما ساهم فى ظهور شخصيات سياسية فى بروكسل «وفى عواصم أوروبية أخرى» تم تجنيدهم من الصف الثالث. وكانت النتيجة غير مرضية إذ ظهرت طبقة سياسية فى الغرب جسدت لفكرة الملكية. هذه السمة الملكية تقوم على أن صاحب السيادة لا يسعى وراء مصلحته الخاصة، بل مصلحة المجتمع. كانت الملكة إليزابيث ملكة إنجلترا، التى ودعت الدنيا فى النصف الأول من سبتمبر ٢٠٢٢، آخر ملوك المدرسة القديمة. يمكن للمرء أن يتذكر الأشياء التى لا تعد ولا تحصى التى فعلتها لبريطانيا. لكننا لم نتمكن من اكتشاف أى شىء فعلته لنفسها. ومع ذلك هناك فرق كبير، هل ينطبق هذا مع ميجان ماركل والأمير هارى وثقل التاج؟ هناك فرق.
وماذا عن فيرا يوروفا ومغامراتها المتعددة والتى لا تعنى إلا تدهور المؤسسات الأساسية خاصة فى سلوفينيا وعلى مستوى الاتحاد الأوروبى؟
معلومات عن الكاتبه: 
سيباستيان ماركو تورك.. دكتوراه فى الآداب من جامعة «السوربون» باريس وأستاذ جامعى، يواصل الكتابة عن بعض ما يراه من تصرفات تسىء إلى الاتحاد الأوروبى.