رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

الدكتور خالد عزب يكتب: مسلمو المهجر.. التمزق بين فقه التوطين وفقه الأقليات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يمثل الإسلام الآن ديانة تطرح لدى غير المسلمين تساؤلات عديدة حول طبيعة هذا الدين ومن يعتنقونه، هذه التساؤلات بدأت بعد أحداث ٩ سبتمبر ٢٠٠١ ميلادية، وما تبعها من حوادث إرهابية إلى الآن، لكن زاد من صعوبة هذه التساؤلات هو قيام عدد من معتنقى الإسلام الأوروبيين بعمليات إرهابية. 
إن هذا يقتضى البحث عن مشكلات مسلمى المهجر وكيفية اندماجهم فى مجتمعاتهم، لذا فإن التساؤلات حولهم تنتهى بدءًا مما طرحه عالم الاجتماع الأمريكى ماركوس لى هانسن حيث أثبتت دراساته الميدانية أن الجيل المهاجر الأول غالبًا ما يبدى تشبثا شديدًا بخصوصياته الثقافية من دين ولغة وذاكرة تاريخية.
بينما يرى الجيل الثانى فى هذه الخصوصيات الثقافية نفسها عوامل إعاقة لاندماجه المنشود فى مجتمعات الهجرة، فيختزل هذا الجيل الدين واللغة والذاكرة التاريخية فى مجرد موروثات ثقافية يعتقدون أنه يمكنهم حصرها فى المجال الخاص كمسائل شخصية لا شأن لها بمسألة الهوية الجماعية. 
يرى هانسن أن أزمة الهوية الجماعية تبدأ فى الظهور مع الجيل الثالث الذين يحاولون استرجاع خصوصيات ثقافية لهم من الدين واللغة والذاكرة التاريخية التى تلاشى معظمها نتيجة اندثار الجيل الأول وعدم اكتراث الجيل الثانى، فأبناء هذا الجيل غالبا ما ينطلقون فى عملية حفر فى الذاكرة الجماعية وتمثل جديد للذات الحضارية المتميزة على إعادة قراءة خصوصياتها.
ويرى كمال الغزى أستاذ علم الاجتماع فى جامعة وسط ميزورى، أن الجيل الثالث من مسلمى الولايات المتحدة فى حاجة إلى فقه جديد أسماه فقه التوطين، ينطلق من كثافة عدد من المسلمين كما وكيفا، هذا يتطلب حوارًا بين نصوص الإسلام الثابتة وبين واقع المسلمين المتجدد فى المجتمع الأمريكى ذى الطبيعة الخاصة، هذا الفقه فقه التوطين لا شك أنه سيجد معارضة شرسة من جماعات الإسلام السياسى التى ترى ما تسميه «عالمية الإسلام أو كونيته»، مما يعنى أن جماعة كجماعة الإخوان المسلمين تعتبر نفسها جماعة كونية عالمية تمتد من مصر بلد المنشأ إلى كافة أنحاء العالم، لذا فإنها تحبذ مصطلح فقه الأقليات، حيث يظل مسلمى المهجر تحت وطأة مسلمى الدول العربية والإسلامية من حيث التبعية الدينية، هذا ما أثر سلبًا على مسلمى المهجر الذين نقلت إليهم مشكلات بلدانهم الأصلية وصاروا متشرذمين ومنعزلين عن مجتمعاتهم الجديدة، يعيش بعضهم فى جيتو، بل وقد يخضعون للقضاء العرفى لتيارات الإسلام السياسى على غرار مجالس الشريعة فى بريطانيا.
إن هذا الوضع ينم عن عدم إدراك لمنظومة حقوق الإنسان فى الغرب كوسيلة للتعايش والاندماج، هذه المنظومة التى كفلت لهؤلاء المسلمين حق التجنس والإقامة والاستفادة من شبكات الضمان الاجتماعى. 
لذا أدى فقه الأقليات بالشباب المسلم من الجيل الثالث الباحث عن الهوية واللغة والدين ليكون فريسة سهلة لمقولات التيارات المتطرفة، والتى كان لبعضها فرصًا فى نشر وجودها كالإخوان المسلمين فى ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا، ولكى يجرى تجنيد الأشد تطرفًا فى داعش، بل وتهديد موطنهم بخطر العنف.
هنا يبرز فقه التوطين بقدرته على بناء خطاب دينى متواءم مع البيئة معززًا فعل القيم الدينية الإسلامية التى تعرز الاندماج من الرحمة والمحبة والتعارف واحترام حقوق الغير فى نفسه ودينه وممتلكاته، هنا يكون الإسلام منجم يجرى تفجيره بالسلوك الحسن الذى يدعو إليه. «وخالق الناس بخلق حسن» حديث نبوى ورد فى الترمذي» و«قولوا للناس حسنا» سورة البقرة آية ٨٢، هنا فقه التوطين يساهم فى السلم المجتمعى ويبنى مجتمعات إسلامية مستقرة غير مهددة من قبل العنصريين والمتطرفيين فى مجتمعاتهم، إذ يجعلهم مكون أساسى فى مجتمعات المهجر، غى حين أنه فقه الأقليات عزلهم وجعلهم مستهدفين من العنصريين ومن سياسات العنصرية فى دول المهجر، فأصبح شبابهم طعمًا سهلًا لداعش وغيرها.
هنا نستدعى من القواعد الفقهية العديد من القواعد التى يمكن أن يبنى عليها فقه التمكين، ومنها:
قاعدة تغيير الفتوى بتغير الزمان، هنا نستدعى ما ذكره صبحى المحمصانى فى كتابه «تراث الخلفاء»: «وقد أقروا مبدأ تغير الاجتهاد، فتوسع عمر الفاروق بوجه خاص فى الاجتهاد، وفى تفسير النصوص بما يلائم حكمة التشريع وفلاح العباد ويناسب تطور الزمان والمكان وتقلبات الأحوال».
هنا نرى مجلة الأحكام العدلية ترسخ هذه القاعدة تحت عنوان «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان».
ومن القواعد التى تساعد على بناء فقه التوطين العرف «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» وقاعدة العادة محكمة، وفقه المقاصد وقاعدة سد الذرائع، هكذا كان فقهاء الإسلام والمدارس الفقهية الإسلامية أكثر انفتاحًا من فقهاء تيارات الإسلام السياسى الذى قولبوا الإسلام كدين وجد للصراع السياسى المستمد من مقولات تاريخية تجاوزها الزمن وتجاوزتها منظومات الحقوق والواجبات فى القوانين المعاصرة.