ردًا على الأعمال القتالية المتزايدة فى القدس، فى ٦ أبريل، تم إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل. يأتى هذا العمل فى أعقاب تحسن العلاقات بين حماس وحزب الله بعد عدة سنوات من الخلاف حول القضية السورية، ويبدو أن الميليشيات الإسلامية تتفق مرة أخرى على أهدافها الإقليمية.
هل هناك محور وتحالف سنى شيعى على أبواب اسرائيل؟ ردا على اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى فى القدس وجنوب لبنان وغزة وسوريا، أطلقت صواريخ باتجاه الدولة اليهودية؛ إذا كان هذا الهجوم المشترك، فى الواقع، هو قبل كل شيء رمزى وذو نطاق عسكرى محدود، فهو بالرغم من ذلك يمثل تجسيدًا لحصار تخشاه السلطات الإسرائيلية.
فى اليوم التالى، ٧ أبريل، استهدفت طائرات الجيش الإسرائيلى Tsahal قطاع غزة وجنوب لبنان. ونسبت إسرائيل الاشتباك الحدودى، الذى لم تعلن مسئوليته حتى ذلك الحين، إلى حركة حماس الإسلامية الفلسطينية، التى كان رئيس مكتبها السياسى آنذاك إسماعيل هنية فى بيروت. وفى ١٠ أبريل، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، بصعوبة كبيرة داخليًا، أنه «لن يسمح لحركة حماس الإرهابية بترسيخ نفسها فى لبنان»، ووعد بـ «استعادة الأمن» فى بلاده من خلال العمل «على جميع الجبهات». لقد كان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قد لخص بالفعل فى خطاب ألقاه مؤخرًا، أهمية «توحد الجبهات» ضد إسرائيل. وبالفعل فإن عودة التوترات غير ظاهرة على مستوى المنطقة، إنما تؤكد تجدد جبهة حماس وحزب الله التى طالما عانت لعقد من الزمان.
زواج العقل
أدى صعود جمهورية إيران الإسلامية فى عام ١٩٧٩ إلى انقلاب فى التحالفات الموجودة مسبقًا فى الشرق الأوسط. واستغلت إيران الحرب ضد إسرائيل والمصالح الغربية وجعلت منها الفكرة المهيمنة، وقامت بتشكيل شبكة من التحالفات الصغيرة منذ بداية الثمانينيات. وكذلك استفادت من الفوضى اللبنانية والتدخل الإسرائيلى عام ١٩٨٢، وأرسلت طهران حراس الثورة بالاتفاق مع دمشق، لإنشاء ميليشيا شيعية مستقبلية تقاتل قوات الاحتلال للدولة اليهودية. وفى هذا السياق ولد حزب الله. ورغبة منها فى احتضان القضية الفلسطينية لإرساء شعبية معينة فى نظر الجماهير العربية السنية والتخلص من هذه التسمية البانشيتية، ستتدخل إيران أيضًا فى تشكيل جبهة جديدة ضد الدولة اليهودية. حتى لو لم تشارك طهران رسميًا فى إنشاء حماس عام ١٩٨٧، فإن الأجهزة الإيرانية ستبدأ فى إرسال أسلحة وأموال إلى حركة غزة منذ التسعينيات. علاوة على ذلك، ستفتح الميليشيا الإسلامية السنية المقربة من جماعة الإخوان المسلمين مكتبًا سياسيا فى العاصمة الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تدريب مقاتلى غزة فى معسكرات فى إيران أو لبنان.
منذ ذلك الحين، أصبحت حماس وحزب الله وجهين لعملة واحدة. وبحسب الوضع، ستستخدم إيران هذين الطرفين لمواصلة الضغط على إسرائيل. وتعود أولى الاتصالات الرسمية بين الجماعتين الإسلاميتين إلى عام ١٩٩٢، وذلك أثناء طرد مئات الفلسطينيين من حركتى حماس والجهاد الإسلامى فى مخيم مرج الزهور بجنوب لبنان عام ١٩٩٢. وقد تعززت هذه العلاقات مع إغلاق مكاتب المليشيا الغزاوية فى الأردن عام ١٩٩٩. ثم أقام خالد مشعل، زعيم الحركة الإسلامية فى قطاع غزة، بنقل مقره إلى دمشق. وفى عام ٢٠٠٠، فتحت حركة غزة مكتبا لها فى بيروت. فى ذلك الحين، احتلت سوريا لبنان وكان حافظ الأسد يعتزم السيطرة على حزب الله وحماس لأغراض سياسية. لكن إيران هى سيدة اللعبة حقًا، فبالإضافة إلى تمويل الميليشيات، قدمت طهران- سريعا- دعمًا عسكريًا خلال الانتفاضة الثانية (٢٠٠٠-٢٠٠٥) وأيضا، عندما انسحبت إسرائيل من غزة عام ٢٠٠٥.
الحرب فى سوريا: بداية القطيعة
لكن هذه العلاقة تدهورت مع فجر «الربيع العربي» وخاصة الوضع المتوتر فى سوريا. فى وقت مبكر من عام ٢٠١٢، قام رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى الخارج، خالد مشعل، بحزم حقائبه وغادر دمشق متوجهًا إلى الدوحة، الراعى الرئيسى للانتفاضات العربية؛ ليتولى زعيم الحركة الإسلامية الفلسطينية رسميًا قضية المتمردين السوريين من خلال خطاب ألقاه فى تركيا فى سبتمبر ٢٠١٢. وقد عزز صعود محمد مرسى فى مصر آمالهم فى النجاح فى دفع رياح الثورة الإسلامية السنية إلى نطاق أوسع فى المنطقة. وخلال نفس العام، كان الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى أول رئيس دولة يزور الأراضى الفلسطينية منذ سيطرة حماس عليها فى عام ٢٠٠٧، ووعد بتقديم مساعدات بقيمة ٤٠٠ مليون دولار. فى ضوء التغيرات الإقليمية فى العقد الجديد، أصبحت حماس تحت السيطرة القطرية بشكل أكبر لأسباب مجتمعية.
وبحسب بعض المصادر المقربة من حزب الله والحكومة السورية، فقد شاركت كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، فى الحرب فى سوريا إلى جانب الثوار والجهاديين. ويقال أن العديد من رجال المليشيات أشرفوا على تدريب كتائب الوليد ولواء الفاروق، فى القتال ضد حزب الله والجيش الموالى لسوريا خلال معركة القصير على الحدود اللبنانية فى مايو ٢٠١٣. وكانوا يشاركونهم بشكل خاص الخبرة فى بناء الأنفاق. وفى العام نفسه، أثارت خطبة الإمام الإخوانى، يوسف القرضاوى، فى مسجد الدوحة بحضور خالد مشعل، حفيظة طهران والحزب الشيعى اللبنانى. ويصف الشيخ المصرى الميليشيا اللبنانية بـ «حزب الشيطان» والجمهورية الإسلامية بـ «حليفة الصهيونية». ونتيجة لذلك، قامت إيران بتخفيض مساعداتها المالية لحركة حماس إلى النصف، وأغلقت المكاتب السبعة للحركة الفلسطينية فى بيروت.
ولكن تطرف المعارضة السورية، واستيلاء داعش على أكبر معسكر فلسطينى فى سوريا فى اليرموك عام ٢٠١٥، وكذلك العلاقات الفاترة مع «محور المقاومة»، دفعت حماس إلى مراجعة نسختها وإعادة الاتصال بطهران وحزب الله. وظهر أن تقارب المصالح، أى الحرب ضد إسرائيل، قد كان له الأسبقية على خلافات الماضى. علاوة على ذلك، فى ظل فشل معسكر الإخوان فى الشرق الأوسط، من تونس إلى مصر ومرورا بتركيا، استأنفت الحركة السنية فى غزة أخيرًا الطريق إلى دمشق فى أكتوبر ٢٠٢٢، بفضل وساطة حزب حسن نصر الله.
ومع ذلك، فإن هذا الدفء مع سوريا «بشار الأسد» لا يلقى إجماعًا بين سكان غزة حيث يواجه المعسكران بعضهما البعض بشكل أو بآخر، أحدهما مؤيد إلى حد ما لقطر وبالتالى متجذر فى رفض أى تطبيع مع النظام السورى والآخر أكثر خضوعًا لإيران وبالتالى، فهو لصالح التقارب مع دمشق.
وأمام كل ذلك فإن الحركتين الإسلاميتين تستفيدان بشكل واضح من هذا التحالف بين الحركتين. كما يؤسس حزب الله يؤسس ويدعم صورته كعدو لإسرائيل ويحاول أن يلعب دور الوسيط بين مختلف العناصر والمكونات الإسلامية الفلسطينية، وتبقى حماس فى الفلك الإيرانى بينما تنقل بيادقها لتكون وسط الجالية الفلسطينية المتواجدة فى لبنان.
معلومات عن الكاتب:
ألكسندر عون صحفى فرنسى لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يتناول ما يسميه «شهر العسل بين حزب الله اللبنانى وحركة حماس الفلسطينية.