حيدر حيدر .. الفهد غادر إلى ملكوته
الأديب السوري حيدر حيدر الذي رحل عن عالمنا الجمعة الماضية بعد هو أحد مؤسسي اتحاد كتاب العرب عام 1968 بعدما أثار جدلا حول روايته "وليمة لأعشاب البحر"، والتي تم حظرها في عدد من الدول العربية.
وقد نعاه نجله عبر صفحته على الفيسبوك قائلا: "الفهد غادرنا إلى ملكوته"، فى إشارة لبطل روايته "الفهد"، التي تحولت إلى فيلم سينمائي بالاسم نفسه للمخرج السوري الراحل نبيل المالح.
بدأ حيدر حياته الأدبية في نشر قصصه في الدوريات الشهرية فكانت مجلة الآداب اللبنانية أبرزها التي كتب فيها قصصه الأولى، صدرت فيها مجموعته "حكايا النورس المهاجر" في العام 1968، نشر روايته الأولى الزمن الموحش عن تجربته في دمشق خلال سبعة أعوام، وانخراطه في المناخ الثقافي والسياسي، استغرق حيدر في كتابة أولى رواياته سبع سنوات مستوحيا مضمون الرواية من تجربته في دمشق ومناخها السياسي والثقافي.
تحدث حيدر أيضا عن حياته الشخصية فسرد أولى صدماته العاطفية بمجلة محلية عن موت أول قصة حب له بعد أن رفضه أهل محبوبته وتواصلت الصدمات مع استمرارية حياته ومغامراته الأدبية وقد توفي أحد أبنائه في حادث سيارة، كما أنه كان محبا للقراءة وأول كتاب قرأه لنيتشة بعنوان “هكذا تكلم زرادتشت” ولم يعتبر نفسه كاتبا محترفا فهو لم يكتب إلا إذا حرَكه شيىء من أعماقه.
وتحدث حيدرعن الثقافة العربية قائلا: إنها هي التعبير الأعلى عن الحضارة، وبما هي متقدمة ونامية ومستقبلية كانت تستبق نهوض الأمة كونها المؤشر لحالة الجيشان في أعماق الشعب ولأنها المنبئة يتمخض في علام جديد قيد الولادة، لا يوجد لدينا دراسات أو نصوص تحلل لنا جدل العلاقة بين العمل الروائي والسينمائي إنما هناك دراسات ونصوص ونظريات حول السينما أو الرواية بشكل منفصل، وداخل هذه النصوص الأحادية ربما كانت هناك إشارات عابرة للعلاقة بين السينما والرواية، لكن من المؤكد أن السينما في عصرنا وبعد التطور المذهل الذي وصلت إليه تشكل أداة رئيسية من أدوات المعرفة الثقافية ومشاهدة شريط سينمائي جيد يعادل قراءة كتاب جيد بأقل وقت ممكن وبأرخص من الكتاب من الناحية الاقتصادية وباستمتاع للحواس وتأثير أكثر من الكتاب أحيانا.
وبين حيدر أيضا أن الأهمية الكبرى للسينما وتفوقها على الكتاب، تكمن في سرعة انتشارها ومشاهدتها من آلاف البشر على اختلاف طبقاتهم ومن هنا الفن يعتبر سلاحا أيدولوجيا ثقافيا، ففي العالم الثالث “أفريقيا، آسيا، أمريكا اللاتينية وتحديدا في الوطن العربي”، فليس الفن السينمائي هامشيا في مجرى الوعي الثقافي والأيديولوجي بل هو فن عضوي رغم أنه لا يزال في أطواره الأولى.
عمل حيدر في إحدى دور النشر بالجزائر مراجعا ومصحّحا لغويا، صدرت له مجموعة الفيضان القصصية عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين، أعيد طبعها مع التموجات في بيروت عن المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، مع بداية الحرب اللبنانية، التحق حيدر حيدر بالمقاومة الفلسطينية في إطار الإعلام الفلسطيني الموحّد واتّحاد الكتّأب الفلسطينيين في بيروت.
وقدم حيدر عدة أعمال قصصية وروائية، منها: حكايا النورس المهاجر، الزمن الموحش، التموّجات، وليمة لأعشاب البحر: نشيد الموت، مرايا النار، فصل الختام، أوراق المنفى شهادات عن أحوال زماننا، غسق الآلهة، شموس الغجر.
نجل الراحل: الرواية لم تقصد الإساءة للإسلام .. وتنبأت بأن مشروع الإسلاميين ظلام
مفرادات الرواية فُهمت عن طريق الخطأ
نشر حيدر حيدر روايته الشهيرة "وليمة لأعشاب البحر" عام ١٩٨٣ بسوريا وعندما اُعيد طبعها مرة أخرى عام ١٩٩٩ في مصر انطلقت حملة محمومة قادها بعض الكتاب المحسوبين على تيارات التشدد الديني بدعوى أنها تسيء إلى الإسلام وذلك لأنه يتعرض فيها إلى الذات الإلهية ، حسب رؤيتهم ، واتهم المؤلف بتطاوله على الدين الإسلامي من خلال عبارات وردت على لسان أبطال الرواية خلال أحداثها.
وأصدر مجمع البحوث الاسلامية تقريرا يحمل ذات الاتهامات، وطالب بمنع تداول الرواية ومحاسبة المسئولين عن نشرها .
ونال الكاتب الكبير ابراهيم أصلان بصفته المسئول عن السلسلة التي صدرت عنها الرواية حملة عنيفة، وتعرض لضغوط دفعته، من باب قناعته بصحة موقفه ودفاعة عن حرية الإبداع لتقديم استقالته .
وقف المثقفون بجانب إبراهيم أصلان ودعموه في موقفه من نشر الرواية منهم الرحال جمال الغيطاني الذي كرس أعداد أخبار الأدب في الدفاع عنه ومضى عدد كبير من المثقفين إقرارا بأنهم مسئولون عن نشر هذه الرواية وخرجت بيانات من اتحاد الكتاب العربي في سوريا من مكان تواجد حيدر حيدر إلى جانب بيانات من مثقفين عرب كبار لدعم إبراهيم أصلان سواء في شخصه أو موقعه كمسئول عن نشر الرواية، ومن المثقفين الذين وقفوا بجواره الأديب صنع الله إبراهيم والأديب بهاء طاهر والأديب محمد البساطي والشاعر أحمد فؤاد نجم والشاعر سيد حجاب.
يقول مجد حيدر نجل الروائي حيدر حيدر إن الجزائر تعتبر هي الهيكل العظمي للرواية لكن الأساس والعمود الفقري للرواية هو التجربة السياسية، وهناك في الجزائر بدا يتلمس ما يسمي المشروع الإسلامي السياسي وذكر لي بالحرف أن والده إوضح له أنه يكتب عملا سيزلزل العالم قاصدا بذلك روايته "وليمة لأعشاب البحر" ، فكانت أهمية الرواية مع نشرها أنه لم توجد دار نشر لبنانية تجرأت أن تطبعها، وكان وقتها يعمل بمجلة لبنانية فكتبت الرواية وصُدرت إلى بيروت، فالرواية تحكي عن بعث ولكن مع منع صدور الرواية إلا أنه وبعد صدورها انتشرت الرواية كالنار في الهشيم، وبدأت الرواية تُوزع من ألف نسخة إلى ثلاثة آلاف نسخة كل عام.
يضيف أن الرواية يتحدث فيها عن التجربة العراقية وما حدث في العراق وتطرقت إلى الدين وفي الرواية لم يكن محايدا تجاه الإسلاميين في الجزائر متنبأ بأن هذا المشروع قادم وسيكون مشروعا ظلاما، ولم يقصد والدي في الرواية أي إساءة للقرآن ولا للدين الإسلامي بشكل عام لكنها مفردات عراقية مستخدمة فهمت عن طريق الخطأ في مصر.
وبيًن أيضا أن والده كان يحب ويعشق الروائي إبراهيم أصلان، وقال إذا ما أراد إبراهيم أصلان أن ينشر الرواية فلينشرها وأنا لا أريد أي حقوق لكن ما أريده فقط هو أن يقرأ المصريون هذا العمل، ووقتها كان أصلان يرأس سلسلة آفاق عربية التي تصدر عن وزارة الثقافة المصرية وصدرت عنها الرواية.