تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كنتُ أتمنى أن أكتب في هذه الحلقة عن فكر التكفير الذي يعتنقه تنظيم «التوحيد والجهاد» بسيناء، وغيره من التنظيمات التي تقترب من اعتناق هذا الفكر، وأبرزها من يطلقون على أنفسهم «السلفية الجهادية»؛ لأن هناك قاعدة في علم الاجتماع تقول: «إن سلوك الإنسان وليد لفكرِه»، وعندما تستطيع تحليل الفكر الذي يحمله شخص ما تستطيع فيما بعد أن تتوقع أفعاله أو تصرفاته التي سيتخذها تجاه أي مشكلة تواجهه.. ولكنني أرجأت ذلك إلى حلقة قادمة؛ ليكون الرد مدعمًا بأدلته الشرعية المتفق عليها بين جمهور الأمة، وإن تلاحق الأحداث على الأرض ليجعلنا متفاعلين معها.
فحول موضوع الساعة الآن، وهو اختطاف جنودنا السبعة في سيناء، ثم عملية التحرير وإطلاق سراحهم، فمع اعتماد النيات السيئة؛ لأنه لم يعد هناك مكان للنيات الحسنة أو الظن الحسن؛ فإننا نقول: أُطلق سراح المخطوفين، فأين الخاطفون؟ لماذا لم يعلن عن أسمائهم وهويتهم وانتماءاتهم التنظيمية والقبلية؟ وممن يتلقون الدعم المادي واللوجستي بالمعلومات وغيرها؟ كما أننا لم نستطع أن ننسى أن الذين قتلوا الستة عشر جنديًّا، ولم يمر على قتلهم عام واحد، لم يعلن عن أسمائهم ولا انتماءاتهم التنظيمية أيضًا، فماذا لو تكررت هذه الحوادث؟
هل هناك من يقف وراءهم لحمايتهم من الملاحقة الأمنية؟ من هو؟ وماذا يريد بأمن مصر؟
يخرج الفريق السيسي ليقول إن أمريكا -بجلالة قدرها- انتظرت عشر سنوات لمعرفة حادثة «لوكربي»، نحن كشعب يعذر الفريق السيسي في عدم الإفصاح عن شيء، ولكننا لا نصدقه فيما يدعيه من عدم معرفة المخابرات المصرية والجيش المصري بهوية من قتل الجنود! فهل يريد منا الفريق السيسي أن ننتظر عشر سنوات لمعرفة من قتل الجنود، ثم عشر سنوات أخرى لمعرفة من خطف الجنود؟!
نعذر الفريق لأنه ربما عليه ضغوط سياسية لعدم الإفصاح عن ذلك وكشف حقيقة هؤلاء المجرمين.. ولكننا سيادةَ الفريق لسنا شعبًا من الأغبياء حتى نصدق عدم معرفتك بهوية هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء في المستقبل القريب.
كما أن سيادتك تعلم تمامًا بأن «ليبيا» ليس لها علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، بحادثة «لوكربي»، وألصقت التهمة بليبيا لحاجة في نفس العم سام قضاها.
وحادثة لوكربي -لمن لا يعرفها- هي تفجير طائرة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية فوق قرية «لوكربي» ببلجيكا الواقعة في شمال أوروبا. وما يهمنا أن هذه التنظيمات كلما حققت نجاحًا على الأرض ازدادت قوتها بانضمام أعداد جديدة لها، وأن المنتمين الآن لتنظيم القاعدة أكثر عددًا ممن كانوا قبل أحداث 11 سبتمبر الشهيرة «أبراج التجارة» بنيويورك.. ربما كانت قدرة تنظيم القاعدة الآن على القيام بأعمال متسقة ذات أهداف واضحة غير موجودة، وليس لديهم رؤية إستراتيجية عن أهدافهم الحقيقية أو ماهية هذه الأهداف، أو القدرة على تحقيقها، وهو الفرق بين الأماني والقدرة على تحقيق هذه الأماني.
كل ذلك غائب الآن عن تنظيم القاعدة، ولكن من جهة العدد فقد كثرت أعداد المنضمين لتنظيم القاعدة، بعد نجاح التنظيم بقيادة «أسامة بن لادن» في توجيه ضربة تاريخية للولايات المتحدة الأمريكية «أحداث 11 سبتمبر»، ومع ازدياد أعداد هذه التنظيمات تكثر فرصة اختراقها من قبل المخابرات العالمية، التي ترى في مثل هذه التنظيمات جنودًا تستخدمهم لخدمة أهداف خاصة، يخجلون عن فعلها بأنفسهم، أو أن الظروف الدولية والمحلية لا تسمح لهم بفعلها.
فعلى سبيل المثال جيش النصرة في سوريا، الذي يقاتل بشار الأسد، ويسعى لهدم هذا النظام السوري، وإلحاق سوريا بفوضى العراق، وانهيار سوريا كدولة، اختلفنا أو اتفقنا مع نظامها، إلا أنها سوف تلقى نفس مصير العراق من انهيارها كدولة، وانهيار مؤسساتها، ثم اشتعال الحرب المقدسة بين طوائفها الدينية والعرقية حتى يتحطم الكيان السوري، ثم يأتي عملاء الاستعمار لتشكيل حكومة وطنية، ويتم استبعاد المغفلين والجهلة الذين يقومون بحرب بالوكالة، مثل جيش النصرة وغيرهم من هذه الحكومة؛ بحجة أنها تنظيمات إرهابية تنتمي لتنظيم القاعدة، ولا يجب أن تمثل في حكومة وطنيه هدفها جمع الشمل السوري، بعد أن تكون قد أدت أهداف المخابرات الاستعمارية بجد واجتهاد، تحت شعارات ومسميات مزيفة لن تتحقق، مثل إقامة الخلافة الإسلامية والإسلام هو الحل، وتكون الدولة الاستعمارية حققت أهدافها بهؤلاء الجهلة المخدوعين، وحافظت على جنودها، وكل ما غرمته حزمة من الأموال تدفع لهؤلاء عن طريق رجال أعمال لهم لحى وزبيبة صلاة، ولكنهم أدوات لهذه المخابرات العالمية.
وهذا ما سيحدث مع هذه الجماعات المسلحة التكفيرية في سيناء؛ لأن أهداف إسرائيل في استعادة أرض سيناء لا تخفى على أحد، وحل المشكلة الفلسطينية مخطط له أن يكون على حساب سيناء؛ بحيث يتم إنشاء ما يسمى بغزة الكبرى، وتعلن فيها دولة فلسطينية، وتنتهي مشكلة إسرائيل مع القطبية الفلسطينية.
فبالتأكيد المخابرات المصرية تعلم ذلك جيدًا، والفريق السيسي أخص؛ لأنه كان مديرًا للمخابرات الحربية، فهل الجيش المصري من الناحية الثقافية والفكرية التي يصنع منها عقيدة القتالة يعلم ذلك؟
ولو كان يعلم فهل سيكون له دور حقيقي وسريع في القضاء على مثل هذه المخططات؟ أم أن الجيش يعلم ولكن مقيد لا يستطيع أن يتحرك ولا يستطيع تنفيذ رؤيته للحفاظ على الأمن القومي المصري، والمحافظة على الدولة المصرية من الانهيار بأيدي هذه التنظيمات، التي أصبحت أو سوف تصبح في يوم ما أداة من أدوات القوى الاستعمارية؟ فإن كان يعلم ويدري ولكنه مقيد فإننا نوجه له النصيحة بأن يفك هذا القيد؛ لأنه قيد ما قبل الذبح ولن يفيد عندها الندم.