بعد أن تم الطلاق بين الملك فاروق والملكة فريدة في 19 نوفمبر سنة 1948، كان يعرض عليه بعض الفتيات لكى يختار عروسة جديدة، وكان الملك فاروق يضع شروطا محددة للملكة القادمة، وكان من تلك الشروط أن تكون وحيدة والديها، وان تكون فتاة مصرية مائه في المائه، أي لايجرى في دمها أي دماء سورية أو لبنانية أو تركيه أو اجنبية، وان تكون من الطبقة المتوسطة العليا، ولاتكون من طبقة الباشوات، وان تكون مؤهله صحيا وعمريا لأن تكون أما لولى العهد، ففي مثل هذا اليوم 6 مايو من عام 1951 كان زواج الملك فاروق الأول والملكة ناريمان.
الملك وعروس المستقبل:
أحيانا مايلعب القدر ا دوارا في حياة البشر ويحدد لهم خطوات يمشونها، سواء تم هذا برضاهم أم بغير رضاهم، وهذا ماحدث تقريبا مع تلك الفتاه الصغيرة ذات الستة عشر عاما (ناريمان صادق).
اللقاء الأول:
حدث اللقاء الأول بين الملك فاروق وناريمان صادق عند تاجر المجوهرات وهو أحمد باشا نجيب الجواهرجى في شارع عبد الخالق ثروت (الملكة فريدة سابقا)، حيث كان الملك فاروق في زيارة لهذا المحل حيث انه كان كثيرا مايتعامل معه، وكان أحمد باشا نجيب الجواهرجى معتاد في حالة حضور الملك إلى المحل يقوم بأغلاق باب المحل ويمنع دخول الزبائن احتراما للملك، وعادة ماكان يقف امام باب المحل حارسان، وتصادف في ذلك الوقت أن ذهب أحد الحارسان لأحضار بعض المشغولات الذهبية الخاصة بالملك من الورشه، والاخر ذهب إلى جروبى لأحضار عصير الليمون، أما سكرتير المحل فقد ذهب هو الاخر لأحضار بعض الجنيهات الذهبيه التي كان الملك قد طلبها، في هذه اللحظه تحديدا كان القدر يحدد مصير تلك الفتاه الصغيرة التي هيأ لها القدر تلك الصدفة ليحدث اللقاء الأول بينها وبين الملك فاروق والذى تتوالى بعده الاحداث، فقد دخلت الفتاه الصغيرة المحل ومعها خطيبها، ولم يمنعهما أحد من الدخول، وعندما سمع صوتهما أحمد باشا نجيب طلب منهم التوقف عن استمرار الدخول، وفي تلك الاثناء كان الملك قد انتقل إلى حجرة الخزائن المحلقة بالمحل، وبعد ذلك سمح لهم أحمد باشا نجيب بالدخول، فقالا له انهما يريدان شراء حجر من الماس وهو شبكة الخطوبة، وجلست الفتاه على كرسى في مواجهة حجرة الخزائن الخاصة بالمحل والتى يفصلها عن المحل ستارة، فشاهدها الملك، واعجب بها، وأشار إلى أحمد باشا نجيب وطلب منه أن يعرفهما به، لأنه يرغب في بيع حجر سولتير، ويعتقد انه سيعجبهما، وبعد ذلك اخذ أحمد باشا نجيب رقم تليفون ناريمان، ثم بعد ذلك اتصل القصر بأسرتها، وردت عليه اصيلة هانم والدة ناريمان، واعطته رقم تليفون والدها في العمل.
وبالفعل تم الاتصال بين الملك وبين والد تلك الفتاه، وخاصة وان الملك قد ابدى استعداده للموافقة على الزواج من تلك الفتاه التي كانت تنطبق عليها كل الشروط التي سبق وان وضعها الملك لعروس المستقبل، هذا وقد تم الاتصال بالفعل بوالد ناريمان الذي أصيب بحالة من القلق والخوف على ابنته من أن تكون تلك الزيجة نزوة من نزوات الملك، إلا انه في النهاية صارح خطيب ناريمان بما حدث، وحقيقة قدر زكى هاشم خطيب ناريمان حجم الموقف واستقبله بوعى كامل، وتم بالفعل فسخ الخطبة، إلا أن والد ناريمان ظلت المخاوف تطارده نحو هذه الزيجة، والتى كان يرى انها ربما تواجه نفس المصير الذي لاقته الزيجة السابقة للملك فاروق والملكة فريدة، خاصة وانه كان معروف المعاناه التي كانت تعانى منها الملكة فريدة بعد زواجها من الملك فاروق، لدرجه أن تلك المخاوف قد جعلته يفكر في الهروب هو واسرته خارج مصر إلا أن البعض قد حذره من هذا فتراجع عن تلك الفكرة.
وفجأة يتوفى حسين فهمى صادق والد ناريمان بالسكتة القلبية، ويحضر الملك العزاء ومعه كبار رجال الدولة.
كانت ناريمان بالطبع سعيده بتلك الزيجة، كأى فتاه ترتبط بملك مثل ملك مصر، فكانت تتخيل نفسها داخل قصر عابدين وبجوارها ملك مصر والسودان، وهذا بالطبع كان شرف كبير وعظيم تتمناه ايه فتاه.
بعد زيارة الملك فاروق إلى ناريمان في منزلها بفترة ليست بالقصيرة، للدرجة التي شعرت فيها ناريمان بالقلق، دق جرس التليفون في المنزل وكان المتحدث هو الملك فاروق، وقد قال لها انها ستسافر إلى أوروبا بصحبة عمها مصطفى صادق الذي كان قد تم استدعائه إلى قصر عابدين بناء على تعليمات من الملك، وتم ترتيب السفر، وبالفعل سافرت ناريمان إلى إيطاليا للتدريب على قواعد البروتوكول الملكى، وبالفعل سافرت ناريمان إلى إيطاليا على أساس انها ابنة عم زوجة على بك صادق ويكون اسمها سعاد صادق.
أقامت ناريمان في روما في السفارة المصرية في فيلا سافويا، وهي المنزل السابق للعائلة المالكة الايطالية التي كانت تعيش في هذه الفترة في الإسكندرية، وأقامت في غرفة النوم الخاصة بملكة إيطاليا السابقة، وتم تكليف الكونتيسة ليلى مارتلى وهي من أكثر سيدات أوروبا ثقافة وخبرة بمرافقة ناريمان لتعلمها التاريخ والسلوكيات العامة واتيكيت البلاط الملكى، بالأضافه إلى العديد من الامور التي تحتاج اليها فتاه تستعد لكى تكون ملكة.
▪️وكان من المقرر أن تستمر رحلة ناريمان في أوروبا عام كامل إلا أن الملك فاروق انهى الرحلة بعد ستة أشهر فقط لتعود بعدها ناريمان إلى مصر.
الخطوبة:
في عيد ميلاد الملك الحادى والثلاثين 11 فبراير 1951 تم الإعلان عن نبأ خطبته إلى الانسه ناريمان صادق وهي الفتاه التي وقع اختياره عليها من بين كل بنات مصر وفضلها على كثير من بنات العائلة المالـكه.
وارتدت ناريمان فستانا بديعا وهي تضع القليل من الماكياج وشعرها الذهبى مصفف بطريقة رائعة، واحتفالا بخطبة الملك تمت إضاءة النصب التذكاريه وتم ظهور الجيش في عروض عسكريه، وقامت القوات الجويه بعروض في الجو وتم توزيع الوجبات المجانيه على الآلاف في القاهرة والاسكندريه، وتم توزيع الأراضى الزراعيه على الفلاحين الذين لا يملكون ارضا.
بين الزفاف والخطبه مرت 4 أشهر وقد كان من المقرر أن يتم الزفاف قبل ذلك لكن ظروفا مرضيه عانت منها ناريمان جعلته يتأخر حتى يوم 6 مايو عام 1951 وذلك بسبب جراحة أجريت لناريمان لاستئصال الزائدة الدودية.
الزفاف الملكى السعيد:
مراسم الزفاف كانت ملكيه بمعنى الكلمه وحدثا كبيرا يليق باسم ملك مصر والسودان حيث انشغلت كل أجهزة الدولة بالحدث وترددت ألاغانى وعلت الزينات وتمت إضاءة المصابيح، وفي هذه الأيام كانت ناريمان تعيش في منزلها بضاحية مصر الجديده، وتحولت الانظار صوب هذا المنزل الذي تعيش بداخله الملكة القادمه لمصر والتى تعلق بها قلب فاروق واختارها من بين كل فتيات مصر لتكون زوجته، صورة ناريمان بحق كانت صوره جميله فهى تحمل صفات الفتاه الشرقيه الرقيقه والانيقه، وبدت جميع اللقطات والصور التي ظهرت بها وهي تعكس روح وجوهر الفتاه المصريه الجميله التي تناسب الملك، وتنوعت اللقطات واستحوذت ناريمان على قلوب المصريين وعلى اهتمام وسائل الإعلام.
ذهبت الأميرة فوزيه شقيقة الملك فاروق إلى منزل العروس المرتقبه في مصر الجديده لكى تساعدها في اللمسات الاخيره قبل أن تطل على العالم في حفلة الزفاف، ولتقف إلى جوارها في هذه اللحظه المهمه، وقد ارتدت الملكه الجديده فستان من الساتان الأبيض ويقال انه مرصع بعشرين الف ماسه، وهو فستان لا يصنع بكل هذا الاهتمام والبذخ إلا للاميرات والملكات وقد استغرق إعداده 4 آلاف ساعة كما ورد في كتاب وليم ستاديم (مملكتى في سبيل امرأة) وكانت ترتدى تاجا من الماس، وبعد أن استعدت تماما تحرك موكبها من منزلها بمصر الجديده حيث جلست في سيارة رولزرويس حمراء والسيارات تخترق الشوارع الممتلئة بأقواس النصر ومباهج الأفراح، وعندما وصلت إلى قصر عابدين حيث كان مقررا وفقا للبرتوكول أن ينتظرها الملك وتصعد معه إلى أعلى السلم ثم السير عبر قاعة المرايا الشهيره بقصر عابدين ثم إلى غرفه الملك المزخرفه بالذهب حيث قامت زينب هانم الوكيل زوجة النحاس باشا رئيس الوزراء بتقديم زوجات الوزراء للملكه وقامت زوجة السفير جيفرسون كافرى سفير بريطانيا لدى الملكة المصرية بتقديم زوجات أعضاء السلك الدبلوماسى وبعد ذلك اقيمت مأدبة كبيرة في حدائق قصر عابدين وقام الملك بقطع أول قطعة من كعكة الفرح وكان عرضها 7 أقدام وتتكون من 7 أدوار وقدم فاروق قطعة منها على طبق من الذهب لناريمان.
شهر العسل:
وبعد زفاف الملك فاروق والملكة ناريمان سافر العروسان السعيدان الملك فاروق وملكة مصر إلى أوروبا لقضاء شهر العسل، وقد كان السفر على اليخت الملكى، وقد استمر لمدة ثلاثة أشهر، وقد كانت هذه هي الثلاثة أشهر الوحيدة تقريبا التي قضتها الملكة ناريمان في سعادة حقيقية. بل عاشتها بالفعل. كملكة، ولن ازيد عن ذلك في تلك النقطة، إذ انه من المؤكد أن الجميع سيتخيل كيف يقضى ملك وملكة شهر العسل.
وأثناء تلك الرحلة شعرت الملكة ناريمان بمؤشرات الحمل مما جعل الملك فاروق يقوم بحجز سفينة الركاب الملكية بالكامل لكى تشعر الملكة بالراحة في رحلة العودة إلى مصر انتظارا للمولود القادم.
ميلاد ولى العهد:
ومرت شهور الحمل وفي يوم 16 يناير 1952 دوت في ليل القاهرة الساكن طلقات المدفعيه، حيث تم إطلاق 101 طلقه في الساعة السادسه والثلث صباحا اعلانا عن مولد أول طفل لفاروق قبل موعد ولادته الطبيعية بشهر واحد هو الامير أحمد فؤاد، وقد منح الملك فاروق الطبيب الذي اشرف على عملية الولادة لقب الباشوية.
كان ميلاد ولى العهد الامير أحمد فؤاد عاملا مساعدا على تحسن وتغير شخصية الملك فاروق، فقد كان يقضى وقته معظم الوقت بجوار الامير الصغير، وكانت فترة تمثل من وجهة نظرى الشخصية فترة استقرار نفسى للملك فاروق.
وعلى الرغم من سعادة الجميع بميلاد الامير الصغير أحمد فؤاد، إلا أن كان هناك آخرون لم يسعدوا بهذا الخبر، وكان احدهم الامير محمد على الذي كان وليا للعهد، أي يخلف الملك فاروق مباشرة في حكم مصر، وقد كان عمره وقتها 75 سنة، إلا أن ذلك لم يمنعه من البكاء حزنا على فقدانه لعرش مصر إلى الابد، بالأضافه إلى الامير عبد المنعم وهو ابن عم الملك فاروق ويأتى في ولاية العهد بعد الامير محمد على مباشرة، وقد كان عمره وقتها 52 عاما، فميلاد الامير أحمد فؤاد تحطمت أمال كل من كان يطمع بالجلوس على عرش مصر.
النهاية:
فجأة وكأن الدنيا تأبى لفاروق السعادة، فجأة تتغير الدنيا من حولة، حيث بدأت الصراعات السياسية في مصر تتزايد وكذلك المشكلات، ثم حدث بعد ذلك حريق القاهرة، بالإضافة إلى الاضطرابات التي حدثت في الإسماعيلية والتى خسرت فيها الشرطة المصرية الكثير.
وكانت النهاية المأسوية بالفعل والتى لايمكن أن يتخيلها ايه أحد، ولكن وتقدرون وتضحك الأقدار، فبعد أن الملك فاروق يسعى جاهدا للحصول على ولى للعهد وملك على عرش مصر من بعده، بل وقد خسر فاروق في سبيل حصوله على ولى العهد الملكة الرائعة فريدة، بعد ذلك تكون النهايه المأسوية بعد أن يعطيه ربه مايريد، إلا أن الله يقدر الامور تقديرا أخر.
فتقوم الثورة في مصر في يوم 23 يوليو سنة 1952 أي بعد زواج الملك فاروق والملكة ناريمان بسنة واحدة وثلاثة أشهر، ويتحرك الجيش ضد الملك، وينجح الجيش في تحقيق هذا الهدف الذي لم يكن مخططا له من قبل، ولكن انها ارداة الله، فقد نجحت حركة الجيش، وتنازل فاروق عن عرش مصر لصالح الامير أحمد فؤاد الذي لم يكن وقتها قد تجاوز الستة أشهر، وفقدت الملكة ناريمان التي لم تتجاوز العشرون من العمر عرشها بعد سنة وثلاثة أشهر من زواجها، فقدت عرش مصر. مع فقدان فاروق لعرشه.
وبعد أن وقع الملك فاروق على وثيقة التنازل عن العرش لصالح الامير أحمد فؤاد، اجبر على مغادرة مصر ليعيش في منفاه الذي اعطى فرصة من القيادة الجديدة لأختياره بنفسه.
وبالفعل رحل الملك والملكة والامير الصغير وكذلك بناته الاميرات من زوجته الاولى فريدة، رحلوا جميعا إلى خارج مصر إلى المنفى.
الطلاق بين الملك فاروق والملكة ناريمان:
بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا في المنفى تغيرت العلاقة بين الملك فاروق والملكة ناريمان، وزادت بينهم المشكلات والخلافات، مما أدى في النهاية إلى عودة الملكة ناريمان إلى مصر بصحبة والدتها اصيلة هانم، تاركة الامير أحمد فؤاد مع والده وشقيقاته الاميرات، بناء على رغبة ابيه الملك فاروق راغما الملكة ناريمان على ذلك في حال إصرارها العودة إلى مصر، واعتقد بالطبع أن عودة الملكة ناريمان في ذلك الوقت تحديدها وطلبها للطلاق بعد ذلك من الملك فاروق وحصولها عليه، اعتقد أن الملك فاروق كان يعتبره طعنه له من الملكة ناريمان.
وبعد عودة ناريمان إلى مصر لم ترى الامير الصغير إلا في عام 1955، وبعد ذلك حصلت الملكة ناريمان على الطلاق من الملك فاروق من خلال حصولها على الطلاق من محكمة مصر الجديدة الشرعية بعد أن رفعت دعوى قضائية تطلب فيها الطلاق من الملك فاروق، وبالفعل حصلت على الطلاق في عام 1954 بعد زواج ملكى استمر لمدة 4 سنوات إلا 3 أشهر.