أشاد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، باختيار موضوع المؤتمر العلمي لكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، الذي جاء بعنوان «الرعاية الشرعية والقانونية لذوي الهمم في ضوء رؤية مصر 2030» وبحوثه الأصيلة المتعمقة التي عُرِفَ بها الأزهر الشريف، مُنطلقةً من ثوابت الإسلام وفتح آفاق الاجتهاد والتجديد، مؤمنًا بأن لكل عصر قضاياه وهمومَه وآمالَه وآلامَه.
وأضاف رئيس الجامعة أن تغير الحياة وتجدد واقعها يستلزم بالضرورة تجديد الاجتهاد والاستنباط بما لا يتعارض مع ثوابت الشريعة وأصولها المقررة، فليس كل حامل فقه مجتهدًا، بل المجتهد في الفقه وفي كل ميدان من ميادين العلم هو من يستخرج من العلم علمًا، ومن يصل من المعلوم إلى المجهول، ومن تكون له في العلم بصيرة ورؤية تحقق مصالح العباد والبلاد بما لا يتعارض مع ثوابت الدين، وحيثما تكون المصلحة فثم شرع الله.
ولفت رئيس الجامعة إلى أهمية المحاور التي يتناولها المؤتمر؛ لما تحمله من تنوع واستيعاب لجوانب الموضوع من الناحيتين الشرعية والقانونية؛ للوقاية من الإعاقة والتوعية بأسباب الإعاقة ومخاطرها والفحص الطبي قبل الزواج وحماية الأجنة ورعاية حقوقهم الصحية والتطعيمات واللقاحات والأمصال الوقائية، مشيرًا إلى أن هدف المؤتمر ينطلق من اهتمام ورعاية الدولة المصرية بذوي الاحتياجات الخاصة والتي أولتهم قدرًا كبيرًا من العناية والرعاية في كل المجالات، وهو ما تنهجه جامعة الأزهر، فتساعدهم على تعلم القراءة بطريقة برايل، وغير ذلك مما يعينهم وييسر لهم سبل التعليم والتعلم.
وأكد أن الإسلام أولى ذوي الهمم عناية كبيرة؛ فرفع عنهم الحرج كله، فقال الله جل وعلا: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ مكررة مرتين في سورتي: النور، والفتح، ويلاحظ أنها لم تقل: ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج ولا على المريض؛ فهي لم تنفِ الحرج عنهم مرة واحدة، بل كررت الآية نفي الحرج عن كل واحد منهم على حدة؛ للنص على استقلالية كل منهم في رفع الحرج، مضيفًا أن الآية الكريمة شملت الإعاقة البصرية بذكر الأعمى، والإعاقة الحركية بذكر الأعرج، وقدمت ذكرهما على ذكر المريض؛ لثبوت الوصفين وداومهما، بخلاف المريض فإن الحرج يزول عنه بزوال مرضه.
وتابع داود: إن رسول الإسلام محمدًا- صلى الله عليه وسلم- اهتم بذوي الإعاقة ودمجهم في المجتمع؛ فلم يمنع النوابغ منهم عن تولي المناصب القيادية في الأمة، فأرسل سيدنا معاذ بن جبل وهو أعرج إلى اليمن وولاه منصب القضاء والإمارة، ولم يمنع سيدنا عمرو بن الجموح وكان أعرج شديد العرج من أن يشارك في غزوة أحد حين وجد منه العزم والرغبة على نيل الشهادة في سبيل الله، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقدرهم ويحترمهم فكان يبسط رداءه لسيدنا عبد الله بن أم مكتوم ويقول له «أهلا بمن عاتبني فيه ربي»، واهتم الصحابة بذوي الهمم؛ فقد فرض سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله- راتبًا لهم من بيت المال، وعين الخليفة عمر بن عبد العزيز لكل منهم قائدًا يقوده وأعطاهم من الزكاة، وأنشأ الوليد بن عبد الملك لهم مستشفى خاصًّا بهم، وكان سلاطين المماليك يخصصون لهم جزءًا معلومًا من ريع الأوقاف.
جاءت تصريحات رئيس الجامعة خلال كلمته التي ألقاها صباح اليوم في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة تحت عنوان «الرعاية الشرعية والقانونية لذوي الهمم في ضوء رؤية مصر 2030»، والمقام بمركز الأزهر الدولي للمؤتمرات بمدينة نصر برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث، وحضور الدكتور محمد أبو زيد الأمير، نائب رئيس الجامعة لشئون الوجه البحري بطنطا، والدكتور محمد فكري خضر، نائب رئيس الجامعة لفرع البنات، والدكتور حسن صلاح الصغير، امين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والدكتور نظير عياد، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، والشيخ أيمن عبد الغني، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، ولفيف من عمداء ووكلاء الكليات وأعضاء هيئة التدريس.