تحتفل الكنيسة الكاثوليكية اليوم السبت بذكرى وفاه الطوباوية ماريا كاترينا تروياني.
وُلِدَت ماريا كاترينا تروياني في "ﭼـوليانو دي روما" جنوب غرب إيطاليا يوم 19 يناير 1813م، كإبنة ثالثة من أصل أربعة أبناء لأب هو "تومازو تروياني" وأم هي "تريزا پانتشي"، نالت المعمودية في نفس يوم ولادتها بإسم " كونستنسا" فرح بها والدها لأنها أول صبية بعد ولدين هما "فرانشسكو" و " ولبيراتو".
صارت يتيمة بعد مقتل والدتها على يد والدها، وتولت خالتها رعاية الأطفال الأربعة ولكن بعد فترة بسيطة عهدت بـ" كونستنسا" إلى راهبات دير القديسة كلارا للمحبة في "فرنتينو" فقبلنها في عطف وفرح وأشعرْنها بأنّها في بيتها.
عانت كثيراً من إضطرابات في طفولتها، بسبب حادث مقتل والدتها، لكنها كانت تصلّي إلى الله منذ طفولتها حتى يعينها ويعطيها السلام بناءً على نصيحة الراهبات المسئولات عن الملجأ، وقد احتضن الإله الرحيم آلام الطفلة البريئة المتكلة عليه وخصّها بمحبته وعنايته فنمت في سلامه.
إلتحقت بالمدرسة التابعة للدير أيضاً، وهناك كانت كونستنسا لطيفة مسايرة لرفيقاتها تخصّهن بالمحبّة، وكثيراً ما كانت تجمعهنّ لتكلمهنّ عن يسوع وتشجعهنّ على محبّته.
مرّت عشر سنوات على دخول "كونستنسا" مدرسة الراهبات. وعندما حانت ساعة تركها للمدرسة لم ترغب بذلك، وعليه ففي اليوم 8 ديسمبر 1830 يوم عيد الحبل الطاهر بمريم العذراء، لبست "كونستنسا" الثوب الرهباني الفرنسيسكاني وأصبح اسمها "ماريا كاترينا"
في 16 من شهر ديسمبر عام 1832 كرّست "ماريّا كاترينا" ذاتها للرب ولم تبلغ التاسعة عشرة ووعدته بأن تحيا له مطيعة، فقيرة، طاهرة.
نظراً لقدرتها وأهليتّها الكبيرة، أسند إليها أسقف الإيبارشية وظيفة معلمة. وانتخبت مستشارة في الدير أيضاً وهي في الثامنة عشرة من عمرها فقط. فقدّرت الأم الرئيسة حسن استعدادها للعمل، وشاءت أن تجعلها ساعدها الأيمن في إدارة الدير فعيّنتها أمينة سر، ومسؤولة عن السجلات ومديرة للتلميذات الصغيرات.
عاشت كاترينا حتى السادسة والأربعين من عمرها في دير "فرنتينو" وهي عالية المهمّة في العمل بواجباتها التعليمية والتربوية والرهبانية دائمة السهر على التقدّم في الفضيلة والأمانة لله.
في 25 آب 1859، سافرت 6 راهبات من بينهن الأم الرئيسة والأخت "ماريا كاترينا" إلى روما وبعد أن نِلْنَ بركة البابا بيوس التاسع، أبحرن إلى مصر لإقامة دير هناك. وقد رافقهن الأب المرشد الذي كان له حصّة وافرة في المشروع.
وفي 14 سبتمبر دَخْلن القاهرة وقصدْنَ من ساعتهنّ رعيتهنّ في حيّ "الموسكي".
سنة 1863 انتخبت "ماريا كاترينا" رئيسة عامة للرسالة في الدير الجديد في القاهرة. وإنّ ما كانت عليه الأم "ماريا كاترينا" من روح المبادرة والحيوية، لم يتمكن من حصرها في بيئة ضيقة هي حي "كلوت بك" بوسط القاهرة وعليه، فخلال بعض السنوات، جعلت أديارها ومؤسساتها تنتشر في المنصورة، ودمياط، والإسماعلية، وكفر الزيات، والإسكندرية ومن ثم في مالطة والقدس وايطاليا، حيث أخذت فتيات عديدات يتُقْنَ إلى الحياة الإرسالية. وفي الواقع، إن شابات كثيرات من الشرق وأوروبا جئنَ يسألن الانضمام إلى راهبات مصر الفرنسيسكانيات، لم تكن الأم "ماريا كاترينا" وراهباتها يعرفن الكلل في تعليم الشبيبة، ومعالجة المرضى، واسعاف الشيوخ والفقراء والمعوقين، ومصالحة المُتخاصمين، وردّ السلام إلى الأسر. أما أهمّ الدلائل على ما امتازت به الأم ماريا كاترينا من غيرة رسولية ومحبة، فكان العملان الرسوليان الاجتماعيان: العناية بالأفريقيات الصغيرات واللقطاء.
وفي الأشهر الأولى من سنة 1860، افتتحت ماريا كاترينا مدرسة للأفريقيات من أجل تربيتهن وتعليمهن. وقد بلغ عدد من هذّبتهم طوال أيامها 1574 لقيطاً وعدد من فدتهنَّ من الأفريقيات 748.
كانت الأم ماريا كاترينا شديدة الثقة بالقديس يوسف حتى راحت تعدّه وكيلاً على الدير، ورئيساً وربّاً وحارساً.
وقد حدث أكثر من مرة، أنّها علّقت في عنق هذا القديس "كيس العناية الإلهية" فارغاً، فإذا بالكيس ملآن في الصباح من النقود التي كانت بحاجتها. لكنها سبقت فأحيت الليل كلّه في الصلاة. كما كان يترآى لها كثيراً في سيرها المتعب الطويل وعندما تضلّ الطريق أثناء ذهابها وعودتها.
في الخامس من يوليو 1868، أصدر مجمع انتشار الإيمان قراراً باعتبار إرسالية القاهرة مؤسّسة رهبانية جديدة، وعيّن خادمة الله ماريا كاترينا رئيسة عامّة لها.
لقد كانت الإفخارستيا محور حياة ماريا كاترينا بكاملها ومركز أعمالها ومنبع تعبّدها للمخلص المتجسد. جميع أنواع تعبّد الأم يجب أن يُنظر إليها في ضوء السر الإفخارستي: من تكريمها للملاك الحارس، إلى تكريمها للقديس فرنسيس الأسيزي والقديسة كلارا، وقلب يسوع وقلب مريم والقديس يوسف. لكنه لا بدّ من أن نفرد بمقام خصوصي تكريمها لمريم العذراء، الذي كان ينمو كلّما نمت هي في المسيح، حتى كان من صميم حياتها. وكانت تحبّ أن تهرع إلى العذراء وتدعوها "الأم" وأخيراً أرادت أن تكون مريم البرئية من الخطيئة شفيعة لرهبانيتها.
في يناير 1887 بلغت الأم الرابعة والسبعين من العمر وكانت صحتها تتقهقر ولكنها بقيت صابرة، تتألم بفرح ولا تُشعِر غيرها بأوجاعها الجسدية. ولم تتجاهل أن موتها قريب وكان ذلك فعلاً في يوم 6 مايو 1887. وما إن انتشر خبر وفاتها في القاهرة حتى توافدت الجموع من جميع الطبقات لتكرِّم جثمانها الطاهر وهي تردد: "ماتت أم الفقراء. ماتت الأم البيضاء".
عام 1972م أعلنت الأم مكرّمة. وفي اليوم 14 من إبريل 1985، وهو يوم مجيد في تاريخ راهبات قلب مريم البريء من الدنس الفرنسيسكانيات، أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني طوباوية. وقد جاء ذلك تصديقاً على حدس الشعب وأمنيته الغالية برؤية الأم ماريّا كاترينا مكرّمة على مذابح الكنيسة الجامعة.
أخذت الرهبانية في الانتشار، منذ اليوم الذي فيه وافقت السلطة الكنسية على الأسرة الرهبانية الجديدة، التي أنشأتها الأم كاترينا في القاهرة عام 1859. وعندما فاجأ الموت هذه المؤسِّسة، عام 1887، كانت مرسلاتها قد حللن في مصر وميلانو والقدس ومالطة. فكانت الأديار العاملة عشرة.
أما اليوم، فتنتشر الرهبانية في ايطاليا ومراكش ومالطة وفلسطين والاردن وسورية ولبنان والبرازيل، وفي الولايات المتحدة، وغينيا وكينيا وأثيوبيا والصين، وتبذل الراهبات الفرنسيسكانيات جهودهن في شتى حقول العمل الاجتماعي، إلى جانب التعليم الديني في الرعايا، وتنشئة الأطفال والشبيبة في المدارس على مختلف أنواعها، والمياتم، إلى جانب العناية بالمرضى والعجزة في المستشفيات والعيادات والملاجئ المختلفة، ودارين للجُزام في غينيا.