بعد ثمانية أشهر من توليه مقاليد الحكم خلفًا لوالدته الراحلة الملكة إليزابيث الثانية التى وافتها المنية في سبتمبر ٢٠٢٢، يتوج اليوم تشارلز الثالث رسميًا ملكًا على بريطانيا في حفل أسطوري مهيب في كنيسة وستمنستر.
ويُعد تشارلز الثالث، الذي يتم تتويجه هو وزوجته الملكة القرينة كاميلا، الملك الأربعين الذي يتوج في كنيسة وستمنستر.منذ عام ١٠٦٦، وفقا لما ذكرته شبكة بي بي سي، ويشهد هذا الحدث المهيب إحياء تقاليد وعادات تعود إلى أكثر من ١٠٠٠ عام مضى.
أول وريث لعرش بريطانيا حاصل على شهادة جامعية
ولد الأمير تشارلز في لندن عام ١٩٤٨ وهو الابن البكر للملكة إليزابيث الثانية وزوجها الأمير فيليب، وعلى عكس حياته السياسية الرتيبة، فإن حياته الخاصة بقيت مثار جدل على ضوء خيانته لزوجته الراحلة الأميرة ديانا، وزواجه من كاميلا باركر بولز، التي كانت عشيقته قبل وأثناء زواجه من ديانا.
ومن بين المحطات المهمة في حياته
تخرج فى جامعة كامبردج بدرجة البكالوريوس في التاريخ والأنثروبولوجيا والآثار عام ١٩٧٠ ليصبح بذلك أول وريث للعرش البريطاني يحصل على شهادة جامعية.
وخدم في القوات المسلحة البريطانية كضابط في سلاح الجو الملكي والبحرية الملكية من عام ١٩٧١ إلى عام ١٩٩٤.
وتزوج من ليدي ديانا سبنسر عام ١٩٨١ في حفل زفاف باذخ شاهده ملايين الأشخاص حول العالم، وأصبح أباً لولدين: ويليام أمير ويلز، وريثه المباشر للعرش، وهاري دوق ساسكس.
وانفصل عن ديانا عام ١٩٩٢ بعد سنوات من التوترات والشائعات حول خلافاتهما وعلاقاتهما الخارجية.
ولقيت الأميرة ديانا مصرعها في حادث سير في باريس عام ١٩٩٧، والذي أثار موجة من التعاطف معها والغضب منه، ومن والدته الملكة ومن الأسرة المالكة بكاملها.
تزوج من كاميلا باركر بولز عام ٢٠٠٥ في حفل مدني بسيط، بعد أن حصلا على موافقة الملكة والكنيسة، واصطحب كاميلا في زيارات رسمية إلى دول مختلفة، وأظهر احترامه للديانات والثقافات المحلية.
اشتهر الملك تشارلز بآرائه المؤثرة في قضايا مثل حماية البيئة، والزراعة العضوية، والطب التكميلي، والتعليم، والفنون. وأصيب بفيروس كورونا عام ٢٠٢٠، لكنه تعافى منه بعد فترة قصيرة من الحجر الصحي.
زيت الزيتون من القدس المحتلة.. أهم التقاليد الملكية
يعد استخدام زيت الزيتون المقدس من الأرض المقدسة لمسح رأس الملك والملكة في حفلات التتويج على عرش بريطانيا واحدا من أهم التقاليد لدى العائلة الملكية، في إشارة إلى الصلة التاريخية والدينية بين العائلة الملكية والمسيحية.
وقد شهدت كنيسة القبر المقدس (القيامة) في مدينة القدس، عملية تكريس الزيت الذي يطلق عليه اسم "الميرون"، من قبل البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن، والمطران حسام نعوم، رئيس أساقفة الكنيسة الأنجيلية في القدس.
وصنع الزيت من زيتون من بستان دير مريم المجدلية وبستان دير الصعود على جبل الزيتون، أحد جبال المدينة القديمة فيها، وهو مكان دفن جدة الملك، أميرة اليونان أليس، وعصر الزيتون بالقرب من مكان مولد المسيح في بيت لحم، وعطر بزهور وأعشاب نادرة.
وفي تصريحات له قال رئيس أساقفة كانتربري (رئيس كنيسة إنجلترا)، جاستن ويلبي: "إنه فخور وممتن من تكريس البطريرك ثيوفيلوس الثالث والمطران حسام نعوم الزيت الذي سيرشده ويرشده روح الله"، وأضاف أن هذا الزيت يعكس ارتباط عائلة الملك الشخصية مع الأرض المقدسة واهتمامه الكبير بشعوبها.
وأشار إلى أنه منذ عصور الملوك القدماء حتى يومنا هذا، جرى مسحهم بزيت من هذا المكان المقدس.
كاميلا باركر.. من عشيقة مثيرة للجدل إلى زوجة محبوبة للملك
ولدت كاميلا روزميري شاند في ١٧ يوليو ١٩٤٧ في لندن، وهي الابنة الكبرى للرائد بروس شاند وزوجته روزالين، نشأت في منزل ريفي في شرق ساسكس، وتعلمت في مدارس خاصة في إنجلترا وسويسرا وفرنسا، وفي عام ١٩٧٣، تزوجت من أندرو باركر بولز، ضابط في الجيش البريطاني، وأنجبت منه ابنًا وابنة.
ولكن قبل زواجها، كانت كاميلا قد التقت بأمير ويلز تشارلز عام ١٩٧١، وأقامت معه علاقة عاطفية، وبعد أن انفصلا لفترات قصيرة بسبب التزاماتهما المختلفة، استأنفا علاقتهما في أوائل الثمانينيات، رغم زواج كل منهما من شخص آخر.
وكان زواج تشارلز من ديانا سبنسر عام ١٩٨١ أحد أضخم الأحداث الملكية في التاريخ، لكنه انهار بعد سنوات من التوترات والشائعات حول خلافاتهما وعلاقاتهما الخارجية.
وفي عام ١٩٩٢، تسرب إلى الإعلام تسجيل صوتي لمحادثة خاصة بين تشارلز وكاميلا، أظهر حجم حبهما وشغفهما، وأثار هذا التسجيل فضيحة كبيرة، وأثار غضب الجمهور من كاميلا، التي اعتبروها المسئولة عن تدمير زواج تشارلز وديانا، وفي عام ١٩٩٤، اعترف تشارلز بخيانته لديانا في مقابلة تليفزيونية، ما زاد من سخط الناس على كاميلا.
وفي عام ١٩٩٥، انفصلت كاميلا عن زوجها أندرو، وفي عام ١٩٩٦، انتهى زواج تشارلز وديانا بالطلاق. وفي عام ١٩٩٧ توفيت ديانا في حادث سير في باريس، ما أثار موجة من التعاطف معها والغضب من تشارلز وكاميلا.
ولكن رغم كل هذه المصاعب، استمر تشارلز وكاميلا في علاقتهما، وبدآ في الظهور معًا أمام الإعلام بشكل تدريجي. وفي عام ٢٠٠٥، تزوجا رسميًا في حفل مدني بسيط في قصر وندسور، بعد أن حصلا على موافقة الملكة إليزابيث الثانية والكنيسة، وأصبح لقب كاميلا دوقة كورنوال، إلى جانب لقب أميرة ويلز. لكنها فضَّلَت استخدام الأول فقط.
تاج القديس إدوارد.. 2.2ا كيلو جرام على رأس تشارلز
في حفل يعود تقليده إلى قرون، اعتاد ملك بريطانيا أن يرتدي تاج القديس إدوارد، والذي صنع عام ١٦٦١ لتتويج الملك تشارلز الثاني، وهو مصنوع من الذهب الخالص ويتميز باحتوائه على أكثر من ٤٠٠ حجر كريم، بما في ذلك ست ياقوتات زرقاء و١٢ ياقوتة حمراء، وهذا التاج هو نفسه الذي وضع على رأس والدة الملك، الملكة إليزابيث الثانية، في تتويجها عام ١٩٥٣.
وسيرافق الملك زوجته، الملكة كاميلا، التي ستضع تاج الملكة ماري، جدة إليزابيث الثانية، المرصع بـ٢٢٠٠ ماسة وقد أجري على هذا التاج بعض التغييرات لإضافة ماسات من مجموعة الراحلة إليزابيث الثانية، وإزالة ماسة كوه نور التي استحوذت عليها شركة الهند الشرقية البريطانية عام ١٨٤٩.
ويعد تاج القديس إدوارد القطعة الرئيسية من بين الأحجار الكريمة الخاصة بالأسرة المالكة، وهو مصنوع من الذهب عيار ٢٢ قيراطا، بمحيط دائري يبلغ ٦٦ سم (٢٦ بوصة)، ويبلغ طوله ٣٠ سم (١٢ بوصة) ويبلغ وزنه ٢.٢٣ كجم (٤.٩ رطل). ويحتوي على أربعة أزهار زنبق وأربعة صلبان باتيه تدعم قوسين منخفضين يعلوهما كرة كونية وصليب باتيه، وترمز الأقواس والكرة الكونية إلى تاج إمبراطوري، الغطاء المخملي الأرجواني للتاج مزين بفرو القاقم. ويتكون التاج من ٤٤٤ من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة، بما في ذلك ٣٤٥ حجرا من الأكوامارين، و٣٧ حجر توباز أبيض و٢٧ حجر تورمالين و١٢ حجر ياقوت و٧ أحجار جمشت و٦ أحجار ياقوت أزرق وحجري يرغن وحجر جارنيت وحجر لعل وحجر بهرمان.
وصُنعت النسخة الحالية من تاج القديس إدوارد من أجل الملك تشارلز الثاني في عام ١٦٦١. وهو يشبه التاج الأصلي بمظهره الكلي ووزنه، في حين أن أقواسه صممت على الطراز الباروكي.
وكان التاج الأصلي من الذخيرة المقدسة المحفوظة في دير وستمنستر، مكان دفن إدوارد، إلى أن بيعت شارات الملك أو أذيبت حين ألغى البرلمان الملكية في عام ١٦٤٩ خلال الحرب الأهلية الإنجليزية.
وتوج ستة ملوك فقط بتاج القديس إدوارد منذ استرداد الملكية: تشارلز الثاني (١٦٦١) وجيمس الثاني (١٦٨٥) ووليام الثالث (١٦٨٩) وجورج الخامس (١٩١١) وجورج السادس (١٩٣٧) وإليزابيث الثانية (١٩٥٣).
وتوجد صورة تاج القديس إدوارد على شعارات المملكة المتحدة وأوسمتها وشارات شرفية أخرى في عالم الكومنولث لترمز إلى سلطة الملك.
وعلى الجانب الآخر، تتزين الملكة كاميلا باركر بتاج ماري البلجيكي، وهو تاج مرصع بالألماس والياقوت الأزرق، وهو تاج مصنوع من الذهب الأبيض والبلاتين، ومرصع بـ٧٣٩ قطعة من الألماس و٩٦ قطعة من الياقوت الأزرق، ويزن التاج حوالي ٦٠٠ جرام، ويرتفع ٦.٥ سم في أعلى نقطة له.
وصُنع التاج لترتديه الملكة ماري، زوجة الملك جورج الخامس، خلال حفلة تتويجها عام ١٩١١، واستخدم المصمم جورج فرامبتون أحجارًا من قلادة من الألماس والزمرد كانت هدية من الملك ليوبولد الثاني ملك بلجيكا لابنته الملكة ماري في عام ١٨٩٣، واستبدل فرامبتون الزمرد بالياقوت لإضفاء لون أزرق على التاج.
حارس العقيدة.. أبعاد دينية وتاريخية للتتويج
يعتبر التتويج في بريطانيا من المراسم الدينية المهمة والتي تعبر عن تأكيد سلطة الملك أو الملكة على بريطانيا والكنيسة الأنجليكانية، وتعهدهما بحماية القانون والشعب. يخضع الملك أو الملكة لقسم الولاء، ويلبسون التاج والروب، ويلمسون بزيت مقدس، ويرفعون سيفا وعصا رمزية، كما يحضر الحفل رؤساء الدول والحكومات والأسر المالكة من مختلف أنحاء العالم.
الأبعاد الدينية للتتويج
يحمل الملك في بريطانيا لقب "حارس العقيدة" وهو رأس لكنيسة إنجلترا، التي انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر، لذلك يجب أن يكون الملك أو الملكة من المذهب الأنجليكاني، ولا يمكنهم التزوج من كاثوليك. كذلك، يجب أن يؤدي الملك أو الملكة قسماً دينياً خلال التتويج، يعبر عن إخلاصهم لإله المسيحية وولائهم لشعبهم.
دور التغيرات الديمغرافية في التتويج
شهدت بريطانيا تغيرات ديمغرافية كبيرة في العقود الأخيرة، حيث انخفض عدد المسيحيين وارتفع عدد غير المتدينين والمسلمين وغيرهم من الأديان، ما يطرح تحديات للملكية في كيفية التعامل مع التنوع الديني في المجتمع، وإظهار احترامها لجميع المعتقدات، وفي هذا الإطار، حرص الملك تشارلز الثالث على دعوة ممثلين عن مختلف الأديان لحضور حفل التتويج، وإشراكهم في بعض الصلاوات والأغاني، كما أظهر اهتماماً بالحوار بين الأديان منذ سنوات، وأبدى احترامه لثقافات مختلفة.
تأثير التتويج على العلاقات الدولية
حفل التتويج يعد أيضاً مناسبة لتعزيز العلاقات الدولية بين بريطانيا والدول الأخرى، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي والتغيرات السياسية والأمنية في العالم.
ومن المقرر أن يحضر حفل التتويج ممثلون عن مختلف الدول والمنظمات الدولية، بما في ذلك رؤساء دول وحكومات من دول الكومنولث والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين وروسيا وغيرها، كما سيشارك في الحفل أعضاء من الأسر المالكة في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط.
ويبرز غياب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، الذي قرر عدم حضور الحفل، رغم تلقيه دعوة رسمية من الملك تشارلز، وقال بايدن: إنه سيرسل زوجته جيل بايدن ومبعوثاً دبلوماسياً بدلاً منه، وأثار قرار بايدن تكهنات حول سبب غيابه، وإذا ما كان يعبر عن عداء أو تبرؤ من بريطانيا، لكن المؤرخين يقولون: إن هذا التقليد قديم، وأن لا رئيس أمريكي حضر حفل تتويج ملك بريطاني من قبل، نظراً للصعوبات العملية والتاريخية بين البلدين.